سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ملف حول الفقيد الكبير الشيخ العارف بالله سيدي حمزة بن العباس القادري البودشيشي: الطريقة القادرية البودشيشية في عهده تحولت إلى منارة عالمية للتصوف السني
* العلم: إعداد – الصديق بوعلام العين تدمع، والقلبُ يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنّا على فراقك ياشيخنا الحبيب لمحزونون. هذا ما تنطق به قلوب مريدي الطريقة القادرية البودشيشية وهي تتلقى نعي العارف بالله القطب الربّاني الشيخ المربّي الواصل الموصِّل حبيب الحضرتين، وإمام الشريعة والحقيقة سيدي أبي جمال حمزة بن العباس القادري البودشيشي الذي وافته المنية عن عمر يناهز خمسا وتسعين سنة، فجر أمس الأربعاء 19 من ربيع الثاني 1438 ه الموافق 18 يناير 2017، في مدينة وجدة بالمستشفى الجامعي محمد السادس حيث كان يتلقى العلاج. ولد الفقيد الجليل رحمه الله وأسكنه فسيح جناته سنة 1341 ه / 1922 م بقرية مداغ من إقليمبركان شرق المغرب حيث مقر زاوية سلفه الشرفاء القادريين البودشيشيين. حفظ القرآن الكريم وأنهى دراسته بالسلك الأول من التكوين العلمي، ولم يتجاوز عمره الرابعة عشرة، وتلقى علوم الشريعة الغراء بزاوية أسرته العريقة أولا، فأخذ علوم الفقه واللغة والنحو عن العديد من المشايخ. ثم تابع أرضاه الله التحصيل بمدينة وجدة في المعهد الإسلامي، التابع يومئذ لنظام جامعة القرويين، وفي سنة 1940 عاد سيدي حمزة إلى الزاوية فاضطلع بمهمة التدريس والتذكير خاصة في علوم النحو والفقه والسيرة النبوية. وفي سنة 1942، يشاء القادر الحكيم سبحانه أن يشرع مع والده الجليل سيدي العباس في سلوك طريق التربية والتزكية على يد الولي الكبير، العارف الكامل، الشيخ سيدي أبي مدين بن المنور القادري البودشيشي. ولما انتقل الشيخ أبو مدين إلى دار البقاء سنة 1955م شاء الله أن يتصدر مهمة الإرشاد في هذه الطريقة الصوفية القادرية سيدي العباس بن المختار، وقبيل انتقال هذا المرشد إلى جوار ربّه يوم الثلاثاء ثاني فبراير 1972 م ترك وصيته التي أشهد عليها كبار الطريقة آنذاك إلى سيدي حمزة الذي تقلد رحمه الله مهمة الإرشاد في هذه الطريقة المباركة سنة 1972، فجدد أذكارها ونظم سيرها مما زاد في إحيائها وتنشيطها، فتوسعت دائرتها، وكثر المنتسبون إليها في المغرب وخارجه وأضحت تستقبل ثلة من المتخصصين في شتى العلوم. وظل الشيخ سيدي حمزة أرضاه الله يتحمل عبء الدعوة إلى الله تعالى وتربية المريدين إلى أن وافاه الأجل المحتوم وقد طبقت شهرة الطريقة القادرية البودشيشية أرجاء العالم، ولايزال المتعطشون إلى المعرفة يقبلون عليها. فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأسكنه فسيح الجنان مع الأنبياء والشهداء والصالحين والصديقين والأولياء وحسن أولئك رفيقا. وبهذه المناسبة الأليمة يتقدم أعضاء حزب الاستقلال وأسرة جريدتي العلم ولوبنيون ومؤسسة الرسالة بأحر التعازي لنجل الشيخ سيدي جمال وحفيده سيدي منير أمد الله في عمريهما خاصة، وللأسرة القادرية البودشيشية عامة، ولسائر المريدين وكافة المغاربة والمسلمين. {إنا لله وإنا إليه راجعون} حفيد الشيخ حمزة البودشيشي بوفاة جدي فقدنا رجلا عظيما قال منير القادري حفيد الشيخ حمزة القادري البودشيشي إن وفاة جده كانت مفاجئة جدا، بحيث لم يكن يعاني من أي مرض مزمن وأوضح منير في تصريح ل االجريدة 24 ب أن جده كان يعاني من شدة برد حادة، بحيث تم إدخاله إلى المستشفى لتلقي العلاجات الأولية، لكنه توفي