المعركة تتجاوز الأشخاص والمؤامرة تستهدف الوجود والكينونة والاستمرار الأخوات والإخوة الأعزاء عضوات وأعضاء اللجنة التنفيذية، والمجلس الوطني، واللجنة المركزية والمسؤولين الجهويين، والإقليميين، وكتاب الفروع، ومسؤولي ومسؤولات، ومناضلات ومناضلي هيئات الحزب والشبيبة الإستقلالية بمختلف مكوناتها : الشبيبة المدرسية، التربية والتنمية، الكشاف المغربي، بناة الإستقلال، فتيات الإنبعاث … والمرأة الإستقلالية، وهيأة المستشارين الإستقلاليين، والروابط المهنية بمختلف تفرعاتها ومجالات إشتغالها: الحقوق، والقانون، والهندسة، والطب، والتجارة، والفلاحة، والمقاولات، والتعليم العالي، والصحافة. الأخوات والإخوة في قيادات المنظمات الموازية للحزب: الإتحاد العام للشغالين بالمغرب، الإتحاد العام لطلبة المغرب، العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان. يقبل الحزب على عقد مؤتمره الوطني السابع عشر في ظل ظروف غير مسبوقة في تاريخ الحزب، إلا ما تعلق بتشابه الوضع بانشقاق 25 يناير 1959، على أن المغرب قد مر بأخطر حدثين في تاريخه كان لهما الأثر السلبي على مسار المغرب الحديث، هما: – وثيقة فرض الحماية والإحتلال سنة 1912 -إنشقاق حزب الإستقلال 25 يناير 1959 حدثان لازال المغرب يجر أذيالهما منذ ذاك التاريخ. أذكر بهذين الحدثين الأليمين وعيا مني بأن نظام الحكم في المغرب هو في أمس الحاجة لحزب استقلال قوي، ويكون حزب الإستقلال في حاجة لنظام ملكي قوي موحد وحامي للمغرب من الأخطار المحدقة بوحدته الترابية في زمن الفوضى «الخلاقة»، زمن الإنكسارات الكبرى التي يعيشها الإنسان العربي-المسلم على طول هذا الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج، وتلك التي يعيشها المسلم أينما حل وإرتحل. وعيا منا بالمخاطر الخارجية والداخلية أود أن أتفاعل مع كل الإستقلاليات والإستقلاليين الغيورين على وحدة الحزب، على تاريخه المجيد، على حاضره ومستقبله. إلى الأخوات والإخوة أتوجه بهذا النداء آملا الإنصات للعقل والحكمة في تدبير كل النقاشات وكل الخلافات الفكرية أو التنظيمية، فقوة الحزب هي في تراص صفوفه مادام الأمر لا يتعلق بمن سوف ينتصر أو من سوف ينهزم، فحزب الإستقلال قوي بتاريخه، بمبادئه، وبكفاحه وجهاده طيلة 90 سنة مضت، وقوي بوحدة صفوفه وبتآزر كل مكوناته بالقرى والحواضر وبكل تمفصلات المجتمع المغربي … وعيا بكل ذلك أتوجه إليكن / إليكم بكل تقدير واحترام؛ آملا من الجميع تحمل المسؤولية تجاه اللحظة الدقيقة والعصيبة التي يمر بها حزبنا. إن الجميع مسؤول ومن دون استثناء؛ إن الانتماء للحزب وليس لغير الحزب؛ كلنا معنيون بمعركة حماية الحزب. يدرك الجميع المنعطف الذي تتجه إليه الأوضاع داخل الحزب والتي تأخذ منحى متسارعا بطريقة غير مسبوقة إن لم تكن تماثل الوضعية التي مر بها الحزب منذ حوالي 58 سنة والتي أدت إلى انشقاق يناير1959، جراء عمليات الاصطفاف والتجاذب بفعل سلوكيات بعض الأطراف التي لا يمكن القبول بها لكونها لا تمت إلى التقاليد والأعراف المعمول بها في الحزب منذ النشأة، وجراء التدخل السافر لجهات معلومة اصطلح على تسميتها بقوى التحكم، ونتيجة تحول انتماء المناضلات والمناضلين، حيث أصبح الحزب بالنسبة لهم هو من ينتمي للأشخاص وليس الأشخاص