حديث الجمعة: مائة سنة من تهمة اللاسامية من دريفوس إلى كارودي..؟
بقلم // ذ. محمد السوسي لعل الحدث الأبرز خلال هذا الأسبوع من الوجهة السياسية والتاريخية في العام العربي ليس مواصلة أسلوب القتل والدمار في كثير من الأقطار العربية والإسلامية إذ هذه الأحداث أصبحت عادية في حياة الأمة تصبح عليها وتمسي وتتابع ما يقال ويكتب وينشر على مختلف وسائل الإعلام حول دور هذه الهيئة أو الحكومة في هذا الهجوم أو ذاك وردود الفعل العالمية حول كل ذلك وحتى ما تتعرض له بعض الدول الأخرى من أحداث إرهابية صار من قبل ما أصبح مألوفا ومقلقا ومؤلما إنسانيا كذلك لأنه ينال من الأبرياء الذين لا ذنب لهم في كل ما حصل ويحصل، فهذا ما تناولناه ونتناوله، وإن كان من أبرز الأحداث السياسية كذلك فشل الدعوة لاستقلال (كردستان العراق) وكذلك فشل الدعوة لسلخ إقليم (كاتالونيا) من اسبانيا وهذا ربح للحفاظ على وحدة الدول واستقلالها. غير أن الحدث الذي يثير أكثر هو ما أقدمت عليه الدولة الصهيونية في الهجوم على المقاومين في قطاع غزة لإفشال المصالحة بين الفلسطينيين وجرهم إلى حرب جديدة لا تبقي ولا تذر. وهذا في الواقع أسلوب من أساليب الصهيونية للاحتفال بذكرى مرور مائة سنة على وعد بلفور (02 نونبر 1917)، هذا الوعد الذي أصل لوجود هذه الحكومة وسمح لها بتهجير اليهود بالحيل والقسر واستغلال مشاعرهم الدينية وما يعانون في بعض البلدان الأوروبية لتدفع بهم إلى فلسطين لطرد أهلها وتهجيرهم قسراً. وإذا كانت بعض الهيئات وبعض الوسائل الإعلام العربية قد حاولت ان تلقي الضوء على هذا الوعد وصاحبه وما جرى قبله وبعده، فإن الحكومات العربية والإسلامية ليست في وارد من هذا الأمر لأنها بصدد التطبيع مع الصهيونية العالمية، ففي الوقت الذي كان ينبغي فيه لهذه الحكومات ان تعلن برنامجا لتوعية الرأي العام في أوطانها والرأي العام الخارجي بما جره هذا الوعد من مآسي على الأمة العربية والإسلامية، وكيف وقف هذا الوعد الذي صدر بنية خبيثة وقصد فصل آسيا المسلمة عن إفريقيا المسلمة لِيلا يتحد العالم الإسلامي جغرافيا كما هو متخد فكريا لأن ذلك خطر على الاستعمار والسياسة الاستعمارية في نظر دهاقنة الاستعمار الذين قرروا وجود دولة تعتبر اسفينا في جسم الأمة كي لا تتحد ولا يترك لها فرصة للتنمية والبناء فما يحدث به المؤرخون هو أن الهدف الانجليزي كان هو السيطرة وخدمة اليهود في نفس الوقت وكان السياسي اليهودي “درزائلي” من أكبر من خطط لهذا ونورد فيما يلي خاصة ما كتبته موسوعة السياسة عن الرجل وطموحاته السياسية ونزعته الدينية. سياسي وروائي ورجل دولة استعماري بريطاني، ولد في لندن لأب يهودي إيطالي. عرف بميله نحو المغامرة والانتهازية ووصوليته منذ شبابه، زار البحر الأبيض المتوسط في وقت مبكر من حياته مما ترك أثرا كبيرا في مواقفه السياسية وأطماعه الاستعمارية في وقت لاحق من حياته. بدأ حياته السياسية بأن رشح للانتخابات النيابية كمستقل وفشل في دورتين، فأدرك أن عليه الانضمام لحزب المحافظين ففعل وانتخب نائبا عام 1837 تزوج من امرأة غنية تكبره باثني عشرة سنة فساعدته على إعلاء مركزه الاجتماعي. وعلى الرغم من مواهبه أحجم روبرت بيل زعيم حزبه عن تعيينه في وزارته فما كان من ديزرائيلي إلا أن أخذ ينظم المعارضة داخل الحزب ضد زعيمه وتمكن من إجباره على الاستقالة عام 1846. وفي تلك الفترة من حياته كتب رواية “تانكرد أو الصليبية الجديدة” والتي وفق فيها بين