نشر موقع «ميدل إيست آي» في لندن مقالا للكاتب البريطاني المتخصص في الشؤون الفلسطينية بن وايت، بمناسبة المئوية الأولى على وعد بلفور، دعا فيه بريطانيا إلى مواجهة الحقيقة غير المريحة لتداعياته. ويقول وايت: «حلت هذا الشهر الذكرى ال99 لوعد بلفور، وبدأ التحضير للمئوية الأولى العام المقبل، وتحضر إسرائيل ومؤيدوها للاحتفال بما تراه وثيقة تاريخية تؤكد شرعية الدولة، أما الفلسطينيون وحلفاؤهم فهم في الوقت ذاته يطالبون باعتذار من الحكومة البريطانية على الظلم الذي لا يزالون يشعرون به حتى اليوم». ويشير الكاتب في مقالهإلى أن وعد بلفور كان مثل رسالة تعود إلى 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، أرسلها وزير الخارجية البريطاني لورد آرثر بلفور، نيابة عن الحكومة، إلى ولتر روتشيلد؛ من آجل أن يشارك ما جاء فيها مع الفيدرالية الصهيونية، وتضم الرسالة الكلمات ال69 الآتية: «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية، التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر». ويعلق وايت قائلا إن «السفير الإسرائيلي لبريطانيا مارك ريغيف قام بالاحتفال بالذكرى ال99، من خلال إطلاق بالونات في سماء لندن، فيما تم الإعلان عن مبادرة، تضم مجلس الممثلين اليهود، من أجل شكر الحكومة البريطانية؛ (لاعترافها بحنين الشعب اليهودي لإعادة وطنه القومي في أرض إسرائيل)». ويتساءل الكاتب: «هل وعد بلفور هو ما تريد إسرائيل وأنصارها إثارة الانتباه له؟ أنا أرى أن العكس صحيح». ما هو حق تقرير المصير؟ ويلفت وايت إلى أن حق تقرير المصير هو أولا تذكير بأن الحركة الصهيونية لم تكن قادرة على توسيع أهدافها لإنشاء «دولة يهودية» في فلسطين، إلا بدعم قوة استعمارية، مستدركا بأنه رغم أن التوتر نشأ لاحقا بين سلطات الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية، إلا أن المشروع لم يكن قابلا للحياة في المقام الأول دون دعم الإمبراطورية البريطانية وحمايتها. ويبين الكاتب أن إسرائيل لم تكن قادرة على مواصلة الانتهاكات المنظمة للقانون الدولي، بما في ذلك خمسة عقود من الاحتلال، إلا من خلال دعم الحلفاء الغربيين، خاصة الولاياتالمتحدة، مشيرا إلى أن الدرع الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري يظل مهما لقدرة إسرائيل على مواصلة حرمان الفلسطينيين من حقوقهم. وبحسب الموقع، فإن «وعد بلفور هو تذكير آخر، وخلافا لتأكيد إسرائيل اليوم، بأن الحركة الصهيونية تساوي (حق تقرير مصير اليهود)، و(إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين)، وهو ما يتناقض مباشرة مع مبدأ حق تقرير المصير، ففي الوقت الذي أرسل فيه بلفور رسالته، لم يكن اليهود يشكلون إلا نسبة 10% من سكان فلسطين، (وفي المؤتمر الصهيوني الأول 1897 كانت النسبة 4%)، وحتى بحلول عام 1947 كان الفلسطينيون العرب هم الغالبية، كانوا ثلثي السكان». ويفيد وايت بأن المنظمة الصهيونية في لندن، حذرت بعد عامين من وعد بلفور عام 1919، قائلة إن «مشكلة الديمقراطية أنها تعني بشكل عام الاحتكام لحكم الغالبية، دون اعتبار التنوعات، أو مراحل التمدن، أو اختلافات القدرات، ومن هنا، فإنه لو تم تطبيق مفهوم رقمي للديمقراطية الآن، أو في أي مرحلة قادمة في المستقبل، وعلى الظروف الفلسطينية، فإن الغالبية التي ستحكم ستكون الغالبية العربية، وعليه، فإن مهمة إنشاء دولة فلسطينية يهودية عظمى ستكون صعبة وبشكل مطلق». ويورد المقال نقلا عن المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف، تعليقه قائلا: «المشكلة في قلب الزعم الصهيوني أنه لم يتم توضيحه بشكل كامل: فالحلم الصهيوني يتناقض مع مبادئ الديمقراطية». وينوه الكاتب إلى أن «وعد بلفور هو تذكير بأن الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل كان عليهما الاعتماد دائما على أصدقاء بغيضين، فبلفور، كما وصفه المؤرخ جيسون تومز، كان معجبا بالزوجة الثانية المعادية للسامية لريتشارد فاغنر، كوسيما فاغنر، وأخبر أول رئيس إسرائيلي حاييم وايزمان كيف أنه (اشترك معها في الكثير من أفكارها المعادية للسامية)، وفي مناسبة أخرى قال تومز: (اشتكى بلفور من حفلة عشاء باذخة مع عائلة ساسون، حيث كان العبرانيون غالبية، وبدأت أفهم رؤية من يعارضون المهاجرين الغرباء، إنه أمر ساحر» . ويقول وايت: «حتى أو ربما كانت فكرة حب بلفور للسامية مثيرة للشك، حيث قال إن صفوف اليهود ضمت نسبة عالية من الرجال الذين ميزوا أنفسهم في مجال العلم والفلسفة والأدب والطب والسياسة والقانون والمال والتجارة، ولا أحتاج إلى الزيادة، وبالتأكيد فقد كان العضو اليهودي الوحيد في الحكومة البريطانية في ذلك الوقت هو إدوين صمويل مونتاجو، وكان معارضا بحماس لوعد بلفور، ووضح معارضته لوعد بلفور في مذكرة كتبها لزملائه في الحكومة، وستكون مفارقة لو تم حذف العضو اليهودي وزميل بلفور في الحكومة، من احتفال إسرائيل بالمئوية». ويضيف الكاتب أنه «على نحو مماثل، فإن إسرائيل اليوم تحصل على دعم من جماعات يمين مسيحية، خاصة في الولاياتالمتحدة، وتضم من يؤمنون بأنه يجب تحويل اليهود عن دينهم من أجل خلاصهم، بالإضافة إلى أن إسرائيل ممتنة، وبشكل متزايد، لليمين المتطرف والمحافظين المعادين للإسلام في شمال أمريكا وأوروبا، ممن يقومون بتبييض تعصبهم في الماضي والحاضر من خلال دعم إسرائيل». ويخلص وايت إلى القول إنه «في الوقت الذي لن تقدم فيه الحكومة البريطانية اعتذارا عن وعد بلفور، فإن احتفالها به يقدم فرصة لتذكر عدد من الحقائق غير المريحة».