هم من ينتمون للحزب، وأصبح الرصيد النضالي للمناضلين والمناضلات لا يساوي أية قيمة تذكر أمام أصحاب ظاهرة المال (عملية ابتليت بها كل الأحزاب)، يضاف إلى ذلك انفتاح الحزب في زمن مضى على بعض الحالات من دون تمحيص في الأمر، والتخطيط الممنهج لعزل جميع الكفاءات الحزبية وحرمانها بالتالي من قيامها بدورها الفكري والسياسي السليم في مساره. الأمر الذي تسبب في تضييع الحزب لبوصلة اتجاهه، وأدى به إلى الانزياح عن مواقفه السياسية، ومبادئه، ورؤيته، ومرجعيته الفكرية، والإيديولوجية، والاقتصادية والاجتماعية، وانصياعه في المقابل للتعليمات والتوجيهات الخارجية والمشبوهة، وتمرد بعض المناضلين على قرارات مؤسساته الشرعية، وتعريض تلك المؤسسات للإفراغ من اختصاصاتها (نموذج ما حصل لمؤسسة جهاز المفتشين كجهاز شكل على الدوام صمام الأمان لوحدة الحزب وعامل درء خطر تعرضه إلى الانشطار)، وتجاوز النظام الأساسي للحزب بإحداث مؤسسات غير منصوص عليها من الناحية القانونية بتخويلها اختصاصات ما أنزل الله بها من سلطان (نموذج منسقي الجهات من جهة ووجود بعض أعضاء اللجنة التنفيذية في حالة احتكار القيام بمسؤوليات اللجنة التنفيذية ومهام التنسيق الجهوي ورئاسة المجالس الإقليمية حيث تصعب عملية تنزيل مقتضى اقتران المسؤولية بالمحاسبة والمساءلة) وهو ما جعل هؤلاء في مواجهة المناضلين مما تسبب في الإبعاد الممنهج للمناضلين والمناضلات غير المتوافقين معهم، تمثل في منح التزكيات لمن لا يدينون بالولاء للحزب ليتنصب السؤال: من ينتمي لمن: هل الأشخاص للحزب أم الحزب للأشخاص؟ إنه السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح ما دام وراء العتمة ما وراءها والإلحاح على تدمير الحزب قائم، وعليه فإن على كل مناضل (ة) أن يتحمل مسؤولية الدفاع عن الحزب لدرء خطر الانهيار الذي تخطط له القوى المعلومة، والتي تريد إنهاء 90 سنة من النضال والمقاومة والصمود لحزب وقف في وجه مختلف العواصف، وفي وجه قوى التحكم (التي تمثلت في الاحتلال وفي أعداء الديمقراطية والعمل السياسي الوطني الجاد خلال مرحلة الاستقلال)، التي كانت حاضرة في كل الأزمات التي تعرض لها الحزب منذ 1934 إلى اليوم. إن المتغير فقط هو خطط وأساليب التدخل التي تأخذ لنفسها تلاوين حربائية، قوى اختصت في اصطياد الهفوات وتأويل المواقف تأويلا تآمريا، وتفسيرها تفسيرا ماكرا بإخراج التصريحات عن سياقاتها، أو إلباسها تداعيات من نسج الخيال، مستعملة كل المكر الماكيافيلي بهدف الإساءة للحزب، ومواقفه، وتاريخه، وقياداته، ومؤسساته، ومناضليه وقوته. علما بأن من أنيط بهم وظيفة إلحاق الضرر بالحزب من خلال زرع الفتنة بين مناضليه، وبث الشقاق بين قياداته، ونمذجة ظاهرة النفاق بين أوساط مكوناته، قد أدوا المهمة بإتقان شديد، متقيدين بضرورة استكمال الأدوار: 1. قتل الاتحاد الاشتراكي؛ 2. تفتيت العدالة والتنمية، 3. تشرذم حزب الاستقلال. إنهم يريدون تكميم الأفواه وخنق صوت حزب الاستقلال، وإنهاء الكلام، وقتل الزعماء، وجعل السياسة قرينة الفراغ، لقد نجح محتكرو قدرات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والمالية والتجارية والصناعية في استئجار الأقلام التي تكتب تحت الطلب لتشويه صورة وسمعة كل من يقول»لا» أو يرفض