نزعتيه الرئيسيتين: نزعة تمسكه بجذوره اليهودية من جهة ومطامعه الامبريالية البريطانية من جهة أخرى، إذ دارت هذه الرواية حول الحلف بين اليهود الراغبين في “العودة” إلى فلسطين وبين بريطانيا الاستعمارية الراغبة في سيطرتها على تلك المنطقة الهامة من العالم. وعلى اثر ذلك وضع خطة لتمييز حزبه عن سياسات الحزب الليبرالي المنافس، انطلاقا من التمسك بتلك المؤسسات التي يعتبرها الانكليزي في شعوره اللاوعي بمثابة رمز لبريطانيا وعظمتها، وهي الملكية والكنيسة والمستعمرات. ولاسيما الهند . كما وضع خطة لأحكام تنظيم حزبه في عصر توسعت فيه القاعدة الانتخابية، وهكذا استطاع ان يؤمن لحزبه غالبية في الانتخابات العامة (1874) وأن يعود لرئاسة الوزارة حيث تمكن من إدخال الإصلاحات لصالح بعض الطبقات الفقيرة، ومع ذلك فقد بقيت السياسة الخارجية واندفاعه الاستعماري ابرز ما سجل في ذلك السياسي المغامر. فقد تمكن بدعم من آل روتشليد الأثرياء اليهود من شراء أسهم الخديوي إسماعيل في شركة قناة السويس، فكان إيذانا بتصورات سياسية خطيرة ولصالح سيطرة بريطانيا على مصر، أسهم في حمل البرلمان على إعلان الملكة فيكتوريا إمبراطورة على الهند، وعارض بنجاح سيطرة روسيا على استانبول والمضائق بعد وصول الجيوش الروسية للعاصمة العثمانية وذلك من خلال إجبار روسيا على حضور مؤتمر برلين عام (1878) وقبول قراراته المنسجمة مع السياسة البريطانية في الحفاظ على رجل أوروبا، وقد عاد من مؤتمر برلين إلى لندن مظفرا معلنا أنه حقق (السلام المشّرف). وهذا بالطبع لم يكن إلا طريقا لوضع السياسة التي أدت إلى وعد بلفور فيما بعد ذلك وفي صلب الموضوع المزيد في هذا الصدد. وعد بلفور أو مائة سنة من العمل لاجتثات شعب وإحلال شعب آخر غريب محله
عمل لا أخلاقي الذكرى المأوية لوعد بلفور 2 نونبر 1917 – 2نونبر 2017 ذكرى تستحق من كل إنسان يعشق الحرية ويومن بحق الشعوب والأمم أن تعيش مطمئنة وآمنة في أوطانها أن يقف إجلالا للشعب الفلسطيني الذي سلبت أرضه وأعطيت بوعد من لدن هذا الرجل الذي لم يكن لديه إحساس بحرية الإنسان وكرامته، وأن يذكر في نفس الوقت هذا العمل اللاأخلاقي الذي قامت به دولة إدعت ولا تزال تدعي أنها دولة الحريات والديمقراطية، ولكن هذا الادعاء في الواقع لم يعد ينطلي على أحد فسجل هذه الدولة الاستعماري وخيانة العهود لم يعد يخفى على أحد. دعم متواصل ولكن مع ما أثبته التاريخ من دور هذه الدولة في النيل من الأراضي العربية والإسلامية ومن تمزيق هذه الأراضي فلا تزال هناك حكومات عربية تثق بوعود هذه الدولة وتبادلها الود والصداقة وهي الدولة التي مع إلحاح مواطنيها اليوم في تقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني فلا تزال مصرة على الدور الذي قامت به بل هي لا تزال راعية له حتى اليوم بما تقدمه من دعم للصهيونية المغتصبة لفلسطين، فالحكومة البريطانية من الدول الكبرى التي تدعم السياسة الصهيونية وتحميها. اعتراف مرفوض ومن هنا كان رفضها التجاوب مع الدعوة الملحة من نواب برلمانيين وشخصيات سياسية تطالب بمناسبة هذا الذكرى المشؤومة هذه الحكومة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية الذي حتى وان حدث فلن يغير من واقع الاحتلال شيئا، فالاحتلال الإسرائيلي الذي يجثم على أرض فلسطين ويقمع شعبها لن يعبأ بهذا الاعتراف لأنه يعرف ان هذا الغرس وهذه النبتة الخبيثة والشيطانية التي صنعها الاستعمار لن تتأثر مع الدعم اللامشروط