تنثال رواية «لغز ولد كافكا» للكاتب الأمريكي «كيرت لوفيانت» ، في متعة تشد النياط إلى الأسطر الوريدية لحكيها، عن ذلك السينمائي المحترف الذي صمم العزم على السفر إلى براغ لتصوير شريط وثائقي حول المدينة، التي يورق في ثراها الإرث الثقافي لكافكا. ويشرح هذا السينمائي الذي يتجوهر بطلا للرواية، كيف يستشعر أن الحرف «K» يعتبر مفتاح وجوده؛ إذ يقال له دائماً أنه يشبه الممثل «داني كاي Danny kaye» بالإضافة إلى فرانز كافكا (Kafka ) الذي لم يكن يُنَادي إلا بالحرف الأول لاسمه المعجب به حد الولع. من المنطقي إذاً، أن أسماء كل الذين يتقاطعون في الرواية، تبدأ بحرف (k)، وهم: الشخصية المؤثرة «جيري كروبكاويز Jiri krupkawrisz»و «كارولي غراف Karoly Graf» الذي يزعم أنه وَلَد كافكا، والعجيب «فيليب كلين Philippe Klein» الذي صنع منه السينمائي «جيري» اكتشافاً خاصاً حين التقاه في براغ، أو أيضاً الفاتنة كاتيا Katya». إن تكريم مؤلف «المحاكمة» لا ينحد في الحكاية التي تم سردها بدقة أو بأسلوب لعبي أكثر، أو تنحد في هذا الحرف الموجود في كل مكان (يعني حرف k)؛ بل إن هذا التكريم شمل جوهر كتاب «كيرت لوفيانت» الذي نظم عملية اختفاء وتجلي أبطاله بمعنى عبثي يمتد للأقصى، تماماً كما عند كافكا، ولكنه ال «كافكا» المفعم بالدعابة. إن كتاب «لغز ولد كافكا» يُوطد مرساته بمحاذاة التخييل، ولكنه تخييل مهيأ سلفا للتمثل، وهو شبيه بكتاب متداخل حيث تندغم العديد من المقصديات (الفن، الأصول، والحب)، وحيث الاستعارات مزدوجة وثلاثية المعنى؛ كذا الشأن بالنسبة للثنائي مبدع/ إبداع الذي يتكرر عديداً؛ من خلال الأسطورة المتواترة لغوليم (golem)؛ والوعي بأن السارد شخصية في الرواية، وهو قرين مؤلفها الذي يذكر عناوين كثيرة؛ أو أيضا هذا الجزء الذي يمشهد كاتباً في مواجهة رجل يعشق عمله، مما استثاره للكتابة عنه في لعبة مرايا هوجاء، حيث كل واحد منهما قد أُبدع ما من طرف الآخر؛ من هنا، فإن كتاب «كيرت لوفيانت» يُحَيِّي، بعد شخصية كافكا، القوة الخلاقة للأدب، وقدرتها على منح الحياة بواسطة الكلمة، بذات الطريقة التي يكون فيها النحت محتوماً بمطرقة الصلصال. كل الرواية قد شيدت على التخوم التي تفصل الواقع عن الخيال؛ وهنا يجزم الكاتب «كيرت لوفيانت»: لهذه الغاية، آثرت أن أجعل من السارد موثقاً سينمائياً، أي شخصاً يعتقد أنه يستطيع نسخ الحقيقة على شريط الفيلم، والتعليق، عليها، في حين أن بعض الحقائق كالتي اكتشفها، اندلقت من نسق آخر...