القبول بمخططات قتل أحزاب الصف الوطني الديمقراطي، وذلك سعيا من قوى الردة السياسية للانقلاب على الشرعية التاريخية والمجتمعية، والعودة بالمغرب إلى ماضي زمن أكديره وأوفقير وإدريس البصري، ظاهرة التأسيس لكل استحقاق انتخابي حزبا إداريا، بدءا من زمن تأسيس جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية « الفديك « في 20 مارس 1963 من قبل رضى أكديره الذي كان آنذاك مديرا عاما للديوان الملكي ووزيرا لوزارتين جد هامتين هما الداخلية والفلاحة، لقد تم تمكين الفديك من الفوز ب: 69 مقعدا من أصل 144 مقعد واستعان ب 6 مقاعد لأعضاء لا منتمين) بهدف تشكيل الأغلبية برغم تأسيسه بضعة أشهر قبل إجراء الانتخابات في 17 ماي 1963، لقد فاز الحزب الأغلبي – حزب الإدارة على الأحزاب السياسية الوطنية برغم تجذرها في أوساط الشباب والطلبة والفلاحين والتجار والنقابات والوسطين الحضري والقروي، تماما مثل ما جرى عليه الأمر إبان انتخابات 1977 الذي أعقبها تأسيس التجمع الوطني للأحرار( أكتوبر 1978)، وذلك بإيعاز للسيد أحمد عصمان صهر الملك والوزير الأول آنذاك ( ترأس الحكومة ما بين 1972 – 1977)، و سنة 1983 مع الاتحاد الدستوري الذي أسسه السيد المعطي بوعبيد الذي كان يشغل مهام الوزير الأول أيضا، وقبلها أي سنة 1959 تم تأسيس الحركة الشعبية للتضييق على حزب الاستقلال بالوسط القروي، وفي 9 غشت 2008 ستعمل الإدارة على تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة وتمكينه من الحصول على 45 نائبا ليشكل تحالفا مع الأحرار ليُعد أكبر فريق بمجلس النواب ( 80 عضوا) ، وتمكين هذا الحزب من الفوز بالانتخابات الجماعية والجهوية المنظمة سنتي 2015 -2016، والحصول بالتالي على الرتبة الثانية بمجلس النواب، وتمكينه من رئاسة مجلس المستشارين برغم عدم توفره على الأغلبية، وهو الحزب الذي أسسه السيد فؤاد عالي الهمة الذي كان يشغل تماما كما رضى أكديره مهام مدير الديوان الملكي والوزير المنتدب المكلف بوزارة الداخلية. فمنذ استقلال المغرب وجهاز الإدارة يحرص على تميزه واستثنائه المتمثل في تأسيس واستنبات لكل الاستحقاقات الانتخابية حزبا إداريا للفوز بالمرتبة الأولى، وإطلاق المجال أمام تغول أحزاب الإدارة على حساب الأحزاب الوطنية الديمقراطية، والحيلولة دون أن تلعب أي دور محوري في حكم البلاد. لقد سعت السلطة إلى تقزيم الحزب منذ سنة 1956 بتعيين مبارك البكاي لهبيل رئيسا للحكومة الثانية في عهد الاستقلال، وفبركة انشقاق حزب الإستقلال ومحاصرته سنة 1959، وقد ظلت الإدارة-الدولة-المخزن على هذا المنوال كلما سنحت لها الفرصة. إن هجوم الدولة العنيف على الأحزاب الوطنية الديمقراطية عامة، وعلى حزب الاستقلال خاصة، وقيام الإدارة بكل أشكال التعبئة ضد الحزب وقياداته، ومرشحيه، ومباركة مرشحي الفساد، والتزوير، والتأشير على الاستعمال المفرط للإعلام المأجور، والتخطيط بإدارة الانقلاب السياسي على قيادة الحزب بافتعال الخلافات الداخلية بين مكوناته باستعمال بعض ملفات الفساد التي قد يكون متورطا فيها هذا الطرف أو ذاك. إن إحساس السلطة –الإدارة بقوة المشروع السياسي الاستقلالي، وصلابة مواقفه وتشبثه باستقلالية قراره، والذي شكل موقفا تقدميا مؤداه حماية الحزب، وحماية الديموقراطية، ورفض الانقلاب على الشرعية الانتخابية، (نتائج 7 أكتوبر 2016 )، ورفض الانقلاب على الفصل 47 من الدستور، ورفض إطلاق حرية الفساد وبسط نفوذه، وإلحاق المزيد من الضرر بتعريض الطبقة الفقيرة للاستغلال، ورفض المس بالتوازن الاجتماعي الذي عماده الطبقة المتوسطة، ورفض الحزب لسياسة مصادرة الحق الدستوري لمئات من المواطنين المعطلين في الشغل، ورفض الارتفاع الصاروخي للأسعار في المواد الغذائية الأساسية، ورفض توجه الإدارة الى التراجع عن دعم الفئات المحرومة من أبسط شروط الحياة الكريمة. إن الدولة عبر تمثلها الخفي والعلني وهي تحاول محاصرة حزب الاستقلال تريد تحويل الحياة السياسية في واقع الأمر من دائرة الأحزاب الوطنية الديمقراطية إلى دائرة المخزن المتعدد التجليات (الأحزاب الإدارية) بالسعي إلى السيطرة على مختلف الأصعدة، والوسائل الإعلامية، والإدارية، والمالية بإحلال نفوذ الجهات المعلومة محل سلطة الأحزاب الوطنية الديمقراطية، والتثبيت في اللاشعور الجمعي وفي المخيال الشعبي بكون المخزن والجهات العليا تحديدا غير راضية عن فلان أو علان، عن الأمين العام، أو الكاتب الأول، أو رئيس هذا الحزب أو ذاك، سعيا إلى التكريس الواهم في عقل وذهنية الإنسان المغربي المحكوم والمنشأ على ضرورة الحذر من النار والبحر والمخزن. وحيث أن صلابة، ومواقف، وقوة الاستقلاليات والاستقلاليين عبر 90 سنة من النضال والمقاومة والصمود في وجه مختلف العواصف كانت أقوى من مخططات قوى التحكم، مما حكم عليها بالفشل، وكان مآل المواجهات الحزبية مع الاستعمار والإدارة المخزنية الإنتصار للفكر الوطني، وقد تحقق ذلك بفضل قوة وعزيمة وإرادة المناضلات والمناضلين ، علما بأن قوة الحزب تكمن في قوة مواقفه، إنها ذات العزيمة التي نحن أحوج إليها اليوم من أي وقت مضى، فمن مسؤولياتنا تمنيع وتحصين الحزب، وتجنيبه الانشقاق والانشطار، علينا ربط أمجاد الماضي بالحاضر، والتأسيس لمستقبل سيادة زمن الفكر والفعل السياسي الاستقلالي، علينا كمناضلات ومناضلين، أن نتحمل مسؤوليتنا كاملة: الدفاع عن الحزب تحصين قراراته من العبث ومن كافة أشكال التدخل الخارجي برفض إملاءات الجهات المعلومة حماية مؤسسات الحزب الشرعية من المؤتمر العام، المجلس الوطني، الأمانة العامة، اللجنة التنفيذية، اللجنة المركزية، مجلس المفتشين، المكاتب الإقليمية، مكاتب الفروع، مؤسسات منظمات الحزب. إعادة الاعتبار للمناضلين والمناضلات، وردم هوة الخلاف ولم الشمل فيما بينهم، وتمثل منظومة قيم الاحترام والتقدير المتبادل بين كافة الاستقلاليات والاستقلاليين؛ القطع المبدئي والصارم مع كافة أساليب التجريح والسب واللعن والتخوين، والتراشق بالألقاب العنصرية ذات الحمولة القدحية والقبلية والإثنية فيما بينهم، ونبذ كل الأساليب الحاطة والماسة بكرامة المناضلين والمناضلات. بالعكس من ذلك علينا أن نتباهى ونفتخر بمصدر قوة الحزب التي تتمثل في غنى تنوع مكوناته الاثنية والثقافية، وبالروح الوطنية العالية لحزبنا. علينا أن نعي بأن قوة حزبنا في وحدة صفوف وتلاحم مناضلاته ومناضليه، وفي تنوع نسيجه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والجمعوي، وفي قوة نخبه المتعاقبة، وفي امتداداته المهنية والمجالية: الحضرية والقروية والجبلية والصحراوية، وفي قوة شبابه ونسائه، وفي تراص صفوفه وصلابة مواقفه، وفي فعاليات انسياب تنظيماته، وفي صدق مرجعيته الفكرية السلفية المتنورة، وفي منهجه السياسي، وفي أدواره التاريخية، وهي رسالة يجب أن تستمر بذات العزيمة والصلابة والإصرار، وبمواصلة عمليات الاستقطاب السياسي والإدماج للفئات العريضة من أبناء الشعب المغربي في صفوف الحزب. علينا أن ندرك جميعا كل من موقعه، وأيا تكون مسؤوليته، بأن المعركة تتجاوز الأشخاص، وبكون المؤامرة تستهدف الحزب في وجوده وكينونة استمراره كفاعل سياسي مؤثر في ماضي، وحاضر ومستقبل المغرب وأجياله. علينا أن ننتبه إلى أن أهداف المخطط الماكيافيلي إن لم نعه جيدا ونتصدى له قبل إنجازه والعمل على إبطال مفعوله من شأنه أن يؤدي إلى أوخم العواقب. إن الجميع مسؤول ومن دون استثناء. ومعركة حماية الحزب هي مسؤولية الجميع ومن دون استثناء أيضا. وبأن الصراع المخطط بأن يكون الحزب مجالا وموضوعا له هو مخطط خطير في أبعاده، ومراميه وفي توقيته. فهل نحن واعون بذلك؟ وهل نحن على استعداد لالتقاط هذه اللحظة الدقيقة قبل فوات الأوان؟ الديمقراطية داخل الحزب حظي سؤال الديمقراطية داخل الحزب بقدر وافر من النقاش الفكري والسياسي خلال العقدين الأخيرين، منذ وفاة زعيم التحرير علال الفاسي مبدع فلسفة النقد الذاتي، فقد بدا حزب الاستقلال خلال كل مؤتمر من مؤتمراته الوطنية وكأنه يكتشف قيمة الديمقراطية لأول مرة، حيث تبدأ الأصوات تتعالى طلبا للديمقراطية، وإخضاع القرار إلى قاعدة الديمقراطية من جديد، إذ بمجرد ما تنتهي المؤتمرات من أشغال لجانها، وتنتخب قيادات جديدة للحزب، تسارع القيادة المنتخبة إلى التنكر على ما تم إقراره بمجرد تحملها للمسؤولية بالإسراع إلى تثبيت نفسها وحوارييها، ومنح التزكيات من دون احترام لأبسط المعايير فيما يخص الأسبقية، والكفاءة السياسية، وأخلاقيات التنافس الشريف والديمقراطي، مما إنعكس وينعكس سلبا على علاقات المناضلين والمناضلات من جهة وعلى المتعاطفين مع الحزب من جهة أخرى، وعلى علاقات هؤلاء نحو قيادة الحزب، بل وتجاه الحزب في حد ذاته، مما أثر ويؤثر سلبا على مصداقية الحزب، الأمر الذي تسبب ويتسبب في انكماش الحزب وتراجع نفوذه وانكفائه على ذاته. إن تحويل الحزب إلى ما هو خاص، والإلغاء للحق المشترك ما بين المناضلات والمناضلين الذي هو الحزب، هو مصادرة للمبادئ والأفكار، وللماضي والحاضر والمستقبل، لقد أدت عمليات اختلاط حدود الخاص بالعام إلى شخصنة العلاقات داخل الحزب، ورهنت الحزب بالأشخاص، وهو ما يعتبر انقلابا على منطق الأشياء، فالذي ينتمي هو المناضل للحزب وليس الحزب للشخص. إننا والحالة هذه، مطالبون بضرورة حماية المشروع السياسي للحزب، والتصدي لكل عمليات الانزياح والانحراف عن أهدافه ومقاصده، وتأصيل بالتالي لمقوم التنظيم الفاعل المنصهر في تمفصلات المجتمع المغربي، والعمل على الذود عن مشروعه الفكري والثقافي والإيديولوجي، وامتلاك القناعة للدفاع عن الحزب بكل قوة وإيمان، بما يضفي على حضوره القدر الكبير من الحضور في المشهد السياسي، ويؤمن تميزه عن باقي الكيانات الحزبية الأخرى، ويميز خطابه، ومشروعه السياسي والاقتصادي، ويجعل منه فضاء للتنزيل الديمقراطي بما يجعل من الديمقراطية قيمة، وجوهر، ومعنى