من حكومات نافذة في العالم ومن بينها الحكومة الانجليزية نفسها. أهداف لم تتغير ولعل ان يكون الأمل في الاعتراف بالذنب وإصلاح الخطأ من باب الأوهام والأحلام التي لا مكان لها في الواقع، ذلك ان الحكومة البريطانية الاستعمارية بالأساس لم نقدم على هذا الوعد لكي تتراجع عنه أو تصححه، بل هي ما أقدمت عليه الا وهي تومن بأنه الطريق الذي يؤدي بها إلى تحقيق أهدافها الاستعمارية التي لم تتغير مع كل التغيرات التي عرفها العالم، فهي سياسة تمت دراستها والتخطيط لها منذ زمان بعيد، يذكر الناس في هذا الصدد بعض الأمور المباشرة كتقديم مساعدة علمية وحربية بريطانيا في الحرب العالمية الأولى من طرف وايزمان الصهيوني الذي تولى فيما بعد ذلك رئاسة الدولة الصهيونية فيما بعد ذلك عام 1949، كما يذكرون غير ذلك من الأحداث منها معاهدة سايكس-بيكو لعام 1916 وغير ذلك ولكن كل هذا لم يكن في الواقع الا عوامل مساعدة وهيأت الأرض لتنقية سياسة مقررة من قبل والتي رسمت في دهاليز الحكومات الاستعمارية المتعاقبة سواء لدى الحكومة البريطانية أو الفرنسية شريكتها. الإيمان بالصهيونية في اتفاقية سايكس بيكو فرئيس الحكومة البريطانيا درزائلي كان من اليهود المؤمنين بمبادئ الصهيونية يقول “توم رايس” مؤلف كتاب “المستشرق”، في شأن دور اليهود في الأحداث العالمية وبالأخص ما يجري أثناء الحرب العالمية الأولى وما قبلها وما بعدها، “وبالطبع لابد أن يكون لليهود وضع في تلك الأمور أو يتواجدون في مكان ما منها “أنه درزائيلي لا ادولف هتلر ولا هنري فورد الذي تبنى في روايته المسماة “كوننجزبي” نظرية أن هناك مائتي عضو عالمي يكونون حلقة ضيقة مركزية تتحكم في مصائر البشر” (ص:520). الجماعة الضيقة وهذه الجماعة الضيقة في الواقع هي من رسم ويرسم الكثير من السياسات، وهذه السياسات كان من آثارها تدمير الدولة العثمانية ودفع العرب إلى الثورة ضدها وفي نفس الآن عقد الاتفاقيات السرية لتوزيع وتقسيم البلاد العربية ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني للتنفيذ الوعد الذي هو نتيجة لتلك الساسات المهيأة من قبل والتي قال في شأنها الكاتب الفرنسي هنري لورنس في كتابه الخصم عن فلسطين ما سبق نقله ونعيده فيما يلي: ابريل 1977 «في مستهل شهر أبريل/ نسيان 1917، يزور سوكولوف باريس ويقدم نفسه على أنه مفوض” من المنظمات اليهودية في روسيا والولايات المتحدة ومن الاتحاد الصهيوني في إنجلترا بهدف التفاهم مع الحكومتين الإنجليزية والفرنسية فيما يتعلق بتحقيق آرائنا المتعلقة بفلسطين”. وهو يسلم مشروعا يتماشى مع الخطوط المتفق عليها مع سايكس ويوحي بأن الحكومة البريطانية قد وافقت عليه بالفعل: يجب حكم فلسطين من جانب دولة عظمى تكفل الحد الأقصى من الحكم الذاتي للسكان اليهود وتبيح الهجرة والاستيطان دون قيود. وهده الدولة يمكن أن تكون في نهاية المطاف فرنسا. ويحاول محاوروه في الكيه دورسيه التحقق من كون نفوده واقعيا. وبعد ذلك ببضعة أسابيع، يشرح بيكو عملهم: جماعة قومية يتعلق الأمر بالقيام، تحت سيادة دولة عظمى، بتكوين نوع من جماعة قومية يهودية في فلسطين عبر تمكين الإسرائيليين من الاستقرار في البلد ومن حيازة الأراضي. وفي حين أن القادة البريطانيين لم يتخذوا أي موقف رسمي، فإن نظراءهم الفرنسيين هم أول من يتحدثون علنا عن دعمهم الممكن للمطالب الصهيونية. والحال أن سايكس، الذي ينتظر سوكولوف، إنما يسره ذلك. وهو يبلغ لندن في التو والحال بأن فرنسا قد بدأت تتزحزح أمام الضغط: إنها مستعدة للاعتراف بالنزعة القومية اليهودية، الأمر الذي يمهد الطريق أمام إنجلترا لاختيارها “راعية” لفلسطين. وكلما زادت الحقوق الممنوحة لفرنسا في سوريا وفي لبنان كلما قل اهتمامها بفلسطين. الدعم الفرنسي وبعد محادثات واتصالات بخرج عن الخارجية الفرنسية ما يلي: وزارة الخارجية مكتب الوزير باريس، 4يونيو/ حزيران1917 السيد، لقد تفضلتم بأن تعرضوا علي المشروع الذي تكرسون له جهودكم والذي يهدف إلى تنمية الاستيطان اليهودي في فلسطين. وأنتم ترون إنه إذا ما سمحت الظروف بذلك وإذا ما تمت كفالة استقلال الأماكن المقدسة من جهة أخرى، فإنه سيكون بمثابة عمل من أعمال الإنصاف والتعويض أن تجري المساعدة، من خلال حماية من جانب الدول المتحالفة، على إحياء الجماعة القومية اليهودية، على تلك الأرض التي كان شعب إسرائيل قد طرد منها قبل قرون عديدة. والحال أن الحكومة الفرنسية التي دخلت الحرب الراهنة دفاعا عن شعب تعرض ظلما للهجوم، والتي تواصل النضال لتأمين انتصار الحق على القوة، لا يمكنها إلا أن تشعر بالتعاطف مع قضيتكم التي يرتبط انتصارها بانتصار قضية الحلفاء. ويسرني أن اقدم هنا لكم التأكيد على ذلك وتقبلوا … على بالغ احترامي التوقيع ج كامبوس وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول، يجري عرض الملف من جديد على الوزارة. والحال ان الغالبية العظمى من الشخصيات اليهودية التي جرى الاتصال بها إنما تبدو مؤيدة للمشروع. ويشدد بلفور على أهمية كسب تعاطفات اليهود الأميركيين والروس. فيستعيد كيرزون حججه المعروفة بالفعل. ويرد عليه بلفور بالاستناد إلى مذكرة سايكس. أما فيما يتعلق بالمقام القومي، فإنه يتعين فهمه على أنه يعني شكلا من أشكال الحماية يمارسه البريطانيون أو الأميركيون أو أمة أخرى، ويحصل اليهود بفضله على إمكانات العمل على خلاصهم هم وإمكانات بناء مركز حقيقي للثقافة وللحياة القوميتين، عبر التعليم والزراعة والصناعة. ولا يعني هذا بالضرورة الإقامة الفورية بدولة يهودية، قد تنبثق تدريجيا بحكم القوانين العادية للتطور السياسي. ويرضخ كيرزون لضرورات العمل الديبلوماسي: إن تحفظاته إنما تتصل. على أي حال، بالمستقبل ومن ثم فهي لا يمكن أن تكون موضع شواغل مباشرة من جانب الحكومة البريطانية. ويجري تعديل النص مرة أخرى لمراعاة التعديلات التي اقترحها الصهيونيون الأميركيون، إلا أنه لا يجرى الأخذ بمصطلح “إعادة إيجاد”. ثم تتم الموافقة على النص. ولدى خروج سايكس من الاجتماع، يخاطب فايتسمان الذي كان ينتظر على مقربة: “دكتور” فايتسمان، مبروك، جالك ولد. وبما أن فايتسمان كان غائبا عند بداية العملية، فإلى اللورد روتشايلد، الذي كان المشروع الأول للنص قد أرسل باسمه، يوجه بلفور، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، النص الرسمي للتصريح: عزيزي اللورد روتشايلد من بالغ سروري أن أوجه إليكم من طرف حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، المتعاطف مع التطلعات اليهودية الصهيونية، وهو التصريح الذي، بعد عرضته على الوزارة، تمت الموافقة عليه من جانبها. “تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى القيام في فلسطين بإتجاد مقام قومي للشعب اليهودي وسوف تبذل كل مساعيها لأجل تيسير تحقيق هذا الهدف، على أساس أن من المفهوم بشكل واضح أنه لن يجرى القيام بشيء من شأنه إلحاق ضرر بالحقوق المدنية والدينية للجماعات 107 غير اليهودية الموجودة في فلسطين، ولا بالحقوق والوضعية السياسية التي يتمتع بها اليهود في أي بلد آخر”. وسوف أكون ممتنا لكم له أبلغتم الاتحاد الصهيوني بهذا التصريح. وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، تنشر الصحافة البريطانية نص التصريح. وهذه هي التطورات التي أفضت إلى ما تعيشه ارض فلسطين اليوم ومعها العالم العربي والإسلامي وظروف الأمس منذ مائة سنة شبيهة بظروف اليوم. ابتداع أساليب وإذا كانت الصهيونية العالمية استطاعت أن توثر في كثير ان لم يكن الكل من مصادر القرار في الدول الكبرى فإن ذلك حصل باستعمال كل الأساليب التي تبتدعها أو تستغلها لتعمل في دائرة الآلية الصهيونية لتحقيق مآربها، وقد ابتدعت مقولة “العداء للسامية” لتستعملها مسبقا مصلتا على رقاب الساسة والأدباء والمفكرين اعتمادا على العداء التقليدي الذي كان مستحكما بين اليهود والمسيحيين وبصفة خاصة الكنيسة الكاثوليكية ما بعد الإصلاح الديني في أوروبا فقضية صلب المسيح عليه السلام ودور بعض العناصر اليهودية كانت أصل هذا الصراع حيث هناك من يحمل اليهود مسؤولية محاكمة المسيح وصلبه، وهذه العقدة لم يكن لها أثر في الدوائر الإسلامية لان قضية الصلب لا وجود لها لدى المسلمين. وحتى ما أقدم عليه بعض القبائل اليهودية في الجزيرة العربية في بداية الدعوة لم يكن يؤثر في علاقة المسلمين باليهود ولهذا كان التسامح والمعاملة في المجتمعات الإسلامية مغايرة لما كان يجري في أوروبا.وإذا كانت الصهيونية العالمية استطاعت أن توثر في كثير ان لم يكن الكل من مصادر القرار في الدول الكبرى فإن ذلك حصل باستعمال كل الأساليب التي تبتدعها أو تستغلها لتعمل في دائرة الآلية الصهيونية لتحقيق مآربها، وقد ابتدعت مقولة “العداء للسامية” لتستعملها مسبقا مصلتا على رقاب الساسة والأدباء والمفكرين اعتمادا على العداء التقليدي الذي كان مستحكما بين اليهود والمسيحيين وبصفة خاصة الكنيسة الكاثوليكية ما بعد الإصلاح الديني في أوروبا فقضية صلب المسيح عليه السلام ودور بعض العناصر اليهودية كانت أصل هذا الصراع حيث هناك من يحمل اليهود مسؤولية محاكمة المسيح وصلبه، وهذه العقدة لم يكن لها أثر في الدوائر الإسلامية لان قضية الصلب لا وجود لها لدى المسلمين. وحتى ما أقدم عليه بعض القبائل اليهودية في الجزيرة العربية في بداية الدعوة لم يكن يؤثر في علاقة المسلمين باليهود ولهذا كان التسامح والمعاملة في المجتمعات الإسلامية مغايرة لما كان يجري في أوروبا. التصرفات العنصرية وعلى أي حال فاستغلال العداء لليهود والتصرفات العنصرية ضدهم كانت من العوامل التي حركتها الصهيونية العالمية ولا تزال هذه التهمة جاهزة حتى الآن لتلاحق كل من ينتقد الصهيونية العالمية ممثلة في حكومة إسرائيل، وقد استغل الصهاينة هذه المقولة أبشع استغلال وبصفة خاصة بعدما قام به النازيون في ألمانيا بصفة خاصة ومع أن هناك الكثير مما يقال في هذا الصدد فإن الصهيونية تمكنت من سياج هذه التهمة الجاهزة بترسانة قانونية إذ طالما استغلت للحصول على تشريعات حمائية وعلى قوانين وامتيازات، ولقد استغلت هذه الحركة ما حصل لليهود في ألمانيا لتجعل كل من يقدس الأرقام المعلنة لديهم عرضة للمحاكمة. وأود هنا أن أشير إلى أن هناك مؤرخين إسرائيليين كتبوا في الرد على ما تدعيه الحركة الصهيونية ومن بينهم “انورمان فنكلشتاين” الذي أصدر كتاب “صناعة الهلوكست”. وكتب كذلك كتابا بعنوان (الصفاقة ما بعد معاداة السامية