بعد 13 سنة من القطيعة المطلقة يبدو أن كل المؤشرات المتوفرة تجمع على أن الظروف مواتية ومشجعة لتحقق المملكة ذلك الاختراق الدبلوماسي الذكي و الهادىء لأحد أعتى القلاع الدبلوماسية وأكثرها استعصاء بالقارة الافريقية و ستجد قريبا الطريق سالكة والظروف مهيأة لعودة الصوت المغربي قويا و مسموعا ببريتوريا قطب أقصى جنوب القارة الافريقية. تنزيل مقتضيات الرؤية الملكية في التعامل مع أجزاء القارة السمراء سيحدث في المستقبل القريب موجات رجع صدى إيجابية تفوق أكثر التوقعات تفاؤلا . رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما أكد في مقابلة صحفية نشرت الأحد أن جنوب أفريقيا والمغرب سيستأنفان العلاقات الدبلوماسية بعد أكثر من عشر سنوات من سحب المغرب سفيره من بريتوريا. وكانت الرباط قد سحبت سفيرها من جنوب أفريقيا في 2004 بعد أن اعترف رئيسها السابق ثابو مبيكي بالكيان الوهمي المصطنع. ومن حينها و علاقات البلدين في وضع الجمود المطلق الى غاية منتصف الاسبوع الماضي حين إستقبل جلالة الملك الرئيس زوما على هامش قمة للاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وهو اللقاء الاول من نوعه لقائدي البلدين الذي توج بالاتفاق على العمل سويا، يدا في يد، من أجل التوجه نحو مستقبل واعد، لاسيما وأن المغرب وجنوب إفريقيا يشكلان قطبين هامين للاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، كل من جهته، بأقصى شمال وأقصى جنوب القارة. الرئيس زوما لخص هذه الارادة الثنائية بالتأكيد على أن "المغرب بلد إفريقي نحتاج إلى علاقات معه" مضيفا " لم نواجه أبدا أي مشكلة مع المغرب…هم من بدأوا بقطع العلاقات الدبلوماسية « قبل التذكير بالدعم الذي قدمته المملكة إلى شعب جنوب إفريقيا خلال نضاله من أجل التحرر من نظام الفصل العنصري و التشديد على أن المغرب كان واحدا من البلدان التي زارها الرئيس السابق نيلسون مانديلا من أجل البحث عن الخبرة العسكرية في أوائل سنة 1960 . مهمة تحقيق التقارب شبه المستحيل الى وقت قريب بين الرباط و بريتوريا وإذابة طبقات الجليد المتراكمة عبر سنوات عديدة بفعل أمد القطيعة الطويل و غياب الحوار ,و إن توجت بنجاح باهر يتحدد بإعلان إعادة فتح قنوات التواصل الدبلوماسي بين البلدين فإن ابهى ما تؤسس اليه المهمة الموفقة هو تعبيد الطريق لتكامل إقتصادي بين قطبي أقصى شمال و جنوب القارة . ومنطق المصالح الاقتصادية المشتركة للبلدين سيترجم لا محالة بتناسق في التصورات الاستراتيجية التي ستتحدد أساسا في استبدال منطق القطيعة المطلقة الى خيار المكاسب المشتركة على قاعدة الحوار المفتوح والبناء. إن توجهات السياسة الخارجية للمملكة على الصعيد القاري و التي هي نتاج رؤية ملكية ثاقبة ستعبد حتما الطريق أمام عناصر قوة المملكة المتمثلة في صلابة و إغراءات الاقتصاد الخارجي للمملكة وقوة الصوت المغربي المسموع في المنابر الدولية لكي تشكلا معا السلاح الفعال و المؤثر الذي سيحقق من المكاسب السياسية في العشرية المقبلة ما لم يتحقق طيلة عقود مضت . ومن هذا المنطلق فإن انفتاح جنوب افريقيا على الحوار وتطبيع العلاقات الدبلوماسية لا يعني بالضرورة أن موقع جوهانسبورغ أصبح مضمونا بالصف المغربي بل إن الخطوة تستدعي وطنية و ذكاء كبيرين بتجنيد الدبلوماسية الموازية لتكسير جبهات الرفض والتعنت المتعددة بجنوب افريقيا و خاصة داخل تيارات الحزب الحاكم المؤتمر الوطني الافريقي التي لا يبدو أنها كلها على كلمة وايقاع موحدين مع رئيس الحزب و الجمهورية , لكنها تنتظر مستعدة لأن يتحرك الشريك المغربي لمحاورتها و الاستماع اليها و مناقشة افكارها و مواقفها التي لا تتماهى بالضرورة مع الطرح المغربي في مسألة وحدته الترابية … لكن كل شيء قابل للنقاش كرسالة بليغة أرسلها زوما بين السطور الى المغاربة.