وثقافة منغرسة وخيار إرادي في وعي وسلوك كل استقلالية واستقلالي، فالحزب الذي يطالب الدولة بالديمقراطية ملزم باحترام حق أعضائه في المناقشة والحوار، والنقد، والمساءلة والمحاسبة وفق أنظمته الأساسية والداخلية، وطبق مقررات هيئاته التشريعية والتنفيذية، وبإطلاق سيرورة الاختلاف داخل هياكله وبين أعضائه الواجب عليهم التقيد بالمقررات والمؤسسات، إن الديمقراطية هي كل غير قابلة للقسمة، والديمقراطية مع الذات شرط عين لامتدادها إلى الآخر، إلى الدولة. إشكالية التداول إذا كان الحزب يروم تحقيق الديمقراطية بغاية الوصول إلى مسؤولية التدبير للشأنين المحلي والوطني، وحيث أن من حق المناضلات والمناضلين التطلع إلى بلوغ ذاك الهدف، فإن الحزب مطالب بالعمل على: -الاحترام الدوري لانعقاد مؤتمراته؛ واجتماعات أجهزته. والعمل على عقلنة فترات ومدد الإنتداب والتي يجب ألا تتعدى ولايتين متتاليتين بخصوص تحمل المسؤوليات وذلك سعيا لتدوير النخب من جهة، ولتلافي انسداد الآفاق أمام الطموحات وتجديد الدماء؛ -احترام مساطر انتخاب أعضائه، وقياداته المحلية، والإقليمية، والجهوية والوطنية وذلك في احترام تام لأنظمة الحزب؛ -تجديد دوائر صنع القرارات الحزبية؛ -احترام تداول الأجيال والنخب على تحمل المسؤولية من منطلق: -أن لكل زمن رجاله – ولكل عصر نموذجه المجتمعي – ولكل جيل زعماؤه ما دامت الأجيال والنخب متعاقدة مع الحزب، فإن الحزب ملزم باحترام الطموحات والتطلعات والحقوق والواجبات لكل أجياله، ففي انسداد الآفاق وانغلاقها يكمن خطر انعدام الديمقراطية جراء احتكار فئة ما لمواقع المسؤولية لفترات طويلة، علينا أن نعود إلى المنبع الصافي للفكر الاستقلالي، وإلى نبع المشروع التعادلي، لنعيد نسج لحمة انتظام المناضلين حول الحزب، والانتصار لمبادئه ومواقفه، واسترداد الحزب لقوته. وهذا يقتضي إيجاد قيادة قوية لتكون الأداة الصالحة القادرة على مواصلة صناعة التاريخ، والرجال، والنساء والأبطال، والإطلاع بعملية الإنتاج الفكري والإبداع السياسي، فالحزب الذي حارب الاستعمار وانتصر عليه قادر على مواصلة المعركة بذات العزيمة، شريطة التجديد في التفكير والأسلوب والبرامج والاستراتيجية. فالحزب قد يظل مجرد تنظيم ما لم يتم خلق مساحة كبيرة فيه من: -الالتزام بمبادئ ومقررات الحزب؛ -احترام كل المؤسسات؛ -خلق التعايش والإحترام المتبادل المطلوب ما بين الأجيال، وما بين القيادات التاريخية وفيما بين أعضاء وعضوات اللجنة التنفيذية؛ -سيادة ثقافة التسيير الديمقراطي بما يحقق حق الترقي في سلم المسؤولية الحزبية، وتراتبيتها على أساس معايير : الكفاءة والاستحقاق والأقدمية وتكافؤ الفرص، ونبذ كل الأساليب اللاديمقراطية التي أساسها الولاء للأشخاص وقيم التحزيب « » والاستلام « »، بمعنى الولاء لغير الحزب، فلا يجوز أن يتحول الحزب إلى ما يشبه دولة مماليك أو اقطاعيات قبلية، وفضاء تتشخصن فيه العلاقات، كما لم يعد مسموحا في الحزب منح التزكيات على أساس الولاء لفلان أو علان، بقدر ما يجب أن يرتبط بالكفاءة السياسية والفكرية والحركية وبالولاء للحزب. أزمة الولاء سبق أن أشرنا إلى أسباب الانزياح والانحراف الذي اعترى علاقة المناضلين بالحزب، علما بأن قوة الحزب تتجلى في مثانة ارتباط أعضائه والإيمان به من