تنطلق اليوم بالمركب الدولي مولاي رشيد ببوزنيقة اشغال المؤتمر العام الثالث عشر للشبيبة الاستقلالية تحت شعار: «الشباب كفاءات من أجل الوطن» بمشاركة خمسة آلاف مؤتمرة ومؤتمر وبحصيلة تراكمات نضالية كبيرة متجذرة في تربة الوطن ومواقف ثابتة ومسؤولة على مر العهود.
وليس سهلا استقراء مسار عمره 63 سنة لمنظمة شبابية طليعية من حجم الشبيبة الاستقلالية التي تأسست سنة 1956، ورسمت ألوكة الزعيم علال الفاسي رحمه الله الموجهة للمؤتمر التأسيسي أدوارها وتوجهات عملها، والمطلوب من الشباب الاستقلالي تجاه قضايا وطنه، وتجاه مهامه التأطيرية لعموم الشباب المغربي.
وانطلاقا من كون الشبيبة الاستقلالية إرثا وطنيا زاخرا بالكثير من المواقف والمبادرات المتجددة، تخرج من مدرستها الآلاف المؤلفة من الأطر بمختلف درجاتها، وقدمت للحزب تنظيميا العديد من الرموز الحزبية المتشبعة بزاد الوطنية المغربية الحقة والتي ساهمت بفعالية سواء في عمل القرب، أو متابعة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية اقليميا ومحليا وجهويا، ولعل أبرز نموذج لهذا العطاء المهم مؤسسة مفتشي الحزب التي كانت صمام الأمان لحزب الاستقلال خلال مرحلة الانشقاق الخطير الذي تعرض له منتصف الخمسينات من القرن الماضي.
ولقد تعاقب على كتابتها العامة الاخوة: المرحوم عبد الكريم الفلوس ، الاستاذ عبد الحق التازي، الاستاذ محمد الوفا، الاستاذ عبد القادر العلمي، الاستاذ محمد بكاري، الاستاذ عبد الله البقالي، الاستاذ عبد القادر الكيحل، الاستاذ عمر عباسي الكاتب العام الحالي.
و على امتداد هذا التاريخ المشرق لعبت الشبيبة الاستقلالية ادوارا اساسية في معركة بناء الاستقلال والديمقراطية بوطننا، ومواجهة اساليب التزوير والتزييف لارادة الامة في فترات عصيبة، الشبيبة الاستقلالية التي تعد نموذجا في هرمها التنظيمي المبني على مايعرف بنظام القنوات، من خلال مشاتل تشكل الجمعيات العاملة تحت لوائها قاعدتها الصلبة، الشبيبة الاستقلالية التي لعبت دورا جوهريا في بناء طريق الوحدة عن طريق جمعياتها ومن ضمنها جمعية بناة الاستقلال، وفتيات الانبعاث بشكل خاص، وهو مايظهر في العديد من الصور التي تؤرخ لهذا الحدث الذي اعطى انطلاقته المغفور له جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله، وشارك في اشغال البناء ولي العهد انذاك المغفور له صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله وواصلت ادوارها في تاطير الشباب خلال مراحل معارك اقرار الدستور والمؤسسات الدستورية، وشكلت مدارس تكوين الاطر قاعدة اساسية لتكوين مناضلات ومناضلي الشبيبة الاستقلالية واعدادهم لمهامهم المجتمعية، باستيعابهم للقوانين المؤطرة للعمل السياسي انذاك، لتواصل مسارها بتوسيع اشعاعها نحو الخارج في فترة العملاقين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدةالامريكية.
ورغم ضعف امكانياتها فقد استطاعت شبيبة حزب الاستقلال ان تسجل مواقف مؤثرة في مختلف مهرجانات الشباب العالمية التي شاركت فيها سواء بالاتحاد السوفياتي او بكوريا الشمالية او كوبا او الجزائر او فنزويلا الخ….
63 سنة على تأسيس شبيبة حزب الاستقلال حزب الامة وضميرها حزب الحركة الوطنية وحاضرها.. 63 سنة من النضال والعطاء.. 63 سنة من الكفاح والبناء
عبر هذا المسار التاريخي نستحضر الوثيقة الاساسية حول الصحراء المغربية بمبادرة من الشباب الاستقلالي في السبعينيات، بعد الندوة التاريخية بدار الحزب بمارسة بحضور مغاربة صحراويين لاسباب كثيرة اسسوا فيما بعد مايسمى بالبوليساريو، ومهم جدا الاطلاع على معطيات هذه الوثيقة التاريخية، ومن المبادرات التي قادتها ايضا الشبيبة الاستقلالية ميدانيا مواكبتها ومساندتها لاول اعتصام للمعطلين بمقر غرفة الصناعة التقليدية بمدينة سلا، حيث وفرت اطقم طبية لمتابعة حالة المعتصمين بعد دخولهم في اضراب عن الطعام، وساهمت في مواكبة تاسيس حركة المعطلين بتنسيق مع المنظمات الشبابية الديمقراطية انذاك الشبيبة الاتحادية والشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية وحركة الشبيبة الديمقراطية، وواكبت عن طريق الفرق البرلمانية لاحزاب التنظيمات الشبابية السالفة اشكالية المعطلين مما دفع الاجهزة المسؤولة الى فتح الحوار بعدما كانت تعتمد لغة القمع والتنكيل بهذه الفئة من ابناء الشعب المغربي.
