أعادت الحكومة الكرة للمرة الثانية بعدما فشلت محاولتها الأولى، خلال تقديمها لقانون المالية الحالي، بعد الضجة التي كانت قد أثارتها محاولتها الأولى وأجبرت على سحب الإجراء، ويبدو من خلال إعادة المحاولة للمرة الثانية على التوالي، أن الحكومة مصرة على رغبتها في استثناء الدولة من بعض الأحكام الصادرة ضدها، حيث ضمنت الحكومة في المادة التاسعة من مشروع القانون المالي المعروض على أنظار البرلمان امتيازا قضائيا غير قانوني ويمس بالشرعية والمشروعية، حيث منحت هذه المادة الإدارة المغربية حق التصرف في تنفيذ الأحكام القضائية، ومنعت صراحة الحجز عن أموال الإدارة وأعطتها امتيازا غير مبرر على بقية المتقاضين.
هذا المقتضى التمييزي الذي يمس من جهة ما تضمنته المقتضيات الدستورية المتعلقة بتنفيذ الأحكام والمحاكمة العادلة، ومن جهة ثانية يناقض ما ينص عليه قانون المسطرة المدنية وجميع القوانين المنظمة لعملية تنفيذ الأحكام القضائية، أثار ردود فعل غاضبة ومعارضة من طرف حقوقيين ومحامين، باعتبار أن الأمر يتعلق بفرض تمييز بين المتقاضين مما يؤثر على مصداقية التقاضي وعلى صدقية القضاء الوطني.
وفي هذا السياق، وجه مجموعة من الرؤساء السابقين لجمعية هيآت المحامين بالمغرب وبعض النقباء وهم عبد الرحمان بنعمرو، عبد الرحيم الجامعي، محمد مصطفى الريسوني، ادريس شاطر، امبارك الخطيب الساسي، ادريس أبو الفضل، وحسن وهبي، رسالة إلى كل المحامين والمحاميات وإلى الرأي العام الوطني أعلنوا من خلالها عن رفضهم التلاعب بالقضاء، وقالوا إن المسطرة المدنية التي وضعت بظهير لا يمكن تعديلها بقانون آخر، وهذه المسطرة هي التي تحدد طرق تنفيذ الأحكام وتعطي للقضاء دون غيره الأمر، استثناء، بوقف تنفيذها أو تأجيلها لأسباب يراها ضرورية ووجيهة.
وأضافوا بأن المادة التاسعة من مشروع القانون المالي «جاءت بأخطر المقتضيات، التي ستغصب مصداقية القضاء، ومصداقية أحكامه ضد الدولة، وستقوض أحد المقومات الأساسية لدولة القانون، وفي النهاية ستقتل ما بقي من ثقة المواطنين وللمتقاضين وللمحامين في القرارات والأحكام الصادرة عن القضاء».
وأكد رؤساء جمعية هيآت المحامين السابقين والنقباء إننا «اليوم نشهد فضيحة سياسية وقانونية ومسطرية»، وأعلنوا رفضهم لهذه المادة «لأن تنفيذ الأحكام ضد الدولة ليس منحة بل هو واجب مفروض عليها وعلى كل محكوم عليه»، وطالبوا البرلمانيين برفض هذا المقتضى ومن الحكومة سحبه، وألحُّوا على وزارة العدل وعلى السلطة القضائية الدفاع عن الأحكام وعن تنفيذها.
وللإشارة فإن الفصل 126 من دستور 2011 ينص على أن الأحكام الصادرة عن القضاة ملزمة للجميع ، مع وجوب تقديم السلطات العمومية المساعدة لتنفيذها.
تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة
المادة 9
«يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الأمر بالصرف للإدارة العمومية.
في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه ستون (60) يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية.
يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الامكانات المتاحة بميزانياتهم. وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة.
غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية».