بعدما شهدته مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة من دعوات لحملة مقاطعة للأسماك بسبب غلاء أسعارها الفاحش تحت شعاريْ “خليه يخنز” و”خليه يعوم”، شرع المواطنون في عدة مدن مغربية كشفشاون وتطوان والدار البيضاء وغيرها في “انتفاضة” على الأسماك، وظهرت في مقاطع فيديو أنواع من الأسماك وقد ألقيت في الأرض في أسواق هذه المدن وسط غليان شعبي. في هذا السياق، قال بوعزى الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إن أسواقنا غير منظمة والحكومة غائبة عن تحمل مسؤوليتها في ضبط الأسعار الملتهبة فيها، داعياً في تصريح ل”العلم”، هذه الحكومة “التي لا تفعل شيئا سوى سب المواطنين إلى الاستقالة”. وكشف أن السردين بفضل المقاطعة والتخلص من الوسطاء بِيع في أسواق البيضاء يوم الأربعاء الأخير بِ3,50 عوض 30 درهما. وشدد الخراطي، على ضرورة استفادة المغاربة في كل الجهات من خيرات بلادهم البحرية، والتخلص مناحتكار الوسطاء من خلال إيجاد قنوات مباشرة بين المنتج والمستهلك. واعتبر أن الوسطاء إذا أرادوا الربح فماعليهم سوى الانخراط في تعاونيات وتأدية الضريبة والواجبات التي يتملصون منها. ويشتد الاستنكار الشعبي لهذا الغلاء المستشري لما يعرفه الكل من توفر بلادنا على واجهتين بحريتين متوسطية وأطلسية بطول 3500 كلم؛ فحسب وزارة الفلاحة والصيد البحري، تتميز المنطقة الاقتصادية الحصرية المغربية بتنوع كبير لمواردها السمكية بتوفرها على قرابة 500 نوع، منها 60 نوعا في طور الاستغلال. وتشكل الأسماك السطحية الصغيرة أساس هذه الموارد بأزيد من 80 في المائة من المصايد من حيث الحجم، ما يصنف المملكة في المرتبة 25 عالميا في إنتاج السمك، والمرتبة الأولى إفريقيا. بيد أن المفارقة الكبرى هيأن استهلاك المغاربة من السمك جد ضعيف، فمعدل استهلاك الفرد من هذه المادة أقل بكثير من المعدلالعالمي. ورغم أن استراتيجية تطوير وتنمية قطاع الصيد “أليوتيس”، التي تروم زيادة استهلاك الأسماك بالمغرب بحلول 2020 ليصل إلى 16 كلغ للفرد سنويًا، مقارنة ب 10 كلغ حالياً، فإن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تؤكد أن الاستهلاك العالمي من الأسماك لكل نسمة ارتفع إلى أزيد من 20 كلغ سنوياً منذ 2014. وهذا يعني أن المغربي لا يستهلك في المعدل سوى نصف معدل الاستهلاك الفردي في العالم. وهنا يتجلىعدم التوازن بين السوقين الداخلي والخارجي، فالموقع الرسمي لوزارة الفلاحة والصيد البحري يكشف معطيات صادمة، هي أن (صناعة تحويل وتثمين منتجات الصيد البحري في المغرب تعالج ما يقارب 70 في المائة من تفريغ الصيد الساحلي ويصدر ما يناهز 85 في المائة من إنتاجها إلى 100 دولة بالقارات الخمس). وهو ما يعني أن معظم خيرات المغرب السمكية موجهة إلى السوق الخارجية على حساب السوق الداخلية. وبالأرقام دائماً، نستنتج من المعطيات السابقة أن 30 في المائة فقط من كمية الأسماك المفرغة توجه إلىالاستهلاك الداخلي المباشر، وأن 15 بالمائة فقط من الأسماك المعالجة توجه إلى السوق الداخلية. وبعملية بسيطة نجد أن قرابة 40,5 بالمائة فقط من مجموع ما يتم صيده من الأسماك يوجه إلى السوق الداخلية. في المقابل، أرجع تجار سمك في السوق المركزي بالرباط، في تصريح لِ ”العلم”، غلاء الأسعار إلى سوءالأحوال الجوية، وإلى ‘الوسطاء'، الذين يتدخلون في عملية بيع وشراء الأسماك من موانئ الصيد إلى الأسواقالوطنية الخاصة بالبيع بالتقسيط. إلى جانب تصدير الأسماك المغربية إلى أسواق أجنبية، وارتفاع الطلبالداخلي مقارنة مع العرض. هذا الطرح أيده الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، الذي كان صرح بأن الطلب على الأسماك في المغرب قد يصل إلى 2000 طن، بينما العرض لا يتجاوز 1000 طن، متحديا المغاربة كعادته بمقاطعة الأسماك ليومين حتى يضطر بائعوها لتخفيض أثمنتها في السوق، وهوالتحدي الذي يظهر أن المغاربة قد قبلوه فعلا..!