تختتم مساء يومه السبت أنشطة الدورة التاسعة لمهرجان مرتيل السينمائي الذي نظم خلال الفترة الممتدة ما بين 29 يونيو و 4 يوليوز 2009 و الذي شهد أنشطة متنوعة بحضور ضيوف من المغرب و من إسبانيا و من بعض بلدان أمريكا اللاتينية الناطقة بالإسبانية، و سيتم خلال حفل الافتتاح الإعلان عن نتائج المسابقة الرسمية الخاصة بالأفلام الروائية القصيرة و المسابقة الخاصة بالأفلام الوثائقية. و قد تميزت هذه الدورة عن سابقاتها بتكريم إبن تطوان الفنان الراحل حسن المفتي هذا التكريم الذي تم بحضور كل ضيوف المهرجان من بينهم عبد القادر مطاع و البشير عبدو و نزهة الركراكي و محمد الدرهم و بحضور زوجته و إبنه و إبنته و بعض أصدقائه من بينهم الأستاذ حدادو، و كانت مناسبة ألقيت في حق الفقيد المرحوم شهادات تجمع بين حسن المفتي الإنسان و الفنان، و كان لي شرف المساهمة في هذا الحفل التكريمي بشهادة موجزة أشرت فيها إلى أن البشاشة و البساطة و الوداعة و اللطافة و الطيبوبة و التواضع هي بعض الصفات الأخلاقية المميزة للمبدع الموهوب الراحل حسن المفتي الذي ترك رحيله إلى دار البقاء فراغا عميقا في الساحة الفنية المغربية التي ساهم في إغنائها و تطويرها بمواهبه المختلفة و إبداعاته الزجلية و الدرامية المتنوعة و المتميزة مما أهله ليصبح عن جدارة و استحقاق رائدا من رواد الفن ببلادنا. كل إبداعاته تحمل في طياتها بصمة خاصة به و لمسات فنية تميزه عن غيره، هي إبداعات عميقة ذات قيمة فنية بالرغم من بساطتها المقصودة التي تذوقتها و تجاوبت معها كل الشرائح الاجتماعية، إبداعات مغمورة بالأحاسيس و مستوحاة من عمق الحياة الواقعية المعاشة مما يجعلها تحرك عواطف المتلقي و تطربه. كانت و لاتزال إبداعاته الدرامية عبارة عن حكايات تغنى، و إبداعاته الزجلية عبارة عن أغاني تحكى، كل هذا كان يقوم به في صمت و مثابرة بعيدا عن الأضواء، كان رحمه الله لا يتكلم عن إبداعاته بل هي التي تتكلم عنه. الموهبة الفنية التي كان الفقيد يتمتع بها صقلها بالدراسة و القراءة و بالاحتكاك بألمع الفنانين بالديار المصرية و بالمغرب و يبقى الفيلم الاجتماعي الغنائي العاطفي «دموع الندم» (1982) الذي قام ببطولته المطرب الراحل محمد الحياني من أبرز أعماله الدرامية المشهورة، إذ حقق نجاحا تجاريا كبيرا في القاعات السينمائية بالرغم من منافسته من طرف ما لا يقل عن عشرة أفلام مغربية أخرى أنتجت في نفس السنة التي وزع فيها، و هو فيلم فرجوي و جماهيري مستوحى بنوعه و شكله من الأفلام المصرية الغنائية. نجاح المخرج حسن المفتي في هذا العمل لم يأت صدفة أو من فراغ، بل سبق للفقيد أن حصل على دبلوم السيناريو من معهد السينما بالقاهرة سنة 1964 و سبق له كذلك أن اشتغل كمساعد في الإخراج مع عمالقة المخرجين المصريين مثل صلاح أبو سيف و يوسف شاهين و هنري بركات و حسين كمال مخرج الفيلم الغنائي المشهور «أبي فوق الشجرة». بالرغم من بساطة فيلم «دموع الندم» من الناحية الفنية السينمائية، و بالرغم من قلة الإمكانيات المادية فقد استطاع حسن المفتي أن يجعل من قصته البسيطة فيلما ممتعا و مثيرا و شيقا بفضل جودة السيناريو الذي كتبه ، و البناء الدرامي الجيد للأحداث ، والذكاء في توظيف الأغاني المناسبة للموضوع، و أيضا بفضل جودة الكاستين و التشخيص و جودة إدارة الممثلين و الإخراج ،الأمر الذي أعطى عملا فرجويا محبوكا و متقنا، و جعل المطرب الراحل محمد الحياني يشخص دوره بكل سلاسة و تلقائية كأنه ممثل محترف. مازال هذا الفيلم يمتع كل من شاهده و كل من لم يشاهده من الأجيال الحالية يشتاق لمشاهدته. نجاح الفنان حسن المفتي في الأعمال الدرامية يقابله نجاح أكبر في العديد من الأغاني الزجلية الخالدة التي كتب كلماتها و التي لحنها ألمع الملحنين و غناها أكبر المطربين من بينهم عبد الهادي بلخياط (صدقت كلامهم) و عبد الوهاب الدكالي (الثلث الخالي، أنا و الغربة، مرسول الحب ) و محمد الحياني و غيرهم. استطاع الفقيد أن يبصم الأغنية المغربية ببصمته الخاصة به، و استطاع مبكرا أن يصنع له مكانة مرموقة ضمن عمالقة الزجل ببلادنا مثل أحمد الطيب العلج و فتح الله المغاري و المرحوم علي الحداني. وسبق لي في السبعينيات و بداية الثمانينيات أن سمعت عدة أغاني أطربتني بالكلمات و اللحن و الغناء، و لم أكن أعلم في البداية أن كاتب كلماتها هو الفنان حسن المفتي مثل الأغنية الرائعة «صدقت كلامهم» التي لحنها المرحوم عبد الرحيم السقاط و غناها عبد الهادي بلخياط، و في كل مرة كنت أكتشف أنه هو كاتب كلمات تلك الأغاني الجميلة كان إعجابي به و تقديري له يكبر أكثر و أكثر، و كان اقتناعي يزداد ترسيخا بأن الفقيد فنان موهوب و بأنه مبدع حقيقي.