حيث هو مشروع مجتمعي، وجعل العلاقة والولاء تتأسس على قواعد مؤطرة بالقانون، والمبادئ التي تشكل الإطار الأمثل لترجمة النموذج والتصور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في إطار ما اصطلح عليه بالتصور المجتمعي التعادلي. وحيث أن القيادات والشخصيات الحزبية الوازنة التي لعبت ولازالت تلعب أدوارا رائدة حرصت على حماية وحدة الحزب، فإن ذلك لم يحل دون بروز مظاهر الأزمة بالحزب التي تمثلت في الانتقال من الولاء الاعتباري للحزب (والذي يجب أن يتحلى به الجميع)، إلى توزع ولاء المناضلات والمناضلين على أسماء حزبية بعينها هي في حكم «الزعامة» و»المشيخة»، مما يضع الحزب في موضع التشيع والاصطفاف وراء ولاءات لأناس هم بالضرورة عابرون، في حين من شأن الولاء للحزب الحفاظ على لحمته، ووحدته، وامتلاك القدرة على تدبير اختلافات وجهات النظر في صفوفه، فالذي يجب أن يكون له الحظوة في إيمان وتفكير وقناعة المناضلين والمناضلات هو الحزب. ألم يقل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يصوب الانحياز العاطفي الخاطئ لحواري النبي صلى الله عليه وسلم، عندما ذكرهم : « بأن من كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، وبأن من كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت»، أي أن الأشخاص عابرون، تلك هي الحقيقة، والحزب باق، الأجيال تتعاقب، والحزب إطار تاريخي وفكري وسياسي يحتوي هذا التعاقب. ولذلك تنبه مناضلو الحزب ومؤتمروه في المؤتمر الذي انعقد في اللحظة الفارقة بعد وفاة زعيم التحرير علال الفاسي، بأن احتفظوا للزعيم الراحل بصفة رئاسة الحزب اعترافا له بمكانته، والتأكيد بالسير على نهجه الذي خطه بجهاده ونضالاته وكفاحه، وبوعي من المؤتمرين حرروا صيغة – هندسة وثيقة النظام الأساسي للحزب بجعل المقتضى قبل الديباجة والتقديم والباب الأول الخاص بالعضوية. ضعف ثقافة الاختلاف – للأسف الشديد لقد تسبب ضعف ثقافة الاختلاف في تعرض الحزب إلى تشرذم وشرخ يكاد يعصف بوحدته، والذي تجلت بداياته في انشقاق 25 يناير 1959، فلازال المناضلون –بدءا بالقيادات طبعا- أسرى ظاهرة الالتباس الذي لا ينظر إلى الاختلاف في وجهات النظر على كونها ظاهرة صحية ومشروعة، بقدر نظرتهم إليها على كونها صراع يستوجب إفراز المنتصر والمنهزم، فلم يعد الاختلاف اجتهادا وسبيلا لاستجلاء أحسن الاقتراحات والتصورات، وقد تسبب هذا الضعف في النزوع إلى إحداث التغيير الأفقي وليس العمودي، وعدم السعي لامتلاك النضج والتدرج في الانتقال، الأمر الذي تسبب في انسداد دائرة النقاش السياسي ما بين مكونات الحزب، وتسبب في ضيق أفق المناقشة للأمور الجوهرية وفي تقلص مساحة القبول بالاختلاف، وانعدام قدرة قيادات الحزب أو إحدى طرفيها على إدارة الاختلاف وترشيده. والسقوط بالتالي في أسلوب التأويل والتخوين، والإيحاء بالتدخل الخارجي في إدارة الصراع الداخلي. – إن الحزب مطالب اليوم، على ضوء مرجعيته الفكرية، والسياسية، والاقتصادية والإيديولوجية المساهمة في تقعيد وتأصيل قواعد اللعبة السياسية عبر النضال، وتثبيت رؤيته وتصوره وفلسفته تجاه مفاهيم الحكم، والشرعية والتمثيلية، سواء ما تعلق بهوية المغرب التاريخية والحضارية والثقافية، أو فيما يخص النموذج الديمقراطي