في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، ليتم نقله إلى الزاوية البوتشيشية بمداغ . وأكد حفيد الشيخ حمزة القادري أنه بوفاة جده فقد رجلا عظيما، كانت له مكانة كبيرة عند الملايين من الناس والأتباع، بحيث علمنا أشياء كثيرة وأضاف منير أن سيواصل الدرب الذي كان يقوده جده الشيخ حمزة البوتشيشي. أما بخصوص مراسيم الدفن قال منير إنه سيتم دفن جده اليوم الخميس حيث بدأت تتوافد العشرات من المريدين منذ بدء انتشارنعيه رحمه الله . وصية الشيخ سيدي العباس لسيدي حمزة القادري بودشيش هذه وصية من الفقير إلى مولاه الغني به، الحاج العباس بن سيدي المختار القادري البوتشيشي، شيخ الطريقة القادرية البوتشيشية، و الساكن بزاوية مداغ العامرة، أوصى بها في حياته و ذلك ليؤدي بها ما عليه من أمانة طُوِق بها، و ليبلغها للناس بقصد أن يخرج من عبء مسؤوليتها، كما يؤدي معها شهادة لله تعالى: يقسم بالله العلي القدير أنها حق و صدق. مضمنها أن الحاج العباس القادري البوتشيشي يشهد أنه تلقى إذنا كريما من الحضرتين حقيقيا نورانيا لا شك فيه و لا ريب، محتواه أن الله سبحانه و تعالى قد أعطاه سر الاسم المفرد، و أكرم طريقته بالحال و العلم و الصلاح، و أمره بأن يصدع بأمر ربه، و بهداية خلقه إلى طريق الحق و الرشاد و وعده بالنصر و التمكين، و ظهور بهذا الحق في الشرق و الغرب. و أحاطه علما في هذا الإذن المبارك بأن وارث سره و خليفته من بعده – مع العلم بأن الموت و الحياة بإذن الله، و أن العبد لا يدري متى يباغته أجله هو ابنه البارالحاج حمزة بدون معارض و منازع، و بأن هذه الطريقة ستنتشرفي عهده انتشارا واسعا و سيقوى سرها و يعم علمها و صلاحها. لذلك كله كان من الواجب على الموصي الحاج العباس أن يوصي المريدين خاصة، و المسلمين عامة أن يتمسكوا بهذا الحق، و أن يسيروا على ضوء هذه الوصية الرشيدة فينفذوا محتوياتها معتصمين بحبل الله المتين، متعاضدين متآخين، سالكين الصراط المستقيم. كما يوصي ابنه الحاج حمزة أن يهتدي بهدي الإسلام و يسير على ضوء تعاليمه السامية. و أن يكون ناصرا للحق، ساعيا جهده في جمع كلمة المسلمين متفقدا لأحوال المريدين، أنى كانوا، شفوقا عطوفا عليهم، محترما للعلماء ورثة الأنبياء، مقتديا بهديهم، مؤيدا لهم في كل ما فيه صلاح المسلمين. كما أوصيه بأن يصل قرابته و يواسيهم و يكون خير معين لهم. فهذه هي وصية الحاج العباس القادري البوتشيشي فمن عمل بها فقد وفى بالعهد وأجره على الله تعالى، و من نقض العهد فحسبه الله تعالى و هو نعم المولى و نعم النصير. كتبها خادم الفقراء و راجي رحمة ربه يحيى بن محمد العتيقي مدير مدرسة سيدي مزيان بوجدة بعد أن سمعها من شيخه رضي الله عنه و أرضاه، و بعد أن قرأها عليه ووافق عليها، و قد وقع إمضاءه الشريف عليها. نسأل الله تعالى أن يوفقنا و يلهمنا رشده و يهدينا إلى صراطه القويم. آمين و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه أجمعين و حرر بوجدة بتاريخ 13 ذي القعدة سنة 1387 ه الموافق 19 فبراير سنة 1968م إمضاء الحاج العباس القادري البوتشيشي شيخ الطريقة القادرية البوتشيشية كان الله له : العباس بن المختار اطلع عليه لتحقيق إمضاء السيد الحاج العباس القادري البوتشيشي شيخ الطريقة القادرية البوتشيشية والساكن بدوار أولاد العامري جماعة مداغ. الموضوع قبلته امامنا والسلام السعيدية في 3 أبريل سنة 1968 طابع بداخله: قائد قبيلة طريفة إمضاء: القادري محمد الشيخ العارف بالله سيدي حمزة بن العباس نموذج كامل للأخلاق المحمدية في