العلم: عبد الناصر الكواي جادت رحم البحث العلمي لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، بمؤلّف قيّم في حقل الإعلام والتواصل، هو “الخطاب الإشهاري: الوظائف والاستيهامات الرمزية”، الذي قدمه الباحث محمد الداهي، بالمعرض الدولي للنشر والكتاب يوم الجمعة الماضي، والذي يُعد ثمرةَ عمل جماعي جاد لباحثين من المغرب والخارج، يروم تفكيك مفاصل الخطاب الإشهاري، والإسهام في إثراء الخزانة المغربية في مجال حيوي هو صناع الإشهار، الذي أصبح يطرح عدة إشكالات محليا ودوليا. في هذا السياق، قال محمد الداهي، إن تطويع الجماهير جانب مهم من الجوانب التي يقوم عليها الإشهار، وذلك من خلال مخاطبته العقلَ الباطن للمتلقي بواسطة العزف على وتر الإحساس والعواطف، واستهداف الاستيهامات الراقدة في لاوعي كل منا، وذلك في أفق تشجيعه على فعل الشراء. كما أن الإشهار بحسب الباحث، يلعب على المواضيع الكبرى التي يجد فيها كل شخص ذاته؛ مثل الصحة والجمال والشباب الدائم والتفوق، موضحا أن ما يُلاحظ اليوم، هو أن المدرسة والبيت وغيرهما من المؤسسات التقليدية للتربية تراجعت أما تعاظم دور الإشهار، الذي بات له تأثير أعمق من الماضي. هذا الواقع، دفع جمعيات وتيارات لمناهضة الإشهار والسعي للحد من آثاره السلبية. ومن المظاهر التي تؤلب هذه الجمعيات على الإشهار، ذكر الداهي، التمييز الجنسي، واللعب على وتر الجنس وجسد المرأة، الذي يستهدف الإشهار دائما استغلاله لجذب الزبون وربح المال. وأكد الباحث كذلك، على غزو الإشهار لجميع الفضاءات وفي كل اللحظات، حتى في ساعات الليل التي يبحث فيها الناس عن الراحة، فإن الوصلات الإشهارية تنثال عليهم بغزارة، وهو ما تطرقت له مداخلات في الكتاب، بتسليطها الضوء على وجود حملات مضادة، تضغط على وسائل الإعلام للحد من البث التلفزي للإشهار في أوقات معينة. وتناول المؤلف أيضا، الإشهار الرقمي والشركات الافتراضية والأسواق الذكية، حيث يُستثمر الإشهار في بعض المدونات والمواقع، ويُكلف ماديا أقل مما هو معمول به في التلفزة خاصة في أوقات الذروة، فضلا عن ضمان تفاعلية الزبون المفترض الفورية. كما أشار الكتاب، إلى وجود عنصر التوالي، الذي يضمن من خلاله الحامل الإلكتروني للبضاعة أن تُتداول على نطاق واسع لدى مستهلكين عديدين، مثل ذلك ما يُروجُ له عبر تطبيق “واتساب”، موضحا كيف أن الخدمات الإلكترونية دخلت في نطاق الإشهار، بأن يتم توصيل البضاعة حتى بيت الزبون الذي اقتناها افتراضيا من أحد المواقع على الأنترنيت. وتطرق المؤلف وفق الداهي دائما، إلى أهم سلبيات الخطاب الإشهاري في الأنترنيت، والتي أجملها في أن الحرب الشرسة بين بعض الشركات، والتي تؤدي أحيانا إلى الخروج عن الأدبيات المتعارف عليها وأخلاقيات المهنة، مثل ما يمنعه قانون الإشهار من ذكر مساوئ شركة منافسة، أو التشهير بها والحط من قيمتها واسمها، غير أن هذا الفعل شاع أخيرا في الفضاء الإلكتروني بالمغرب. نقطة أخرى لفت إليها المتحدث، وهي أنّ الإشهار يلعب على الإيديولوجية المساواتية، محاولا إظهار أنه موجه للجميع، ويتحدث عن الجنة الموعودة ولا يتطرق أبدا للحرب والفقر والموت..، فهو يتوجه ظاهريا إلى العموم ولا يقصي أحداً، لكنه في الباطن متوجه إلى فئة معينة. كما تتوافر في الإشهار كل عناصر المتعة والبساطة، التي تجعل حتى الأطفال يرددون هذه الإيديولوجية. ويحدث أن يتجاوز الإشهار بعده النفعي أي التجاري، ويسعى إلى ترسيخ قيم جديدة. بمعنى أنه يراهن على البعد الثقافي، وهذا ما نلاحظه مثلا في تغير عادات المغاربة في تناول الطعام، التي تغيرت مع وجود علامات معينة من البيت إلى الخروج لتناول الوجبات في مناسبات عدة خارج المنزل في إحدى هذه العلامات المعروفة. وهو ما يمثل انزياحا عن التقاليد، وانسياقا تدريجيا وراء الإشهار، الذي يمتلك قدرة على التطويع وتغيير القيم، وفق الداهي. ويعتبر هذا العمل، جُماع مداخلات خلال ندوة دولية احتضنتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يومي 15 و16 دجنبر 2017.