ولعبت الشبيبة الاستقلالية دورا اساسيا في تاسيس لجنة التنسيق الشبابية للمنظمات الديمقراطية التي عرفت اختصار ب”لتشدو”، هذا التنسيق الشبابي كان له تاثير واضح على قيادات الاحزاب الوطنية التي ستشكل لاحقا الكتلة الديمقراطية، ومن اهم المواقف التي تسجل للشبيبة الاستقلالية القرار غير المسبوق بالانسحاب من المجلس الوطني للشباب والمستقبل الذي كان يرأسه انذاك السيد الحبيب المالكي الرئيس الحالي لمجلس النواب، القرار الذي احدث رجة كبرى داخل الوطن وخارجه، واستدعى الامر لقاءات استعجالية لرئيس المجلس لثني المنظمة عن قرارها لكنها تمسكت بالقرار بعدما لمست ان المجلس كان صوريا ولايقدم شيئا للشباب ولا لمستقبلهم، وفي هذا المسار التاريخي، سجلت الشبيبة الاستقلالية سبقا اخر بتنظيم جامعات ومنتديات جهوية ووطنية منفتحة على جميع الاحزاب والتيارات الفاعلة انذاك، من اليسار المغربي الى العدل والاحسان، الى وجوه كانت مغمورة انذاك ولها وجهة نظر، وهي اليوم من معاول هدم العمل الحزبي الرصين، كان الهدف مناقشة واضحة لايوجد فيها طابوهات، ومقارعة الفكر بالفكر والحجة بالحجة، وفتح المجال لشباب الحزب للتعرف على اوجه الاختلاف بين قيم ومبادئ الحزب، والقيم المناقضة، واستطاعت الشبيبة الاستقلالية ان تقدم نموذجا متفردا في قراءة الذات من خلال كتاب من اجل تغيير ايجابي الذي رصد الاختلالات، كما رصد نقط القوة وقدم البدائل الممكنة، كما كانت الشبيبة الاستقلالية اول منظمة وطنية تعقد لقاءات مفتوحة في التسعينات بكل من العيون وبوجدور والداخلة، وفي مرحلة ثانية رفقة اخواننا في الشبيبة الاتحادية والشبيبية المغربية للتقدم والاشتراكية، حيث كانت النقاشات هامة ومفيدة لانها تجاوزت المنطق التقليدي، لتعالج بنفس نقدي انشغالات مواطنينا في صحرائنا المغربية بنفس الروح السائدة في عموم الاقاليم المغربية الموحدة ارضا وهوية، ومن ابرز المحطات التاريخية معالجة موضوع كان طابو وهو واقع السجون بالمغرب بمدينة فاس بحضور سجناء سياسين سابقين وحقوقيين، ومهتمين وقد كانت هذه المحطة اساسية في الكشف عن العديد من المعطيات التي ستساهم لاحقا في تغييرات مهمة ببلادنا، ولابد ونحن نستعرض جزءا يسيرا من مسار فيه الكثير مما قد لايظهر في هذا الجرد الاجتهادي ان نشير الى اعلان المحمدية، بعد نقاش مستفيض للمسألة الدستورية بالمغرب والمطالبة بدستور اكثر تطورا، واكثر انفتاحا على تقديم صلاحيات حقيقية سواء لمؤسسة الوزير الاول انذاك او ادوار المؤسسات التشريعية في رقابة حقيقية، وفي الاسهام في تجويد القوانين من خلال الاهتمام بمقترحات القوانين التي تقدمها الفرق البرلمانية.
واذا كانت هذه بعض المحطات وليس كلها، فان الشبيبة الاستقلالية طورت مسار تواجدها بمؤسسات الشباب سواء العربية او الافريقية او الدولية، واستطاعت في ظروف صعبة جدا ان تحاصر اعداء وحدتنا الترابية، بل وان تنهي وجودهم في الهياكل المسيرة، لمجموعة من المنظمات والهيات الشبابية القارية والدولية.
ونحن نحاول انعاش ذاكرة منظمة الشبيبة الاستقلالية لابد من الاشارة الى النداء الهام للشباب الاستقلالي الذي وجهه الامين العام للحزب انذاك المجاهد امحمد بوستة رحمه الله، ذلك النداء الذي تضمن اليات العمل التنظيمية المستقبلية للشباب الاستقلالي في ظل التحولات التي بدأ يعرفها المجتمع المغربي من خلال شبابه وحركيته الجديدة.
هذا المسار يصل اليوم الى المحطة 13 والتي بدون شك ستكون محطة لمواصلة التطوير التنظيمي اساسا، ولتواجد اقوى للشبيبة الاستقلالية على المستوى الميداني بفعل ما تتوفر عليه من طاقات واعدة وكفاءات مهمة، بوحدة صف قوية، وباستحضار لهذا المسار الهام الذي كانت فيه الشبيبة الاستقلالية تستحضر جميع الكفاءات بقطع النظر عن انتمائها الاقليمي او الجهوي، وبحرص اكبر على حضور كل الكفاءات التي تقدم اضافات نوعية لعمل المنظمة، واعادة قراءة مسارات القيادات التي قادت الشبيبة الاستقلالية منذ تاسيسها الى اليوم سنجد هذا التنوع حاضرا بقوة معياره الوحيد الوفاء لقيم ومبادئ الشبيبة الاستقلالية.
الشبيبة الاستقلالية التي تخوض ابتداء من اليوم غمار مؤتمرها الوطني ال13 تظل بحصيلة تراكماتها النضالية وتجذرها في تربة الوطن ومواقفها الثابتة والمسؤولة على مر العهود تنظيما شبابيا مغربيا عصيا على التجاوز هكذا رددها في بداية التسعينيات كاتبها العام الأخ البكاري وسيرددها ويتشبعها مئات المؤتمرين الشباب الذين سيحجون مساء اليوم إلى بوزنيقة لتدبيج صفحة جديدة من فخر الانتماء لشباب الالوكة.