هذا العصر الدكتور عبد السلام الغرميني ازداد الشيخ سيدي حمزة بن العباس بن المختار القادري بودشيش سنة 1341 ه – 1922م بقرية مداغ بإقليمبركان شرق المغرب الأقصى حيث زاوية سلفه الشرفاء القادريين البودشيشين، بعد أن كانوا قد انتقلوا إليها من زاويتين سابقتين في القرشية بتاغجيرت ثم في بويحيا، والكل في جبل بني يزناسن. مند الطفولة وجه سيدي حمزة من طرف أبيه وجهة التعليم و التفقه واستيعاب أمورالشرع علما وعملا. وهكذا تدرج الإبن البار بإرشاد والده الفاضل في مسالك التعليم الشرعي العربي الإسلامي، كما هو سائد في المعاهد والمراكز العلمية الأصيلة كانت أول خطوة مند سن التمييز هي العكوف على حفظ القرآن الكريم وإتقان تلاوته قراءة وكتابة ورسما. وهكذا تتلمذ الصبي المبارك منذ يفاعته في هذا الأمر الجليل على عدة مقرئين حفاظ لكتاب الله تعالى، بدأ بالفقيهالمقرئ الراتب الذي كانت الزاوية لا تخلو منه دائما عمه المقرئ المتقن المتعبد المتهجد سيدي محي الدين بن المختار ولكن عمدته في الحفظ والاستظهاروالاستذكار للقرآن المجيد كان القادري البودشيشي . وتنبغي الإشارة في هذا المقام إلى الجو العام الذي كان يسود الزاوية ويستفيد منه كل رجالات هذه العائلة القادرية. فكل أبناء الشيخ المختار القادري البودشيشي كانوا من حفظة كتاب الله تعالى، وعلى قسط مشرف من العلوم الشرعية، شأنهم في ذالك شأن رجالات كل الزوايا التي كانت قائمة بالمغرب وفي كثير من بلاد الإسلام العاملين من أجل نشرواستمرارية الثقافة العربية الإسلامية وبالأخص منها تعهد القرآن الكريم.على أن الذي بلغ مبلغا مرموقا من العلوم الإسلامية من أبناء الشيخ المختاركان هوابنه الأكبر سيدي المكي رحمه الله. ومند 1936 كان سيدي حمزة الذي لم يتجاوز عمره يومئد أربع عشرة سنة قد أتم هذا السلك الأول من التكوين العلمي، معدودا من الحفاظ المتقنين لكتاب الله المجيد وتزداد العناية الربانية إفضالا على التلميذ النجيب فيأخد في تلقي العلوم الشرعية بزاوية سلفه دائما، وفي صحبة أهل بيته وخاصة منهم عمه الشيخ المكي المذكورالذي كان لشدة اهتمامه بتكميل المعرفة الشرعية يصطفي الفقهاء المدرسين المقيمين باستمرار في الزاوية ينشرون العلم الشرعي بين أبنائها خاصة وأبناء كل المنطقة عامة. وهكذا تلقى سيدي حمزة خلال أربع سنوات علوم الفقه واللغة والنحو على يد الفقيه العلامة سيدي أبي الشتاء الجامعي، والفقيه العلامة سيدي محمد بن عبد الصمد التجكاني. وبعد وفاة عمه سيدي المكي استمرت بالزاوية هذه السنة الحسنة المتمثلة في احتضانها للفقهاء الأعلام يستفيد منهم الخاص والعام فتتلمذ سيدي حمزة على الفقيه العلامة الحاج حميد الدرعي، مركزا معه على علوم الحديث رواية ودراية بالاعتماد على تصنيف المختصر الشهير لابن أبي جمرة، وعلى يدي الفقيه العلامة سيدي علي العروسي اليزناسني متابعا معه مصنفات أخرى في الفقه والنحو . ثم شد الطالب الحاذق الرحلة إلى مدينة وجدة من أجل استكمال التكوين، فانتظم في المعهد الإسلامي التابع يومئد لنظام جامعة القرويين، وكانت الفرصة مواتية للتزود من علم الأساتذة الأجلاء أعضاء هيئة التدريس بالمعهد. وهكذا أخد علم البلاغة والعروض ودرس المعلقات السبع في الآداب العربية على الأستاذ الأديب أبي بكر بتركي ناظر أحباس مدينة وجدة في ذالك الوقت . وفي حلقة الأستاذ العلامة عبد السلام المكناسي تابع دراسة النحو العربي بين متن الأجرومية وكتاب قطرالندى ومنظومة الألفية بالاعتماد على شر ح المكودي لها ثم شرح ابن عقيل ثم