العنف كلمة تمزق الإنسانية، وتبعثر الاحترام، وتقتل الود، وتمحو الشخصيات الضعيفة بممحاة القسوة.. والغريب في الأمر أن تخلع المرأة ثوب الرقة والحنان والتسامح، وتحمل سوط الظلم لتقطع أوصال كيانها أولاً، فهي نصف المجتمع الجميل الحنون الأخاذ.. فكيف لتلك اليدين الناعمتين أن تقتلع أمن أقرب الناس إليها، وكيف لتلك العينين أن تطلق رصاص الكراهية والاستهزاء إلى من أعطاها اسمه وربّعها على عرش بيته وقلبه؟!. والأغرب من ذلك الرجل.. النصف الآخر للمجتمع، القوي الكريم الشجاع. . لماذا يسمح لنفسه أن يخرج عن طريق كبريائه وعزته، ويسير على هامش أسرته ويضيع كيانه في متاهات الذل والاضطهاد؟!. «إنسانة» عندما تراها تظن انها تحمل هذه الصفة، وتظنها من أكمل النساء، ولكن كثيرا ما يظهر الإنسان بصورة لا تعكس محتواه!! .. صراخها يشق سكون الليل وهي تصرخ بزوجها: اخرج من المنزل، لا أريد أن أرى وجهك!!. وتجرح شعوره أمام الضيوف وهي تصفه لهم بسخرية جارحة: انظروا إلى هذا الشخص الجميل.. ألا يشبه «فاندام»؟!. وتعلو ضحكاتها عندما يبعث له أحدهم رسالة على «المحمول» حيث تقول له: اقرأ الرسالة على الحضور، وتقول باحتقار: مسكين لا يجيدالقراءة. ولا يجيبها إلا بنظرات منكسرة، وعندما يشتد غضبها وذلك لأتفه الأسباب، وتضربه بأي شيء يقع تحت يدها العمياء.. وهو الرجل الكريم الحنون الذي لا يبخل عليها بشيء، لماذا تقابل طيبته بالقسوة وكرمه بالجحود وحنانه بالكراهية والاستهزاء؟!. لا تنسي نفسك أيتها المرأة، لقد وهبك الله صفات عظيمة، فكوني لها وعاء طاهراً نقياً صادقاً وحافظي عليها. وإذا كنت ممن يحب التشبه بالرجال فتشبهي بكرمهم، بقوة شخصيتهم الإيجابية، ولا تخلطي بين القوة والقسوة.. فالمرأة العظيمة تجعل من زوج بسيط رجلاً بكل معنى الكلمة من خلال احترامه له، ومن خلال تعويض ما ينقصه، ومن خلال منحها له باقات زهر من عقلها الراجح لتزين حديقة حياته، وتمده بالقوة وتكون رفيقة دربه ومتكأ أيامه، وستراً لأخطائه وأملا يضيء لياليه.. فالكمال غاية لا تدرك ولا يوجد إنسان كامل، فلكل منا في ناحية ما نقص حتى ولو كان طفيفاً.. فضعفنا يكمله قوتهم وقسوتهم يذللها حنانها ووجوههم بسماتنا تجمّلها. من السائد اجتماعياً أن الرجل هو من يمارس العنف ضد المرأة، وان هناك منظومة قيم وأعراف تسوغ هذا العنف حتى من قبل المرأة ذاتها في بعض الأحيان، لكن أن يتم تبادل للأدوار في المجتمع، فتمارس المرأة عنفاً على الرجل يماثل عنفه ضدها، فهذا أمر ربما فيه بعض الاستغراب والطرافة، نظرا للمفاهيم والقيم الاجتماعية السائدة، وما علينا إلا الاعتراف بوجود الحالة وإلا وقعنا في مطب التناقض مع الذات وإخفاء ممارسات لا إنسانية تقوم بها المرأة فعلاً ضد الرجل من خلال صلتها المتشعبة به (أم، أخت، زوجة... ) فالعنف