وتقييم الإيجابي في الجلسة العامة للمؤتمر تداول المؤتمرون والمؤتمرات الاستقلاليون على مدى خمس ساعات من النقاش حول التقرير الأدبي الذي قدمه حميد شباط الأمين العام الأسبق في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام السابع عشر لحزب الاستقلال . واستعرض المتدخلون والمتدخلات جملة من القضايا والإشكالات طوال الجلسة العامة التي انطلقت حوالي العاشرة ليلا، يوم الجمعة وانتهت في الثانية صباحا من يوم السبت. المكاشفة والمصارحة كانتا العنوانين البارزين اللذين طبعا مختلف التدخلات التي عكست في عمقها الغيرة على حزب الاستقلال ومساره ضمن الهيئات الحزبية الوطنية ذات التاريخ العريق في الأمة، ولم يخفوا هواجسهم من الاستهدافات والمخططات التي ظلت تتربص بحزب الاستقلال وتبلغ ذروتها في كل محطة انتخابية. لذلك كان بين الحين والآخر يطفو على السطح خطاب التحذير والتنبيه إلى ما يحاك ضد الحزب وضرورة السير بخطوة واحدة ولحمة واحدة، فيما أكد بعض المتدخلين والمتدخلات أن المناعة تكمن في إعادة نشر الفكر العلالي وتجديد المبادئ التي مجدها الرواد الأولون وسعوا إلى إشاعتها في أوساط التنظيمات والخلايات والفروع، فجعلت حزب الاستقلال في كل مرة وكل محطة اختبارية يخرج مرتفع الهامة، وموحد الصفوف، وهو ما كان يشكل خذلانا لخصوم الحزب. وأجمع الحاضرون في هذه الجلسة العامة على التطرق للإيجابي والسلبي على السواء خلال السنوات الممتدة بين المؤتمر السادس عشر والمؤتمر السابع عشر، حيث هناك من اعتبر الحصيلة إيجابية بالنظر للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طبعت ما قبل 2011 وما بعد هذه السنة «المنعطف» التي شهدت ميلاد دستور متقدم حمل رهانات وتحديات للأحزاب والمؤسسات. مقابل ذلك رأى بعض المناضلين والمناضلات ودائما من منطلق الغيرة على حزب الاستقلال ومكانته الريادية المعهودة في المشهد السياسي الوطني أن الحصيلة لم تكن في المستوى المطلوب ولم تكن مشرفة للآفاق التي رسمها المناضلون والمناضلات خلال وبعد المؤتمر 16، حيث وقعت أخطاء، هناك من وصفها بالاستراتيجية سواء تعلقت بالتحالفات أو التموقعات أو الخروج من الحكومة سنة 2013. يقول أحد المتدخلين: «العرض السياسي الذي قدمه الأخ حميد شباط لم يرق للمرحلة، ولم يشخص واقع الحال، فحصيلة الانتخابات التشريعية السابقة مكنت الحزب من 65 مقعدا، وتراجعت في الاستحقاق التشريعي الأخير إلى 46 مقعدا. خروج الحزب من الحكومة كان خطأ استراتيجيا، فأصبحنا مع الكل وضد الكل، والحزب الآن معزول سياسيا، لا حليف ولا صديق». متدخل آخر والذي اصطف في الضفة المقابلة قال: «في السياسة قد نختلف، ولكننا نقبل انتقادات بعضنا، الخروج من الحكومة السابقة كان صائبا، فلا يمكن بعد المكتسبات التي حققتها حكومة عباس الفاسي للمواطنين بين 2007 و 2011 أن نصطف مع حكومة صارت تدريجيا تجهز هذه المكاسب، تقتطع للموظفين وتمس الأسر المغربية». في سياق النقد الذاتي وفضيلة الاعتراف ونبذ الأنانية الفردية، اعتبر عدد من المناقشين أن التنظيمات