شرح الموضح. وتبحر في العلمين الشريفين التفسيروالحديث وفي السيرة النبوية على الفقيه العلامة سيدي محمد الفيلالي. وفي فقه الأحكام الشرعية العملية استكمل التكوين على يد فقهاء أجلاء كسيدي محمد بن إبراهيم اليزناسني. والسيد لحبيب سيناصر، موليا مزيدا من العناية بالفقه المالكي ، فتدرج في المدارسة من الرسالة لابن زيد القيرواني ومنظومة المرشد المعين لابن عاشر إلى التحفة لابن عاصم ومختصرالشيخ خليل بن إسحاق،خاصة قسم العبادات منه. وفي سنة 1940 عاد سيدي حمزة إلى زاوية أسلافه ثانية ليزيد من مدارسة العلماء واستكمال التخصص في دقائق العلوم العربية الإسلامية تحقيقا ومناظرة، وتدريسا ومذاكرة. وتم ذالك لديه حسب حس جامعي، حيث تابع المطالعات والتحقيقات تحت إشراف وتوجيه العلامة المحقق سيدي محمد الكبداني. وبإزاء هذا التمرس العلمي النظري شب سيدي حمزة على الطريقة الحميدة المتمثلة في الجمع بين العلم والعمل، والحرص المتواصل على تكميل النظربالتطبيق، مجتهدا في إتباع تعاليم الشرع الحنيف، تاليا لكتاب الله، قانتا لله، مستفيدا من عبق الجوالديني وعطرالتربية الصوفية في أفراد بيته الشرفاء، القائمين بنشرالتربية الصوفية وتلقين الطريقة منذ ما يزيد على ثلاثمائة سنة ،التقليدية المتجذرة. وتشاء الأقدار أن يحصل لدى الشاب الناشئ في عبادة الله ولدى الوالد المجتهد في طاعة الله في وقت متقارب، حوالي سنة 1944، رغبة ملحة في تجديد العهد بمعنى السيرإلى الله بكل حزم وعزم، ويحصل لهما وعي قوي بضرورة التلاقح مع الفحول من أهل المعرفة بالله، وعدم الاستكانة والقناعة بما تقدم وتآكل من طقوس الرياضة التبركية الرتيبة. ثم يجد الرجلان وليهما المرشد، ويعثران على ضالتهما في ابن عمهما وسليل بيتهما، والولي الكبيرالعارف الكامل المتحقق بالأحدية والمحمدية، المتناهي في إتباع الشريعة والهيام بالحقيقة، الوارث الجامع، المربي النافع، الشيخ سيدي أبي مدين بن المنورالقادري البودشيشي. كان الشيخ أبومدين القادري شديد الاهتمام بأمورالدين. رغم أنه لم يعرف عنه أنه التحق بمدرسة علمية متقدمة إلا أنه كان إضافة إلى حفظه لكتاب الله العزيز متمكنا من معرفة الفروع الفقهية، دؤوبا على مطالعة الكتب، كان الشيخ أبو مدين رحمه الله قد وقع له الوعي الروحي مبكرا، وكابد العطش الصوفي مند زمان، وخبرالموروث التبركي لسلفه وشمر عن ساعد الجد من أجل لقاء الرجال والاستزادة من تجارب المكابدة والمجاهدة في كثيرمن طرق الوصال. وقد استفاد من مشارب متعددة، ونهل من شعب صوفية متنوعة بين قادرية وشاذلية ودرقاوية وتيجانية وغيرها، واشتهر عنه الاعتراف بالفضل لبعض الصلحاء منهم المغمورالذي لا يعرف، ومنهم المعروف كولي الله سيدي المهدي بلعريان، وولي الله سيدي محمد لحلو الفاسي. إلا أنه عندما اكتمل نضجه الروحي وحصل الإذن عاد إلى تجديد طريقة أسلافه الذين يتصل نسبهم الطيني وسندهم الديني بالشيخ الشهير مولاي عبد القادر الجيلاني رحمه الله. وقد اهتم الشيخ أبو مدين بأبناء عمومته سيدي العباس وابنه سيدي حمزة اهتماما خاصا، وتفرس في الشاب المتوقد أفقا روحيا عاليا. وأخذه بالعزائم من الأحكام، وبالأحوط من الأمور، والأدق من الآداب وبالأكمل من القربات والطاعات. وهكذا تم تأهيل سيدي حمزة ليكون نعم الخلف لخيرالسلف في الدلالة على طريق الله. وكان الشيخ أبومدين في حياته يوصي والد سيدي حمزة به خيرا ويصرح بتقديم سيدي العباس وابنه في درجات المعرفة وحقائق اليقين. ثم شاء الله أن يتصدر مهمة الإرشاد في هذه الطريقة الصوفية