ترأس كريستوفر روس مؤخرا في غشت الحالي محادثات غير رسمية بين وفدي المغرب والبوليزاريو بضواحى فيينا بالنمسا؛في أول لقاء بعد ثمانية أشهر من تعيينه مبعوثا خاصا للامين العام للأمم المتحدة في قضية الصحراء المغربية طبقا لقرار مجلس الأمن رقم1871؛تمهيدا لإنجاح أطوار الجولة الخامسة من المفاوضات الرسمية. ولوحظ أن المبعوث الأممي هو الوحيد الذي خرج إلى الرأي العام بتقرير إيجابي عن لقاء فيينا المباشر؛بينما قدم ممثل كل من المغرب والبوليزاريو في استجواباتهما تقريرين سلبيين عن اللقاء؛الأول متشبث بوجاهة الحكم الذاتي والثاني بالاستفتاء؛مما يفسر مرة أخرى تباعد مقاربتي الطرفين. إن القرار 1871 أوصى بمواصلة الحوار دون شروط مسبقة وبنية حسنة مع الأخذ بعين الاعتبار ما بذلته جهود بيتر فان والسوم منذ 2006 بغية التوصل إلى حل سياسي؛وبالتالي لن ننسى نحن المغاربة مخافة إضاعة الوقت أن المبعوث السابق أعلن عن حق أن الحكم الذاتي هو الحل الأنسب للنزاع في الصحراء؛وأن الاستقلال هو خيار غير واقعي؛كما أننا لن ننسى أن القرارين الأخيرين لمجلس الأمن 1813 و1871 يوضحان خارطة الطريق للتوصل إلى حل سياسي،ويعترفان بالتميز لمبادرة الحكم الذاتي المغربية. إن المفارقة التي تقع فيها البوليزاريو هي أن مبدأ الاستفتاء لم تعد تعمل به الأنظمة السياسية الحديثة؛بما فيها القوى العظمى ذاتها بمجلس الأمن؛حيث أن الصين الشعبية ذاتها تعمل بالحكم الذاتي في حق 55 قومية؛وهو أيضا ما تعتزم تركيا تطبيقه في حق الأقلية الكردية بالجنوب؛كما أن جزيرة غرين لاند بعد تبعية 300 سنة للدانمارك تؤمن بحكم ذاتي في إطار الوحدة وليس الانفصال؛ونفس الطرح تؤمن به حركات تحررية بأمريكا اللاثينية كحركة الاستقلال الذاتي في إقليم سانتا كروث الغني بالثروات ببوليفيا؛إذ أنها تؤمن بحكم ذاتي في إطار اندماج تام مع بوليفيا. إن الحل السياسي النموذجي الذي حدده مجلس الأمن له مجموعة من الشروط الموضوعية أهمها:أولا أن يكون ذا طابع سياسي؛أي بعيدا عن الطابع القانوني الذي تحدد ه قواعد القانون الدولي العام؛بمعنى أن المجتمع الدولي سيترك جانبا مختلف الآليات القانونية التي يتم بها حسم المنازعات الدولية؛وثانيا:إن الطابع السياسي؛يعني الابتعاد عن قواعد القانون الدولي التقليدية بشأن تقرير المصير؛ذي الإجراءات المسطرية والتقنية الثقيلة؛لكونه يتطلب عقودا أخرى من الزمن؛بداية من تطبيع العلاقات بين الطرفين وتسجيل الناخبين وتحديد مكاتب التصويت إلى حين الإعلان عن نتائج الاستفتاء؛ وهو ما من شأنه إضاعة الوقت في عملية تقنية غير مجدية؛علما أنها هي أصلا عملية متنازع عليها منذ أن آمن المغرب بقرار الاستفتاء في منتصف الثمانينيات. ويتطلب مفهوم الحل السياسي تفاوض الطرفين المتنازعين بكامل إرادتهما الحرة؛مع وضع مصلحة مواطني الأقاليم الجنوبية في مقدمة الأهداف المتوخاة ؛ومعلوم أن البوليزاريو لا