الجديدة) هذا الكتاب خصصه لنقد ما تدعيه الصهيونية في الوقت الحاضر في هذا الشأن وترجمت الكاتب الدكتورة فاطمة نصر” وصدر عن مجلة سطور. وجاء في مقدمته على الخصوص ما يلي: حيلة اللوبي «أوراق الهلوكوست و”معاداة السامية الجديدة” هي الحيلة الأخرى التي يلعبها اللوبي الإسرائيلي لتفادي الواضح. تفحصت، في دراسة سابقة، كيف تم تحويل الهلوكوست إلى سلاح إيديولوجي لتحصين إسرائيل ضد أي نقد مشروع. وفي هذا الكتاب، أتفحص “تنويعة” على ورقة الهلوكوست، أي “معاداة السامية الجديدة”. وحقا، فإن ادعاء وجود معاداة سامية جديدة ليس جديدا، كما أنه ليس عن معاداة السامية. فكلما مورس ضغط دولي مجددا، على إسرائيل للانسحاب من المناطق المحتلة، يصعد المدافعون عنها ادعاءات أخرى وسط عروض غير مألوفة، تفاصيلها الدقيقة بالغة التنسيق، بأن العالم تتقاذفه أمواج معاداة السامية. هذا الاستغلال الواضح “لمعاداة السامية” ينزع الشرعية عن نقد إسرائيل، ويجعل من اليهود، لا الفلسطينيين ضحايا، ويلقي بالمسؤولية على العالم العربي ليخلص نفسه من معاداة السامية، لا على إسرائيل لتخلص الأراضي المحتلة منها. يكشف التحليل الثاقب لما يسجله اللوبي الإسرائيلي بصفته معاداة للسامية عن مكونات ثلاثة: التهويل التهويل والفبركة: التصنيف المغلوط للانتقاد المشروع لسياسة إسرائيل، والتعميم غير المبرر والمتوقع في آن، لنقد إسرائيل على أنه نقد لليهود عامة. أعني أنه إذا كان الاستياء الحالي من اليهود يتزامن مع قمع إسرائيل الوحشي للفلسطينيين، كما تتفق كل الدراسات، إذن فالحكمة ناهيك عن الأخلاق، تقتضي إنهاء الاحتلال أيضا، فإن الانسحاب التام لإسرائيل سيحرم المعادين الحقيقيين للسامية الذين يستغلون السياسة الإسرائيلية ذريعة لشيطنة اليهود، يحرمهم من سلاح خطير، ويفضح أجندتهم، وكلما عبر اليهود بصوت مسموع عن معارضتهم للاحتلال الإسرائيلي، سيتراجع عدد غير اليهود الذين يفهمون سياسات إسرائيل الإجرامية ودعمها من قبل منظمات التيار الرئيسي اليهودية، بل تشجيعها، يفهمون هذا على أنه المزاج اليهودي الغالب. التوالد السريع بدأت هذه المقدمة باستشهادات من زيف كتاب “منذ قديم الزمان” لأن السبب الرئيسي لدوامة هذه الكمية المفرطة من النقاشات الخلافية حول الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني هو التوالد السريع للزيف المحض الذي يتخفى كدراسات أكاديمية جادة. ورغم عدم كمالها فإن آلية مراقبة الجودة موجودة في الحياة الفكرية. وعلى أرض الواقع تأخذ تلك الآلية شكل متتاليات من الأسئلة المتشككة. فإذا استشهد شخص بكتاب يناقش أطروحة مستغربة تماما، فعادة ما يسأل/تسأل «أين يدرس الكاتب؟» أو «من هو الناشر؟» أو «من كتب تعريف الكتاب على غلافه الخلفي؟» أو «أي نوع من المراجعات كتبت عنه في الدوريات المهنية الرئيسية؟». عادة ما تمدنا الإجابات عن مثل هذه الأسئلة بمعيار دقيق عن مصداقية هذا الإصدار. بيد أن أحد الملامح الفاضحة للصراع الإسرائيلي/الفلسطيني هو أن آليات مراقبة الجودة تلك لا تكاد توظف، إن هي وظفت على الإطلاق. ربما كان مؤلف أحد الكتب تلك يعمل بالتدريس في جامعة من الدرجة الأولى. وتنشر الكتاب دار نشر مرموقة، وتظهر مراجعات الكتاب في إصدارات بارزة للتيار الرئيسي، ويكون الكتاب أيضا محض هراء. أحدث الإضافات لنوع الكتابات هذا، وهو أيضا موضوع الجزء الثاني من كتابي هذا، هو أحد أفضل الكتب مبيعا، أي “دفاعا عن إسرائيل” الذي كتبه ألان دورشوويتز