القادرية سيدي العباس بن المختار بعد انتقال سيدي بومدين إلى الرفيق الأعلى. وبعد جهاده واجتهاده في سبل الله خلال سنوات اتسعت دائرة الطريقة فيها كثيرا، وافته المنية سنة 1972. ولم يفته أن يأخد العهد في ميدان التربية والإرشاد، والسير على سنن الصوفية الأمجاد لابنه سيدي حمزة من كبراء الطريقة وأعيان دائرته، ووثق ذالك بالكتابة والإشهاد، ملتزما أنه لم يعد أن وضع الأمور في مواضعها وسمى الأشياء بمسمياتها، فتحققت بذالك فراسة الشيخ أبي مدين في مريده الشاب المخلص وأبيه سيدي العباس. وهكذا تقلد الشيخ سيدي حمزة مند سنة 1972 مهمة الإرشاد في الطريقة القادرية البودشيشية، كما جددها ونقحها أبوه سيدي العباس وشيخه أبو مدين ثم زاد هو في إحيائها وتنشيطها والدعوة إلى منهاجها، فتوسعت دائرتها أكثر، وكثر معتنقوها في العديد من الأمكنة المغربية، وزادت بأن أشعت خارج القطر المغربي، ويلاحظ أنها أصبحت في وقته مقصودة من صنف الشباب خاصة المتعطشين إلى المعرفة، وأنها أضحت تستقبل ثلة من المثقفين والمتخصصين في شتى مناحي العلوم الإسلامية والإنسانية والتجريبية الدقيقة، ومن أناس متوزعين على ثقافات مختلفة كالثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية فعلى خلاف الطرق الصوفية التقليدية أضحت الطريقة غاصة بالشباب في مقتبل العمرحيوية ونشاطا. تمتازشخصية الرجل بثقافة إسلامية شرعية متينة، وبآداب رفيعة في المناقشات والمذ اكرات، وباستعداد كبير للحوار وتبادل الرأي. وهو في هذا المجال راجح التفكيرجميل التعبير، لطيف التشبيه، يساعده في ذالك ما وهبه الله من سرعة البديهة وقوة الذاكرة وحداثة النظر، ودماثة الأخلاق. وهو أيضا ذو اهتمام بشؤون المسلمين عامة ذو حس وطني متميز، تأخذه الغيرة على وطنه، كثيرالاهتمام بكل مافيه تحقيق الصالح العام للمغرب والمغاربة. وقد رزقه الله القبول لدى الخاصة والعامة، ولا يمل كل من التقى به مجالسته، بل يزداد رغبة في معاودة ذالك وتمديده. وأخلاقه في المحادثة والصبر على الإصغاء من الكبير والصغير مما يلفت الانتباه إضافة إلى فضيلة الإكرام والإطعام. وهو اليوم قد قارب الثمنين وشاب في الإسلام، لازال على اجتهاده في العبادة والذكروالتهجد، له أوقات مخصوصة لأداء الأوراد، لايسعه فيها إلا المولى عز وجل. وحاله أن لا يفتر عن ذكر الله لحظة أما علوم الصوفية وأذواقهم ومواجيدهم، وإلهاماتهم، والحديث في منازل السلوك والرقائق والدقائق، فهو في كل ذالك فرس الرهان وعلم الميدان، بشهادة كل من خاض التجربة الصوفية بصحبته،وبشهادة العديد من أرباب هذا الشأن الذين لهم خبرة في هذا الفن. حاز قصب السبق في هذا المضمار وأثمرت همته ونظرته ومقامه في مريديه نتائج رائعة من أقواله ووصياه لمريديه في الحض على الاستمساك بالشرع والتهمم بالإخلاص في الأعمال قوله: طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. إن الخير كله في القرآن الكريم، والعز كله في القرآن الكريم، والحفظ كله في القرآن الكريم. لا أدفع للشرور والمصائب والغلاء والبلاء من تلاوة القرآن الكريم . تعلموا العلم وعلموه للفقراء، ولا تقفوا مع علمكم، لأنه وسيلة لمعرفة ربكم لا زي يقتنى، ولا حلية يتزين بها في المناسبات أو تتخذ للمماراة والمراءاة. وإلا صار حجابا، وهو حجاب نوراني. والحجب النورانية أشد لأن إزاحتها عن القلب أعسرمن الحجب الظلمانية. علاقة المريد بالشيخ علاقة محبة في الله ورسوله. والمحبة كالحليب أي شيء يسقط فيه يظهر فيه، فيفسد مظهره ويغير لونه. وإذا تغير