لا يقتصر فقط على مسألة الضرب أو ما يسمى «بالعنف الجسدي» ، إذ ان هناك أنواعا من العنف هي أقسى بكثير من العنف الجسدي، كالعنف النفسي والمعنوي، الذي يلازم الإنسان لفترات طويلة من حياته ناتج عن علاقته بالمحيطين به، وهو ما يعانيه بعض الرجال أبناء كانوا أم أزواجا بفعل علاقة غير سوية مع امرأة تكون سلطوية، مزاجية وعصبية لا تقبل بالآخر رفيقاً وشريكاً.. فمثلاً، هناك عنف الأم نحو الابن فيما يتعلق بحياته الخاصة والاجتماعية، والتي لا تسمح له بالانفراد برأي أو قرار دون الرجوع إليها وتنفيذ ما تراه هي مناسبا دون أخذ رأيه بعين الاعتبار، أو أن رأيها قد لا يحتمل الصواب، وتظهر هذه المسألة واضحة في موضوع زواج الابن، حيث تقوم الأم باختيار زوجته بدلاً عنه باعتبارها تعرف مصلحته أكثر منه، أو أنها تفرض عليه فرضا دراسياً لا يرغبه، فقط لأنها ترى أن هذا هو المناسب له، كما أن هناك الكثير من الأمهات اللواتي يفرضن نوعية اللباس والأصدقاء على أبنائهن، وهذا عنف نفسي تمارسه الأم بدافع من أمومتها المرضية، والتي لا تريد للحبل السري أن ينقطع بينها وبين ابنها، إضافة لعنف آخر تمارسه المرأة الزوجة على زوجها من خلال فرض رأيها باستمرار، أي سحق شخصيته أمامها، وتلاشي وجوده كلياً في محيط الأسرة، فلا يشكل إلا حيزاً مالياً يلبي متطلباتها ومتطلبات الأسرة فقط. وحتى في هذا المجال، هناك الكثير من الزوجات اللواتي يستلمن رواتب الزوج بالكامل، ولا يمسحن له إلا بمصروف يومي بسيط لا يكاد يكفيه ثمن النقل، ما يجعله دائم الحرج إزاء واجبات قد يتعرض لها في حياته الوظيفية، (وربما تمنع هذا المصروف البسيط إن تشاجرت معه).. وهناك العديد من الحالات التي يتم من خلالها ضرب الزوج من قبل زوجة عصبية المزاج، لا تدرك أبعاد تصرفها هذا، وما يحمله من مخاطر نفسية وتربوية بالنسبة للأولاد ، والزوج الذي يلوذ بالصمت احتراما لنفسه وحماية للأسرة من التفكك، فلا يصرّح بما يعانيه لأنه يحط من قيمته وهيبته الاجتماعية، لذا تظل هذه الحالات في المنظور العام نادرة ومستهجنة إن تمت معرفتها، لكنها للأسف موجودة وإن بنسبة أقل قياساً لنسبة العنف ضد المرأة. أيضاً، هناك عنف معنوي تمارسه الزوجة بحق زوجها عندما تمتنع عن أداء واجباتها الزوجية الخاصة، مترفعة عن كل علاقة حميمية تربطهما إلا تماشياً مع رغبتها فقط دون النظر لاحتياجاته هو، أو الابتعاد عن محادثته بطريقة فيها حب ومودة، وهذا ما يشعره بأنه منبوذ لا يليق بها أو أدنى منها مكانة، وما يخلفه ذلك من الآثار النفسية السلبية في علاقته بالأبناء ومدى احترام الأبناء للأبوين معاً.. فهلا أدركت هذه المرأة بشاعة ما تقوم به، وماذا يكلفها إن عادت لطبيعتها الدافئة والحنون والتي امتازت بها المرأة على الدوام بحكم أمومتها وسعة قلبها؟!.