يمكن أن يتفاوض بمحض إرادته ما دام محكوما من طرف العسكرتارية الجزائرية؛وبالتالي لن يراعي مصلحة ساكنة الجنوب بقدر ما يراعي مصالح الجزائر فقط؛ومنذ أن سار البوليزاريو على هذا النهج بدأ المواطنون المغرر بهم في مخيمات العار يفرون من جحيم الحصار بما فيهم القادة المقتنعون بمبادرة الحكم الذاتي الناجحة. ويقتضي الحل السياسي أيضا أن يكون حلا متوافقا عليه من الطرفين؛وهي ضربة موجعة للبوليزاريو بشأن مبدإ تقرير المصير المزعوم ؛حيث أن عبارة "متوافق عليه"تفيد أن القضية ليست قضية إنهاء استعمار كما تزعم البوليزاريو؛بل إن طرفية المغرب تفيد أنه وطن أم لآلاف الصحراويين وللأغلبية ؛وبالتالي فما لدى البوليزاريو هي فقط أقلية مغرر بها؛تنتظر رفع حدود العار من أجل العودة السريعة إلى أرض الوطن؛ومن هذا المنطلق إن الحل السياسي المفترض لا بد أن يوافق عليه المغرب كطرف أساسي كامل العضوية في النزاع المفتعل؛فلماذا تردد البوليزاريو أن المغرب بلد مستعمر؛فمتى كان مجلس الأمن يطلب من المستعمر موافقته في قضية ترابية وسكانية ؟وسيحين الوقت للتساؤل عن حجم تمثيلية البوليزاريو للسكان الصحراويين؛بل عن صحة تمثيليته لهم في الأراضي الجزائرية؟. وفي الأخير إن الحل السياسي الذي يوصي به مجلس الأمن هو الحل العادل والواقعي؛و العدالة تقتضي إشراك جميع الصحراويين في الداخل والخارج وبالمخيمات في التوصل إلى حل منصف لقضيتهم بشكل يتمكنون فيه من تدبير شؤونهم بأنفسهم؛وهو ما تجب الإشارة فيه إلى أن البوليساريو ليس هو الممثل الشرعي والوحيد للصحراويين؛كما أن الحل الواقعي هو ذاك الحل الذي يتأتى تطبيقه على أرض الواقع بالأقاليم الجنوبية؛بعيدا عن التنظير المذهبي والإيديولوجي؛بينما الحكم الذاتي هو اليوم كما اعترف به المبعوث الأممي السابق هو الأكثر واقعية؛ونراه إحدى الآليات التي تقبلها التربة العربية والإفريقية؛كخيار يرضى عنه المجتمع الدولي الحديث؛كإحدى آليات الديموقراطية الجهوية الموسعة في إطار وحدة السيادة الترابية والشعبية؛ناهيك أن المجتمع الدولي يطالب اليوم بدعم وتقوية الدول المغاربية وتوحيد جهودها من أجل مكافحة ظاهرة الإرهاب الدامية المتفشية بالمنطقة؛والتي عجز عنها البعض كالجزائر رغم ما لها من قوة عسكرية بالداخل وعلى الحدود؛فكيف يمكن أن يقبل المجتمع الدولي بخلق كيان وهمي صغير مصطنع بهذه المنطقة عاجز حتى عن احترام قواعد الديموقراطية في صفوفه؟إن الحكم الذاتي هو أحسن أسلوب ديموقراطي حديث في إطار وحدة الدولة المغربية؛للتمكن من مواجهة التحديات والصعوبات بما فيها مكافحة الإرهاب والاتجار في البشر والتهريب على الحدود والاتجار في السلاح والمتاجرة في المخدرات وغيرها؛وحتى إن كان سكان القبايل الجزائريون يطالبون باستقلال ذاتي عن الجزائر فإننا لن نؤيد أكثر من حكم ذاتي بهذه المنطقة؛إنها الواقعية المغاربية والدولية. chouaib.o@hotmail .com