كانت هشة، وكان التكوين والتأطير الحلقة الغائبة في الفروع الحزبية والمناطق مثلما تجمد تجديد المنظمات الحزبية والروابط، وهذه كانت حسب المتدخلين أخطاء سياسية وتنظيمية انضاف إليها اعتماد منسقين لا علاقة لهم بالمناطق التي ظلوا يشرفون عليها، وهذا تحديد ما يجب تداركه: تكوين المناضلين من شباب ونساء ومنتخبين واعتماد منسقين أعضاء اللجنة التنفيذية في المناطق التي ينتمون إليها ويَخْبِرون تفاصيلها وخباياها، حتى يظلوا ملتصقين بالقواعد، وساهرين على تجديد النخب والروافد التي تمد المجلس الوطني والروابط بالأطر والكفاءات، يقول أحد المتدخلين «لا إرث ولا ريع في النضال الحزبي، فمن الضروري فتح المجال للأجيال الموالية»، وتقول أخرى «نريد قيادة متواصلة مع القاعدة، ونريد تحقيق نتائج مرضية ومتقدمة في الانتخابات». إلى ذلك استهجن عدد من المناضلين والمناضلات ما وصفوه بتصفية الحسابات والظواهر المشينة والمستفزة للنضال الحزبي، داعين إلى استشعار دقة المرحلة والتحديات الساعية إلى الانتقاص من العمل الحزبي والاقتتات من العزوف السياسي والتطاحن. في ضوء هذا وجه أحد المتدخلين هذا النداء «أيها الاستقلاليون، لقد أخطأنا جميعا في حق الحزب، ويجب أن نتحمل المسؤولية، فالاعتراف ليس عيبا، نريد قيادة منبثقة من أصوات وقناعات المناضلين لها شرعيتها». ويتواصل العتاب على لسان مناضل آخر «المرشحان (حميد شباط) و (نزار بركة) من رحم الحزب، والتحكم في الحزب مرفوض، على الأمين العام المقبل أن يركز على تعايش المناضلين، والمنتصر يجب أن يكون حزب الاستقلال وليس الشخص». وتصرح فتاة حديثة السن (سياسيا ونضاليا) وسط اندهاش القاعة: «أنصتوا لهذا الصوت الشبابي، أدعوكم للحفاظ على الثوابت والركائز الاستقلالية، وصنع مستقبل جديد لحزب الاستقلال، دعوا الحسابات خارجا، أطرونا وتحَابوا سياسيا». كلمات حقيقية لم يكن يتوقع المناضلون والمناضلات أن ترد على مسامعهم من مؤتمرة لم تكمل مرحلة المراهقة، لكنها عبرت عن نضجها في هاته العبارات الرنانة والهادفة. في نفس الاتجاه واصل أحد المتدخلين رسم الخط السياسي والتنظيمي الذي تطلع إليه المناضلون قبل المؤتمر: «حزب الاستقلال مقدس بتاريخه، ومقدس برمزه الميزان، يجب أن نعانق بعضنا، فالحزب يسعنا جميعا». وتغليبا دائما لصوت الحكمة والتبصر خاطب متحدث القاعة قائلا: «العمل السياسي مقدس، لا يدخله إلا من يحب الوطن، فنحن نلعب بورقة تهم مصير المواطنين، والأضواء الكاشفة وغير الكاشفة مسلطة على حزبنا، لذلك المؤتمر السابع عشر يجب أن يقتنع بأنه لا مسير بدون أفراد من الأسرة، الحزب يجب أن يكون موحدا، ويشرع باب المصالحة لكل المناضلين، ولكل المواطنين…» وبخصوص الصدامات التي وقعت بين الحين والآخر، فقد اعتبرها أحد المتدخلين نتيجة صحية وطبيعية، لا تعيشها ولا تعرفها هيئات حزبية أخرى تدخل مؤتمرات مفبركة ومجهزة على المقاس، بمرشح وحيد. لذلك طالب عدد من المناضلين والمناضلات بالحفاظ على القرار الحزبي وانتخاب قيادة قوية «قادرة على أن تقول لا إن اقتضى الأمر».