لونه لم يعد حليبا. عليكم بالأدب، فلا يسلم في طريق القوم إلا من أغرق قلبه في بحر من الأدب. لاتزنوا أعمال الفقراء بميزانكم، وغضوا الطرف واستروا العورات يسترالله عوراتكم. من أراد الله به خيرا غيب عنه عورات المخلوقات وعيوبهم فلا يرى في الكون إلا الجمال. فإن الخلق هم الباب، هم الحجاب وبالجملة فالشيخ سيدي حمزة في الواقع نموذج كامل للأخلاق المحمدية في هذا العصر صحبه كاتب هذه السطوروانتفع به جريدة الإشارة العدد 25 – صفر 1423 ه – ماي 2002 من أقوال سيدي حمزة بن العباس القادري البودشيشي حقيقة التصوف إ صلاح إن تصوف الحقيقة قد ولى زمانه، والمطلوب اليوم إصلاح الخلائق، لا إطلاق الحقائق. فضائل القرآن الكريم طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة: (وماآتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). إن الخير كله في القرآن الكريم والعز كله في القرآن الكريم والحفظ كله في القرآن الكريم. لا أدفع للشرور والمصائب، والغلاء والبلاء من تلاوة القرآن الكريم. يكفي أن يكون العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ليستوجب حفظ القرآن الكريم، فهو بداية العلم ونهايته. التمسك بالشريعة الإسلامية طريقتنا هي طريق الكمال المحمدي والسر الرباني، ولا يحفظ أنوارالسرسوى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حسب الاستطاعة ومقتضى العصر-فما شاد أحدكم الدين إلا غلبه فسددوا وقاربوا- كما قال صلى الله عليه وسلم. العلم نور وحجاب تعلموا العلم وعلموه للفقراء، ولا تقفوا مع علمكم، لأنه وسيلة لمعرفة ربكم، لا زي يقتنى، ولا حلية يتزين بها في المناسبات أو تتخذ للمماراة والمراآة إلا صارحجابا. وهو حجاب نوراني ، والحجب النورانية أشد ، لأن إزاحتها عن القلب أعسر من الحجب الظلمانية، وحكى عن شيخه سيدي أبي مدين أنه رضي الله عنه يقول: لمذنب غارق في ذنوبه منكسر قلبه، أحوله إلى سبيكة من ذهب، أهون علي من متعلم معجب بنفسه مزهو بمعارفه، لا يستفيد ولا يفيد: فضائل العلوم الشرعية ودورالزوايا في حفظها وينوه بالعلماء الذين أخد منهم: بدقة حفظهم، وسرعة بديهتهم واستحضارهم، وحسن فهمهم، وغيرتهم على الدين، وفرارهم من مباهج الدنيا وفتنها . وينوه أيضا بالكتب الدينية القديمة: لأنها أمهات الكتب وبها تعلم فطاحل العلماء وتخرجت أمم وفيها بركة السلف الصالح ، كانت مهمة الزوايا بالمغرب قديما الحفاظ عن العلم النبوي حتى لا يندثر، والتعاون على العمل به حتى ينمو وينتشر . الاجتهاد في العبادات لقد ربانا شيخنا سيديأبو مدين على الاجتهاد ، وترك الكسل والبطالة ويحكي رضي الله عنه حكاية وقعت له مع شيخه في بداية سيره أن سيدي أبا مدين كان يكره أن يرى مريديه خارج منزلهم ما بين العشاءين ، وكان يحثهم على الجلوس للذكر في هذا الوقت خصوصا: ذلك وكان سيدي حمزة كلما جلس وشرع في اسم الجلالة االلهب ، أضاءت عليه الغرفة نورا. فانزعج لذلك ، وخرج ليروح منه ، فإذا بسيدي مدين وكأنه ينتظره ، وناداه في الظلمة: من هناك؟ أهو حمزة؟ فقال نعم سيدي. فقال لماذا خرجت في هذه الساعة؟ فحكى له ما رأى. فقال : إن كان هذا فأمر آخر. هذا خير إن شاء الله ، وبعدما بين له معنى ذلك التجلي ، أمره بالعودة إلى خلوته ، ومتابعة ذكره. رآه علامة الرضا والقبول و وأن وقال رضي الله عنه في حق شيخه: ما رأيت أعبد منه، ولا أكثر اجتهادا ومحبة لأمور الآخرة ، وكنت أنا وأبي سيدي عباس أكثر الفقراء خدمة له والتصاقا به فنلنا -والحمد لله- من اجتهاده حظا وفيرا. من لا يزيد فهو في نقصان ، والقناعة من الله حرمان فلا تقتنعوا بشيء غير وجهه الكريم . إياكم وصحبة الغافلين فإن صحبتهم تورث البطالة قال تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا. العمل والقبول العبرة بالقبول ، والقبول من الله عز وجل . قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. فضائل الذكر والصحبة إذا أردت أن تسمو أخلاقك ، وتصفو أذواقك ، وتهيج أشواقك ، فعليك بذكر الله وصحبة الصالحين المحبين والتأدب معهم . التصوف أخلاق وأذواق وأشواق الذاكر إذا تجوهرت روحه بأنوار ذكر الله ، هاجت في قلبه لواعج المحبة ، فلا يقر له قرار ، ولا يمسه نصب ولا يعتريه ملل ، ولا يقهره عطش ، ولا يصده نوم ، ولا يثنيه هم ، ولا يعبأ بقيل وقال ، ولا تفتر همته دنيا ولا مال ، ولا تشغله تجارة ولا عيال ، ولا راحة له ولا مقيل ، إلا في رحابحضرة. حبيبه الجليل. ومن استدام على الحضور مع الله، استمد من أنوار العظمة الإلهية ما يقيم في نفسه وازع الحياء ، ويوقد في قلبه أشواق بهاء الهيبة ، فيجد حلاوة الأدب مع الحق ، وبتذوق طعم حسن الخلق مع الخلق. إذا وجدت من عمر بنور الله قلبه ، وأينعت بمحبة الرسول جنانه ، سقاك من سائغ المحبة ، ما أنار قلبك ونشط جوارحك لأفعال الخير وملازمة التقوى، والاجتهاد في مقامات اليقين، وإذا تعلقت بمن أظلم قلبه، بغفوات الغفلة كان منك كنافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تستمد منه أحوالا منتنة وأفعالا مشينة ، فالطبع للطبع يسرق المحبة تقتضي المؤانسة ، والمؤانسة تقتضي المجالسة والمجالسة بداية الصحبة، والصحبة سنة عند العموم ، فريضة عند الخصوص الصحبة أساس كل فلاح وصلاح ، والمحبة وقودها وادامها، ولا يستمد المريد من أحوال شيخه إلا بقدر محبته له، وامتثاله له ، وحقيقة الامتثال ما كان عن محبة صادقة خالصة لوجه الله تعالى. مهمتي كما حددها أهل الله ، لا تعدو رأب صدع القلوب وسد شقاق وثقب الأواني المنكسرة فلا قيد ولا شرط لقاء أهل الفضل دليل على أن المراد بك خير ، ولو شاء الله ما دلك عليهم ولا يسر لك صحبتهم ، فمن أحبه الله يسر له لقيا أحبابه ، وألهمه صحبتهم واتباعهم ومن دعائه :اللهم لاقينا بمن هم أفضل منا وارحمنا بالمرحوم فينا الصحبة تزين ، والرفقة تشين. صاحبت شيخي على شرط اتباع الكتاب والسنة ، فما تركني يوما أخل في سري ولا علانيتي ، فإن في العلانية زجرني ، وإن في السر وجدت أثر الغضب وربما الاغضاء في وجهه حين ألقاه ، فلا يزول حتى أزول منها توبة نصوحا. بنيت الطريق بعد الصحبة على الإكثار من ذكر الله فهو مفتاح كل شيء ، وبدونه لا يكون من المريد شيء، من أراد صلاح الدنيا فعليه بذكر الله كثيرا، ومن رغب في فلاح الآخرة فعليه بذكر الله ، ولا يصلح الفقير إلا ذكر السر عليكم بذكر الله كثيرا واقصدوا به وجه الله ، لا حظوظ الدنيا ولا حقوق الآخرة تنالوا رضا الله ومن نال رضا الله ، نال مبتغاه علاقة المريد بالشيخ علاقة المريد بالشيخ علاقة محبة في الله ورسوله، والمحبة كالحليب أي شيء يسقط فيه يظهر فيه، فيفسد منظره، ويغير لونه، و إذا تغير لونه لم يعد حليبا، وإذا سقط فيه نجس من وسوسة شيطان أو حديث نفس، فلا مجال من تطهيره، فلا بد أن يلقى جانبا. من آدب الطريق عليكم بالأدب ، فلا يسلم من طريق القوم إلا من أغرق في بحر من الأدب ، وإياكم وأعراض الفقراء فإن لحوم الأولياء سم قاتل. لاتزنوا أعمال الفقراء بميزانكم ، وغضوا الطرف واستروا العورات ، يستر الله عوراتكم ، فمن تتبع عورات أخيه لم يمت حتى