والمجتمعي، والارتقاء بالعمل الحزبي إلى مستوى آخر أسمى وأجدى، يعيد للحزب البريق والقدرة على إنتاج الأفكار، والتصورات والاجتهادات في كافة المجالات، و يؤمن له التخلص من حالات الاكتفاء على الذات باستهلاك ما ينتج خارج دوائره. – فحزب الاستقلال أكبر من أن يكتفي باجترار وترديد صدى أفكار أطراف أخرى، أكانت من جهات رسمية أو سياسية مماثلة. علينا الوسم وبوضوح كبير على تصور الحزب بخصوص تقاطع مجالاته السياسية، والدينية، واللغوية، وإبداء الرأي بالحدود التي يتقاطع فيها السياسي بالديني، لقد كان علال الفاسي يوصف بأنه من أكبر أساطين السلفية المتنورة بالمغرب، وهو في ذات الوقت المفكر والسياسي والعالم الاستثنائي الذي تمثلت في مواقفه قوة الدفاع عن الهوية الإسلامية للمغرب وفي ذات الوقت قوته الباهرة في الانفتاح العاقل والرزين على التراث الفكري العالمي، بعقيدة الإيديولوجية التعادلية بأن جعل منها أولوية الأولويات في المنظومة الفكرية للحزب، وجعل من الحزب رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في معادلة الصراع السياسي والإيديولوجي، لقد عمل على مقاربة علاقة الدين بالدولة، والتمييز بين الإسلام المعتدل-الوسطي، والإسلام المتعال، كما عالج الجهاز المفاهيمي الذي شكل محور وقطب النقاش، وانخرط بدينامية في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، والحدود الحقة للمغرب، وعن النظام الملكي، فالمغرب بحسبه لم يعرف نظاما للحكم ومنذ حوالي أربعة عشر قرنا غير الملكية، وبكون المؤسسة الملكية هي فوق الأحزاب، وعن اعتبار السلطة كامنة في الأمة، وعن استقلالية الأمة، إنه حري بنا أن نتشرب وننهال من فكر الزعيم، ونسير على نهجه ومنواله في الدفاع عن استقلالية قرارنا الحزبي من العبث به، لأجل ذلك علينا كحزب، وفي هذا الوقت بالذات أن تتجلي الحقائق أمامنا بكل وضوح بدءا بحقيقة أن حزب الاستقلال ومنذ النشأة الأولى لم يكن واردا في خلد زعمائه ومفكريه مزاحمة المؤسسة الملكية بخصوص شرعية إمارة المؤمنين، أو التجاذب معها بخصوص الحقل الديني، لقد ناضل الحزب ومنذ زمن علال الفاسي من أجل تأسيس وإبرام عقد سياسي يوضح حقوق وواجبات كافة فرقاء الدولة المغربية، والسعي لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية المكرسة لحقوق الإنسان وكرامته، وضبط التوازنات السياسية في الحياة المجتمعية. – استحضارا لما سبق التذكير به، واعتبارا إلى المنعطف الذي يمر به الحزب، نتوجه إلى الإخوة والأخوات المناضلين والمناضلات بهذه الوثيقة آملين من الجميع أن يتعاطى معها بإيجابية وبرؤية مستقبلية مؤداها الحفاظ على وحدة الحزب وتماسك صفوفه، وامتلاك فضيلة الترفع والسمو عن الانشغال بالصراعات والمناوشات التي وإن بدت شخصية فإنها تستهدف الحزب ووجوده وتاريخه، وتسعى إلى إلغاء دوره. – لذلك فقط مطلوب من كافة المناضلات والمناضلين التصدي لكل من يريد بالحزب السوء. والعمل كل من موقعه على قطع الطريق على أية جهة كانت وأيا تكون الدرائع التي تتستر من ورائها على إفشال مخطط استهداف وجود الحزب واستمرار كينونته. الدكتور محمد بكاري عضو المجلس الوطني الكاتب الإقليمي للحزب بإقليم وزان رئيس الإتحاد العام لطلبة المغرب سابقا والكاتب العام للشبيبة الإستقلالية سابقا