أستاذ القانون “بهارفارد”. مخاتلة أكاديمية يمكن القول دونما تجني، إن هذا الكتاب يفوق “منذ قديم الزمان” خداعا، وإنه من بين اعتى المخاتلات الأكاديمية المذهلة التي نشرت عن الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني بإطلاقها. وحقا فإن درشوويتز ينتحل أجزاء كبيرة من خداعات بيترز، مؤلف “منذ قديم الزمان”. وعلى حين أن بيترز مصادر حقيقية، فإن درشوويتز يتفوق عليه ويستشهد بمصادر عبثية أو يخيط رقعا متقطعة من القماش كله ويستخدمها أدلة. أقوم في كتابي هذا بمجاورة استنتاجات لجميع منظمات التيار الرئيسي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، ومزاعم درشوويتز. من ثم أوضح بهذا الأسلوب أنه يصعب وجود زعم واحد في الفصول الخاصة بحقوق الإنسان، أو في أي فصل آخر من “دفاعا عن إسرائيل” ليس به تشويه لمصدر أو مرجع مصدق بشكل فج. التحيز المنهجي النقطة بالطبع، ليست هي أن درشوويتز دجال مخادع، الأحرى هو أن ما يتيح لكتاب مثل “دفاعا عن إسرائيل” أن يصبح من أكثر الكتب مبيعا هو التحيز المنهجي المؤسساتي. ولولا انتساب المؤلف إلى أجيال من أمثاله بهارفارد، وتراكمات الثناء على الكتاب من شخصيات مثل ماريو كومو، هنري لويس، جينس الابن، وإيلي ويزل، وفلويد ابرامز، والمراجعات التي تمتدحه في منافذ إعلامية مثل النيويورك تايمز، وبوسطون جلوب وغيرها، لاستقر الكتاب على نفس الرف الذي تحتله إصدارات “جمعية الأرض المسطحة”. هدف كتابي هذا هو رفع الحجاب عن النقاشات الخلافية التي تغلف الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني. متأكد أنا من أن أي شخص يجد نفسه في مواجهة السجل غير المشوه أو المزيف، سيتبين الظلم الذي عاناه الفلسطينيون. آمل أيضا أن يمد هذا الكتاب قراءه بالحافز للتصرفات الفاعلة على أساس الحق بحيث نستطيع معا تحقيق سلام عادل دائم للنزاع الإسرائيلي/ الفلسطيني». (ص:26 وما بعدها). ونود هنا إعطاء نموذجين من تأثير واستغلال هذه المقولة معاداة السامية الأولى حدثت في نهاية القرن التاسع عشر بفرنسا وعرفت بقضية دريفوس التي ملخصها كما جاء في موسوعة السياسة) ج2ص 677-38. قضية دريفوس قضية قانونية –سياسية تجسسية فرنسية بدأت سنة1894، حينما كشفت عن برنامج أرسل إلى شفارتز كوكوبن الملحق العسكري الألماني بباريس ومعه قائمة بالوثائق السرية الفرنسية التي وعد كاتب البرنامج بتقديمها، وأدانت المحكمة العسكرية الكابتين اليهودي دريفوس (1859-1935) بتهمة الخيانة، واستندت في ذلك على أدلة ضعيفة، أهمها الشبه بين خط الرسالة وخط دريفوس، وقد أنكر دريفوس التهمة، ورغم ذلك فقد حكم عليه بالتجريد من رتبته، والسجن مدى الحياة بجزيرة الشيطان (1894) الأمر الذي أثار موجة معاداة قوية لليهود في فرنسا. وفي سنة 1896، أعيد النظر في القضية بعد أن كشف الكولونيل جورج بيكار أدلة تثبت أن المأجور فرديناند استرهازي هو كاتب الرسالة، ولكن السلطات الفرنسية أسكتته، فكشف ماتيو شقيق دريفوس الأدلة نفسها، وطالب بإعادة المحاكمة، وأصبحت القضية مثار نزاع سياسي، قسم فرنسا إلى فريقين ظلا على عداء عنيف عشر سنوات، وكان الملكيون والعسكريون والكاثوليك يرون إدانة دريفوس، بينما أيد براءته الجمهوريون والاشتراكيون والمعادون لرجال الدين. وقد تغلب الفريق الأول في بادئ الأمر، فبرئ استرهازي، وحكم على اميل زولا الكاتب الفرنسي لمقالته: “إني أتهم” ولكن حدث أن انتحر المأجور هنري الذي كان قد زيف الأدلة لإدانة