يفضح الله عوراته. من أراد الله به خيرا غيب عنه عورات المخلوقات وعيوبهم ، فلا يرى في الكون ومكوناته إلا الجمال ، فإن الخلق هم الباب والحجاب . اشتغال العارفين بالله والأولياء الصالحين ، كله حول التحقق بعظمة خلق النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وإنك لعلى خلق عظيم. الطريقة مثل المستشفى ، وأنتم الممرضون والشيخ هو الطبيب، فاعفوا واصفحوا وارفقوا بعيال الله ، والخلق عيال الله. نحن في الطريقة نداوي ، لا نتشفى في المؤمنين وإياكم ثم إياكم أن تكفروا مسلما أو تشركوا مؤمنا أو تكرهوا خلق الله . فهذا مضرة لانهاية لها. لا يبقى بعد المعرفة بالله إلا فعل الخير والمحبة في الله. أدب الظاهر أدب أشباح، وأدب الباطن أدب أرواح، وشتان بين أدب نهايته المظاهر، وأدب أساسه تزكية الضمائر وصفاء الأسرار، واستمداده من (هو الظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم . لا تفضحوا أسرار الخلق، ولا أسرار إخوانكم، لما في ذلك من إذاية الخلق وسوء الأدب مع الحق ، ولو شاء الله لفضحهم دون واسطتكم، ولكنه حكيم عليم. مهمتنا أن نصلح الخلق لا أن نفضحهم التزاور والتراحم والتعاون عليكم بفعل الخير وإن قوبل باللؤم ، أو ووجه بالظلم ، فإن الحق سبحانه يدافع عن الذين آمنوا لفعلهم الخير واقتراف أعدائهم الشر . إن البر بالوالدين يؤتي أكله في الدنيا قبل الآخرة، إن بركة الآباء والأجداد تعود على الأولاد والأحفاد كثرة الهم تشغل عن الله تعالى ، وتفت في عضد المؤمنين خصوصا المبتدئين الذين لم يذوقوا حلاوة الذكر ولم يعرفوا طعم فتوحاته. فضائل النفقة في سبيل الله ما عودني ربي إلا خير ، وما أعطيت درهما إلا ضاعفه أضعافا مضاعفة، وما أنفقت من قليل إلا كثره الله أو قصدته في حاجة إلا قضاها. من دعائه: الرحماء يرحمهم الله، اللهم ارحمنا بالمرحوم فينا، النفس تميل لمن أحسن إليها والله يحب المحسنين فمن أراد أن يجمع بين محبة الخلق ومحبة الحق فعليه بالإحسان. يقول في حق أبيه سيدي الحاج العباس قدس الله سره: لقد حصل بالسخاء ما لم يحصله بالعبادة والرياضة. وكان سيدي أبوو مدين يقول: من ادعى لكم محبة الله ورسوله، فاختبروه بالبذل والعطاء في سبيل الله ، فإن استجاب ولو بالدرهم أو الدرهمين ، وإلا فهو مدع لا حقيقة لمحبته. لا يكون السخي سخيا حتى ينسى ما أعطاه، ولا يذكره أبدا. من كرامات جده رضي الله عنه: المكاشفة ويحكى عن جده سيدي المختار قدس الله سره أنه لما ارتحل من الجبل إلى سيدي تريفة حيث توجد لحد الآن أنقاض زاويته. وكانت غابة مخوفة لا يسكنها إلا اللصوص وقطاع الطريق ، مرت جماعة من اللصوص بباب داره ، فرأوا بقرا له يرعى ، قال بعضهم لبعض: يقال أن شيخا سكن هذه الغابة ، وأن هذا بقره فهيا نمتحنه ونسرق بقره ونذهب ، ولم يسعفهم واحد منهم على امتحانه، قائلا: إن هذا من أولاد سيدي المختار الكبير، وأنتم تعلمون شوكة هؤلاء الشرفاء وسطوتهم. فلم يسعفوه وقصدوا خيام الشيخ وطلبوا منه بعض الطعام فأطعمهم وأصلح من حالهم ، ولما كانوا راجعين ، قال لهم : لا تذهبوا حتى تأخذوا لصاحبكما الذي ينتظركم وسط أدغال الغابة بعض الطعام ، فدهشوا وارتبكوا وعادوا إلى صاحبهم وأحجموا عن فعلتهم. البذل والسخاء والجود والعطاء الكرم وصف لا يفارق المحبين وشرط عليه قام سلوك السالكين ، واستقام سير السائرين ، فلا تجتمع المحبة والشح في القلب أبدا. الدعوة إلى الله بالحال والعمل والمقال من أهل الله من يدعو إلى التحلي قبل التخلي ، ومنهم من يدعو إلى التخلي قبل التحلي.