لم يعد تأكيد إخوان الجزائر على فك ارتباط بتنظيم الإخوان المسلمين، الذي يتخذ من تركيا مركز ثقل لأنشطته، كافيا لتغطية تعلقهم بالتجربة الأردوغانية بهذا البلد، واعتبارها النموذج الناجح، الذي يجب انتهاجه في برامجهم السياسية والانتخابية، ما يطرح مسألة الولاء في الجزائر، هل هو للمرجعية الوطنية، أم للمراكز الراعية لجماعة الإخوان؟ وأظهرت صور وتسجيلات، نقلت من تجمع انتخابي لحركة مجتمع السلم الجزائرية الإخوانية (حمس)، بمحافظة بسكرة (450 كلم جنوبي العاصمة)، في سياق الانتخابات المحلية المقررة في ال23 من شهر نونبر الجاري، تأثر "حمس″ بالنموذج الإخواني في تركيا. وحملت في التجمع الشعبي المذكور، شعارات ورايات غير جزائرية، تضمنت صورا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في سابقة هي الأولى من نوعها في مسار الحركة الإخوانية الجزائرية. وأثارت صور أردوغان، التي زينت بها الرايات الجزائرية في التجمع الانتخابي، استنكار واستياء الرأي العام، خاصة لدى رواد شبكات التواصل الاجتماعي الذين استهجنوا إساءة الحركة لقداسة الراية الجزائرية، باعتبارها أحد الثوابت الرمزية في المخيال الجزائري. وحذر نشطاء مواقع التواصل مما أسموه ب"الخلايا السياسية والأيديولوجية النائمة"، في إشارة إلى الولاءات السياسية والأيديولوجية لبعض التيارات، على حساب الانتماء والوفاء للمرجعية الجزائرية، واعتبروها "انزلاقا غير مسبوق في مسار حركة مجتمع السلم، يعكس روابط غير معلنة بينها وبين مركز الثقل العالمي لتيار الإخوان". ورغم الشبهات التي أثيرت في وقت سابق، حول علاقات وثيقة غير معلنة بين قادة "حمس″، ومنظري التيار الإخواني في تركيا، إلا أن الرئيس السابق للحركة عبدالرزاق مقري، تمسك بالنفي في كل مرة، وشدد على وفاء "حمس″ لقادتها التاريخيين. في هذا الصدد، يرى مراقبون للشأن الجزائري أن ازدواجية الخطاب السياسي، تعتبر إحدى مقومات نهج التيار الإخواني في الجزائر، لأن القفز من قارب الموالاة السياسية الداعمة للسلطة المتهالكة سنة 2011، لم يكن وليد قناعات حول قطيعة مع السلطة بسبب تنافر سياسي، بل كان من أجل ترصّد فرصة ممكنة قد تتيحها لهم موجة الربيع العربي في الجزائر، أسوة بما حصل في تونس ومصر، وهو ما لم يتحقق. ويضيف هؤلاء بأن "منطق المصلحة لدى حمس الجزائرية، فجر قطب المعارضة السياسية المؤسس في 2014، بسبب مشاركتها في الانتخابات التشريعية في مايو الماضي، ما يترجم تمسك الحركة بالبراغماتية بالتواجد ولو رمزيا في أي من المؤسسات والفعاليات، أسوة بالنهج الذي أوصل تيار أردوغان للهيمنة على مفاصل الدولة التركية". وأدانت المنظمة الوطنية للمجاهدين (قدماء المحاربين)، ببلدة الدوسن في محافظة بسكرة، ما ورد في تجمع حمس، واعتبرت إدراج صور الرئيس التركي تعديا صارخا على حرمة وقدسية العلم الجزائري. وقالت في بيان إن "الأسرة الثورية (الفئات المنتسبة لقدماء المحاربين)، تدين بشدة التجاوزات الخطيرة والإهانة التي تعرض لها الشهداء والمجاهدون، والإساءة التي طالت راية الوطن ورمز الحرية والاستقلال، من طرف التجمع الانتخابي لحركة مجتمع السلم، بالإضافة إلى صور واسم الرئيس التركي عليها". ورفض قياديون في حركة "حمس″ اتصلت بهم (صحيفة العرب اللندنية)، الإدلاء بأي تصريح أو تفسير لما حدث في محافظة بسكرة. وامتنع رئيس الكتلة النيابية في البرلمان ناصر حمدادوش عن التعليق بدعوى "عدم امتلاك المعطيات الكافية"، في حين لم يستبعد عضو في مجلس الشورى الوطني، أن يكون الأمر مجرد "تلفيق"، في ظل وفرة وسائل التمويه والخداع. وخرجت عن حركة "حمس″ مجموعات سياسية صغيرة بسبب الصراعات الشخصية والمصالح الضيقة، لكنها تتبنى نفس الخط السياسي، وتسير الآن بثلاثة خطابات سياسية متنافرة، تتمثل في رؤسائها الثلاثة المتتالين (أبوجرة سلطاني، عبدالرزاق مقري، عبدالمجيد مناصرة).