احتفت شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكَادير أخيرا بالأستاذين علي الجاوي وامبارك رضوان تكريما لهما بمناسبة إحالتهما على التقاعد ونظمت الشعبة أياما دراسية، قارب من خلالها الأساتذة المشاركون موضوع: "إشكاليات وقضايا من تاريخ المغرب". وانطلقت هذه الأيام الدراسية بجلسة افتتاحية ترأسها عميد كلية الآداب، تطرق فيها إلى الخصال التي طبعت سيرة الأستاذين المحتفى بهما من حيث الانضباط في العمل والتفاني في خدمة المهنة، والعطاء المستمر، تلتها جملة من الكلمات ألقاها بعض الأساتذة والطلبة في حق الأستاذين، قبل أن يدلي علي الجاوي بكلمة في حق المنظمين والحاضرين. واستأنف الباحثون الجلسة الثانية بمواضيع علمية، تناولت إشكالات وقضايا هامة من تاريخ المغرب، ركزت على الجوانب الاجتماعية والسوسيو-اقتصادية، وأهم الأسئلة التي تطرحها الكتابة التاريخية لدى الباحثين المغاربة حاليا، وخاصة ما يتعلق بمصادر التوثيق ومرجعياتها الأثرية والشفوية والكتابية، مع إعطاء أولوية بالغة للمجال الجغرافي كمدخل حقيقي لفهم الوقائع والأحداث التاريخية. وتم تنظيم رحلة علمية لفائدة طلبة الماستر، أشرف على تأطيرها أساتذة متخصصون في مجال الجنوب المغربي عامة، والسوسي خاصة، وذلك بالتنسيق مع فعاليات المجتمع المدني التي تتقاسم الجامعة نفس الهموم والانشغالات العلمية، وتتوخى بذلك أن يتحول التاريخ إلى قاطرة للتنمية داخل منطقة سوس، تنفيذا للإستراتيجية التي تراهن عليها كلية الآداب بجامعة بن زهر، والمتمثلة في الانفتاح على محيطها، والتواصل مع مختلف مكوناته، بما فيها جمعيات المجتمع المدني، والجماعات المحلية، والفعاليات الاستثمارية، في إطار مقاربة تشاركية تتحول من خلالها المؤسسة الجامعية إلى أداة حقيقية للتنمية تحظى بتقدير واحترام المتعاملين معها. وما أضفى على هذه الأنشطة الجامعية طابع المصداقية، هو مواكبتها من عميد الكلية، والحضوره الفعلي للطلبة والأساتذة، والاتصالات المباشرة بالمعنيين بالشأن المحلي وخاصة المستثمرين في مجال السياحة والفلاحة والمهتمين بتنظيم المجال، والقائمين على الشأن الروحي والمأتمنين على الذاكرة المحلية في بعض الزوايا والأضرحة، وذلك اعتمادا على الأطر الجامعية التي تمثل صلة وصل بين الكلية والفعاليات المعنية. وبالمناسبة ألقيت عروض علمية حول مشجر العائلة الإكرارية وعلاقة تزنيت بالمخزن في القرن التاسع عشر، فضلا عن مداخلات أخرى لبعض الفاعلين المحليين حول مسألة المجال والهوية، تم التركيز فيها على أهمية تنظيم المجال السوسي وفق مقاربات ترسخ مفهوم الأصالة بالنسبة للإنسان المحلي، وتقوية روح المواطنة. واستمع الطلبة، أيضا، إلى شروحات في عين المكان همت أماكن ذات حمولة تاريخية كبيرة، وذاكرة جماعية مؤثرة، مثل زيارة بعض القصبات الشهيرة في منطقة تافراوت، وبعض الأضرحة والمقابر في منطقة نكردوس كقبر المجاهد أحمد الهيبة، وبعض المعالم الصلحاوية في تازروالت كضريح سيدي أحمد وموسى، فضلا عن زيارة زاوية إيلغ والاطلاع على خزانتها وما تحتويه من مئات المخطوطات الفريدة، معززة بمتحف لأهم نوادر الأسرة السملالية الحسونية كالصور التاريخية لعائلة بودميعة ورجالات تازروالت، والأدوات المستعملة في الحياة اليومية، والممتلكات الشخصية التي تملأ طابقيها العلوي والسفلي، إذ استمتع الطلبة والأساتذة بشروح مفصلة قدمها القيم على خزانة إيلغ وهو أحد حفدة بودميعة. وتكون كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بهذه المبادرة قد اختارت لنفسها المسار الصحيح الذي يجب اتباعه، من أجل إخراج المؤسسة الجامعية المغربية من طابعها القديم، وجعلها طرفا أساسا في معادلة التنمية، تواكب كل المتغيرات وتتأقلم مع كافة المستجدات.