دريفوس في محكمة استرهازي. فأصبح من الضروري إعادة النظر في القضية، فأعيدت محاكمة دريفوس، ولكن المحكمة العسكرية أدانته مرة أخرى سنة 1899، ثم عفا عنه الرئيس لوبيه، وبرئت ساحته 1906 وأعيد للجيش. وقد نشرت وثائق شفارتز كوين سنة 1930 التي أبتت براءته تماما. وقد لوثت قضية دريفوس سمعة الملكيين ورجال الدين. وعجلت بالفصل بين الكنيسة والدولة. كما أنها دفعت ببعض اليهود ومنهم مؤسس الحركة الصهيونية المنظمة تيودور هرتزل إلى اغتنام الفرصة للترويج للفكرة الصهيونية على أساس أن العداء للسامية أمر مترسخ وأزلي في المجتمعات غير اليهودية. والثانية حدثت في فرنسا كذلك وبطلها الذي قدم للمحاكمة المفكر الفرنسي روجي كارودي الذي جاء في نقضه للحكم الصادر ضده ما يلي: رد كارودي هذه المحاكمة، وأقول ذلك بدون عداء للذين أثاروها، لا يمكن أن تغض النظر عن هذا الرهان الحيوي: الحرب أو السلام في العالم. انا أتحدى أي شخص يستطيع أن يجد في كتابي تعبيرا واحدا تكون فيه كلمة يهودي مستعملة في معنى تحقيري. بل على العكس، وكما كتب المدير السابق في الأمانة العامة للأمم المتحدة بول برتو (Paul Berthoud)، عبر مقال في “تريبون دو جنيف”: “واضح اليوم انحراف الصهيونية الى الأصولية، أي مطالبتها بأرض الحق الإلهي على كامل فلسطين كما في سنة 1947” .. “إن المزج بين اللاصهيونية واللاسامية، تغذية إسرائيل وتشجعه عمدا منذ خمسين سنة، وهكذا يفعل يهود الانتشار، مما أدى إلى تعميم التنازل عن فضح فساد المشروع الصهيوني خوفا من الاتهام باللاسامية” … “وكلما بقي الانتشار اليهودي، بشكل ثابت، متضامنا مع دولة إسرائيل التي تتابع سياسة السيطرة وإلغاء الأمة الفلسطينية، كلما كان هدفا للانتقادات الموجهة إلى هذه السياسة. واتهام هذه الانتقادات باللاسامية هو تصرف غير شريف في دعم قضية (محق أمة) هي آخر ما على الشعب اليهودي أن يضمنها، لأنها أخلاقيا تستحق الإدانة، تماما كما يستحقها محق دولة إسرائيل”. لذلك دافعت عن نفسي ضد الاتهام المزدوج: التشهير بأشخاص أو مجموعات بسبب انتمائهم العرقي أو الديني، والتقليل من شأن جرائم هتلر. والتهمتان استوجبتا مني فضحا جذريا لمساوئ الصهيونية، بسبب انحرافات إسرائيلية أكثر إثارة للخوف، وصمتت ال “ليكرا” أمام جرائم جديدة مثل التمييز العنصري وتشريع التعذيب والاستيطان الجاري والاستفزازات المتزايدة. رأي ديكول وليس ذلك نابعا من ذهنية التمييز العنصري أو العرقي (وإلا تناقض ذلك مع فكر حياتي وعملي في خدمة حوار الثقافات والحضارات)، بل من هدفي أن أتخطى ما يعيق بلوغ علاقات سليمة (في الشرق الأدنى وفي العالم) من حواجز تصنعها السياسة الإسرائيلية وأعوانها، وأن أتابع جهودنا مع إخواننا اليهود وكل أصدقاء السلام، على طريق رسمه الجنرال ديغول (في 27/11/1967) ومازال صالحا حتى اليوم بشكل مذهل، إذ قال: “لم يسمع أحد صوت فرنسا، في ستة أيام من المعارك هاجمت إسرائيل أهدافا تريد بلوغها. وها هي، في الأراضي التي احتلتها، تنظم احتلالا لا يمكن أن يستمر بلا طغيان وقمع وطرد، وتظهر فيها ضدها مقاومة تصفها بدورها على أنها إرهاب. إن لم تمزق الأممالمتحدة شرعيتها بنفسها، يجب أن يقوم نظام يعتمد إخلاء الأراضي واعترافا متبادلا بالدول من كلا الدولتين المتنازعتين، وأن يوضع للقدس نظام دولي”. (ص:36 وما بعدها من كتاب: كارودي يقاضي الصهيونية الاسرائيلية).
وعد بلفور أو مائة سنة من العمل لاجتثات شعب وإحلال شعب آخر غريب محله