ترى أية دولة يريدها رئيس وزراء إسرائيل، نتانياهو، للفلسطينيين؟ أهي دولة بمفهومها المتعارف عليه دوليا: إقليم يعيش فوقه شعب وتحكمه سلطة سياسية؟ أم أن الأمر لايعدو أن يكون عبارة عن دولة وهمية، خيالية تفتقد إلى أدنى المقومات الأساسية التي تضمن لها البقاء والاستمرارية؟ إن المتأمل لخطاب نتانياهو الأخير حول مفهومه للدولة الفلسطينية، يرى فيه مجرد مُناورة سياسية يهدف من ورائها تجنب اسفزاز الولاياتالمتحدةالأمريكية التي شدد رئيسها باراك أوباما، خلال خطابه الذي وجهه للعالم الإسلامي يوم 4 يونيو الماضي من العاصمة المصرية، على ضرورة إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل في أمن وسلام. إن خطاب رئيس وزراء الدولة العبرية حول إقامة دولة فلسطينية تكون مجردة من السلاح، يجعل من هذه الأخيرة مجرد محمية أمنية وأداة طيعة في يد إسرائيل تمكنها من انتهاك سيادتها وهتك حرمتها في كل وقت وحين على غرار الحرب البشعة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي نهاية السنة الماضية على قطاع غزة. ثم إنه حينما يتعلق الأمر بنقطة أساسية يتوقف عليها استئناف مفاوضات السلام المتعثرة متمثلة في وقف الأنشطة الاستيطانية بالضفة الغربية، والتي أضحت تثير انزعاج وقلق واشنطن والمجموعة الدولية على حد سواء، ترجم عبر إلغاء اللقاء الذي كان مقررا له بين نتانياهو والمبعوث الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط، روبرت غيتس، نجد زعيم اليمين المتطرف يعتمد خطابا ملتويا يحاول من خلاله هدر حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف معتبرا أن ذلك ليس «بالأمر المهم والمستعجل»، وأن ماسيترعي الاهتمام بالدرجة الأولى هو الترسانة النووية الإيرانية، مع تأكيده في ذات الوقت على أنه «لامجال للحديث حاليا عن أعمال استيطانية جديدة، ولكن مع مايضمن التكاثر الطبيعي للمستوطنات القائمة واستجابتها لمتطلبات النمو الديموغرافي». يأتي الموقف الأوربي بهذا الخصوص متناغما مع الموقف الأمريكي، حيث أثار رئيس وزراء إيطاليا، سليفيو بيرليسكوي، انتباه نتانياهو بمناسبة جولة هذا الأخير الأوربية الأولى إلى ضرورة «بعث إشارات قوية حول وقف الاستيطان» فيما دعا الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى «تجميد كلي» لبناء المستوطنات بالضفة الغربية ليأتي نداء مجموعة الثمانية خلال اجتماعها بمدينة تريست الإيطالية حول «ضرورة خلق مناخ من الثقة لاستئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ووقف أعمال العنف» عبر تجميد إسرائيل لجميع أنشطتها الاستيطانية. جدير بالذكر أنه منذ احتلال الضفة الغربية في يونيو 1967، مافتئت جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تبدي معارضتها بطريقة أو بأخرى لمطالب واشنطن والمجموعة الدولية حول بناء المستوطنات، حيث استمرت عمليات الاستيطان بالمنطقة لتصل إلى حدود نصف مليون مستوطن تقريبا من بينهم حوالي 200 ألف مستوطن بالقدسالمحتلة، ليظل السؤال عالقا: هل ستفلح النداءات والجهود الدولية في ثني عزيمة إسرائيل وجبرها على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة استقلالا تاما ضمن حدود آمنة، أم أن نتانياهو سيظل يتوهم بمدينته الفاضلة التي يتحقق له فيها السلام والأرض معا؟