يقدر المغاربة المهاجرون في دول الخليج بحوالي خمسين ألف مغربي وغالبيتهم العظمى تزاول مهام بالقطاع الخاص؛ ويسجل أن عددا من مندوبي الحكومات الأسيوية والعربية كالهند وتايلاند واليمن والأردن والعراق وغيرها تسارع إلى السفر إلى بلدان الخليج في إطار الحكامة الدبلوماسية من أجل إبرام اتفاقيات اقتصادية واجتماعية وثقافية تسمح بتوفير الضمانات القانونية الأساسية؛ التي يكون من شأنها الحفاظ على الحد الأدنى من الحقوق لجالياتهم؛ وذلك بعدما لوحظ تسفير وتهجير الدول الخليجية لفئة من المهاجرين الوافدين في قطاعات حيوية كالبناء والخدمات وغيرها ويسجل في السنوات الأخيرة بالنسبة للجالية المغربية بالخليج تناقصها التدريجي والمستمر؛ لاعتبارات عديدة أهمها صعوبة اغتراب مواطني المغرب الأقصى بدول المشرق الأقصى؛ ومدى بعدها الجغرافي غير المشجع على الهجرة ؛ وصعوبة الاندماج في مجتمعات محافظة وتراجع قيمة الدولار ثم رجوع آلاف المغاربة المعارين في قطاع التربية والتعليم بعدما سويت أوضاعهم الإدارية والمالية بالمغرب؛ ولم يبق من المغاربة سوى عدد محدود يعمل في ظروف قانونية صعبة من خلال نظام التعاقد عن طريق «الكفالة« التي تخضع للقانون المدني ولقانون الإجراءات المدنية والتجارية الساري بكل من هذه الدول؛ وغالبا ما تتشابه فيما بينها بشأن حملها للخصوصية الخليجية الصارمة؛ رغم كونها في غالبيتها مقتبسة من النظام المدني ومن قانون المرافعات المصري؛ علما أن قوانين الشغل بهذه المنطقة لا تزال حديثة العهد؛ بحيث لا يتمتع العمال في القطاع الخاص ببعض الحقوق التي تضمنها الاتفاقيات الدولية لقانون الشغل. ويعتبر نظام »الكفيل« إحدى الأنظمة القانونية التي تسمح بها قوانين الخليج؛ حيث إن الكفيل هو الطرف الأقوى في العلاقة القانونية التي تربط فيما بين العامل ورب العمل؛ إذ بعد أدائه لمقابل مادي متوسط نسبيا للدولة كضريبة مالية لجلب عامل أو أكثر؛يسمح له القانون بإستصدار تأشيرة سفر للأجنبي الوافد ويمنحه حقوق هامة بعد ذلك في التصرف تجاه الوافد بعد حلوله بالخليج. ويخول القانون المحلي للكفيل صلاحيات قانونية واسعة في مواجهة أي تصرف صادر عن الوافد أمام الإدارة وأمام القضاء أيضا؛ وبالتالي يكون تحت رحمته لا تحت رحمة البلد وقوانينها ؛بحيث يحجز الكفيل جواز سفر العامل الوافد إلى حين مبارحته للبلد بشكل نهائي أو ترحيله منه بشكل تعسفي؛علما أن عملية حجز جوازات السفر تتم حتى في حق الأطر العليا الكفأة الوافدة المعارة في القطاع العام ببعض الإدارات وببعض المحاكم القضائية وغيرها ؛وهو ما يشعر فيه الموظف المعار بإهانة شديدة وبحرمان كبير من حق التجول دون ترخيص؛ أما الحق في إقامة جمعيات ثقافية فهو أمر من قبيل المحرمات والممنوعات. إن اليد العاملة المغربية ببعض دول الخليج تعاني من العديد من الصعوبات القانونية التي غالبا ما لا تتوافق فيها هذه التشريعات مع الاتفاقيات الدولية للمهاجرين والاتفاقيات الدولية للشغل وفقا لما أقره المكتب الدولي للشغل وكذا الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني؛بما فيها الاتفاقيات الدولية للمرأة؛وهو ما يفرض تدخلا عاجلا من الجهات الوصية:من الوزير المنتدب المكلف بقضايا الجالية الذي طالما توجه إلى بلدان أوربا وأمريكا الغربية ؛ومن المجلس الأعلى للمغاربة المقيمين بالخارج ومن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان؛حيث لوحظ أن المجلس الأعلى للجالية المغربية بالخارج لم ينصف قط هذه الجالية على مستوى التمثيلية. وللوقوف عند نموذج من هذه الدول تحدثت «العلم» إلى أحد الذين عاشوا حيثيات الهجرة بسلطنة عمان، بو شعيب أوعبي وهو أستاذ جامعي بكلية الشريعة بفاس. ************* سبق لك أن أسست بإحدى الدول العربية جمعية تهتم بقضايا المهاجرين المغاربة هناك، كيف كانت تلك التجربة؟ أولا أشكر جريدة «العلم» من خلال :»صوت المهجر « بتناول قضايا المهاجرين . نعم لقد قضيت سنتين بإحدى دول الخليج العربي بصفتي أستاذا جامعيا بكلية الحقوق؛ واغتنمنا مناسبة زيارة عضوين من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان للسفارة المغربية؛ حيث تم فيها جمع عدد غفير من أفراد الجالية المغربية؛ وشكلنا لجنة تحضيرية لتكوين ودادية للمغاربة؛ ثم انتخبنا مكتبا تنفيذيا للوداية وتم اختياري من طرف غالبية الإخوة منسقا للودادية؛ وأنشأنا فعلا الودادية لأن القانون المحلي لذلك البلد لا يسمح للأجانب بتأسيس جمعيات، بل كل ما يسمح به هو إنشاء أندية اجتماعية فقط، لكن بعد توافر شروط تقنية صعبة؛ لا تتوافر إلا في الجاليات التي هي بعدد غفير جدا فقط. انطلاقا من تلك التجربة نفسها ماذا يمثل الخبر الذي يفيد بأن السيد عبد الحق النواسي يترأس مركز البحوث البيطرية بابي ظبي؟ لا أستغرب من هذا الخبر لأني أعلم أن الأطر المغربية، المعارين لدول الخليج تسند لهم مسئوليات عالية المستوى على الصعيد العلمي والأكاديمي لما يتوفرون عليه من كفاءات وخبرات هامة تنقص بعض البلدان الخليجية الشقيقة؛ حيث في قطاعات أخرى تسند لأطر عليا من الهند واليابان ومن مصر وكذا المغرب. في نظرك ما هي الأسباب التي جعلت من أوضاع المهاجرين المغاربة وغيرهم في البلاد العربية بالخليج لم تتحسن بالكيفية التي عليها إخوانهم بالدول الأوربية؟ يكمن السبب الرئيسي في عدم تحسن أوضاع الجالية المغربية بالخليج لنمط النظام الخاص بجلب العمالة الأجنبية والذي يعتمد بشكل أساسي على نظام «الكفالة « ؛حيث أن الشخص الخليجي الذي يستقدم مجموعة من الوافدين يصبح هو المتحكم في نمط العمل والأجر الشهري وساعات العمل «الطوال» وأيام العطل المحدودة جدا، والتعويضات الهزيلة ومقر الإقامة وغيرها؛ وهو ما يتم غالبا في غياب تام عن رقابة الدولة؛ الأمر الذي يتم في انتهاك لحقوق الطبقة الشغيلة؛ بناء على قاعدة، العقد شريعة المتعاقدين. أما بالنسبة للأطر الوافدة التي تشتغل في القطاع العام فهم في وضع أحسن نسبيا من العاملين في القطاع الخاص. يلاحظ الكثير من المهتمين بقضايا الهجرة أن هذه الأخيرة نحو دول الخليج العربي مؤنثة، ما هو السبب في ذلك؟ إن غالبية العمالة الوافدة على بلدان الخليج هي مؤنثة؛ وذلك راجع إلى أن الخليجيين يوظفون الآسيويات في المحلات التجارية والمطارات وفي الفنادق والمطاعم والمقاهي وفي محلات التجميل وفي منازلهم كمربيات وخادمات؛ وهو ما وجدوا فيه بعض الصعوبات؛ مما جعلهم يفضلون المغربيات والتونسيات واللبنانيات والفلسطينيات بشكل كبير؛ وذلك لتسهيل التعامل والتواصل باللغة العربية مع الزبائن ومع الخليجيين ذاتهم؛ ويبدو أن النساء العربيات بارعات في العمل أفضل من الأسيويات؛ وهو ما دفع إلى جلب عدد متزايد منهن لدى هذه الدول؛ إلا أن ما يتعرضن له من مشاكل صعبة وخطيرة أصبح يفرض ضرورة تدخل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لفض ما لديهم من منازعات وخلافات مع المسئولين عن كفالتهم؛ والتي تؤدي إلى توريطهم في قضايا لاأخلاقية. وإني أستغرب في المغرب لكون الوزير المكلف بالجالية المغربية بالمهجر ورئيس المجلس الأعلى للجالية المغربية المقيمة بالخارج لا زالا لم يزورا بعد هذه المنطقة؛ من أجل رصد قضايا جاليتنا ومعرفتها عن كثب والإسراع في إيجاد الحلول الحاسمة لها؛ وهذا ما أصبح يفرض التفكير مستقبلا في رفع ملتمس بهذا الشأن إلى الجهات العليا قصد الحث على تفعيل كل من توجيهات جلالة الملك محمد السادس حفظه الله و البرنامج الحكومي الذي تقدم به الوزير الأول السيد عباس الفاسي أمام البرلمان بهذا الشأن.