مؤتمر باريس للسلام .. »مؤتمر رمزي » ونتائج محدودة بانتظار تنصيب الرئبس الأمريكي * بقلم // أحمد الميداوي يمكن اعتبار « حل الدولتين غير قابل للنقاش » بأنه جوهر البيان الختامي لمؤتمر السلام في الشرق الأوسط الذي احتضنته باريس أول أمس بمشاركة أزيد من 70 دولة. وقد اعترف وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إِيرو بأن المؤتمر يهدف أولا وأخيرا، في غياب الظروف المواتية لعودة المفاوضات، إلى إبقاء الأمل مع التشديد على « حل الدولتين »، وصفا المؤتمر بأنه « مؤتمر اليد الممدودة ». والواقع أن المبادرة الفرنسية المدعومة أوروبيا تبدو وكأنها تخاطب الاسرائيليين من فوق رأس حكومة نتانياهو. فوراء الكواليس تناول الخبراء دراسات متعددة تقود كلها إلى أن « حل الدولتين » هو الحل الوحيد القادر على إنقاذ الدولة العبرية من « الذوبان » في دولة كبيرة أيا كان اسمها فلسطين أم إسرائيل. من هنا قول أحد الديبلوماسيين الفرنسيين إن لقاء سبعون دولة سيعيد إلى أذهان البعض ضرورة الحل القائم على دولتين، في إشارة مباشرة للرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي بدت ( تغريداته) تنم عن انحياز كامل إلى جانب اليمين المتطرف الاسرائيلي، وخصوصاً إعلانه عن نيته نقل سفارة الولاياتالمتحدة إلى القدس، وهي خطوة وصفها جان مارك إيرو بأنها استفزاز. وإذا كانت معظم الصحف الباريسية وحتى الأوربية وصفت المؤتمر عناوينها بأنه « مؤتمر رمزي » للسلام فإن هذا الوصف يدل بما لا يدع مجالا للشك على أن القيمين عليه يدركون محدودية النتائج بانتظار تنصيب الرئبس الأمريكي دونالد ترامب. أما البيان الختامي ففقد كان فضفاضا ولكن يمكن اختصاره في ست نقط : الاعتراف بحدود الرابع من يونيو 1967 بما فيها القدس الشرقية حدودا للدولة الفلسطينية، حل الدولتين، تأكيد قرارات الشرعية الدولية بما فيها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الخاص بعدم شرعية الاستيطان، مقايضة للأراضي بتعديل الحدود بشكل عادل، نبذ العنف وأخيرا الإقرار بأن أمن إسرائيل لن يتحقق إلا بأمن الدولة الفلسطينية. ولابد من التأكيد ضمن هذا السياق على الدور الفرنسي في ململة الملف الفلسطيني الإسرائيلي بعد تشديد فرنسا وللأول مرة على لسان رئيسها فرنسوا هولاند في مقابلته مع صحيفة لوموند قبل نحو شهر، على وجوب الربط بين الإرهاب وانتشاره وبين الجمود في ملف السلام. وقد أكد بوضوح أنن « لا مجال للشك في أن المتطرفين والإرهابيين سيملأون الفراغ » عندما تتجمد الأمور (statu quo) بين الفلسطينيين والإسرائيلين. والرابحون الوحيدون من تجميد الملف هم في النهاية المتطرفون ». وهذه أول مرة يربط مسئول غربي ملف الإرهاب بملف السلام في الشرق الأوسط، فطوال سنوات نبه جميع المسئولين العرب وكافة المهتمين بالسلام من خطورة تعفن ملف السلام الذي يفتح مجالا للتطرف وللمتطرفين قبل أن يتحولوا إلى إرهابيين. إلا أن الغرب لم يكن يود أن يرى في النزاع العربي الإسرائيلي وخصوصا في اضطهاد الفلسطينيين والصور اليومية لمعاناتهم تحت الاحتلال أي رابط مع الإرهاب الذي كان يتفشى في الدول العربية والإسلامية. لكن اليوم وقد وصل الإرهاب إلى قلب العواصم الغربية وخصوصا باريس عاصمة المبادرة الأخيرة، تفتحت أعين المسئولين، وفي مقدمتهم الفرنسيون على أن هناك رابط بين هذه المعاناة والاستعمال التواصلي لها من قبل المنظمات الإرهابية التي تشدد على مسألة « الكيل بمعيارين » لتأجيج « كره الغرب والديموقراطية. ويأتي مؤتمر باريس للسلام في سياق سعي فرنسا لاستعادة دورها السياسي الذي تراجع في أكثر من رقعة جغرافية..في أفريقيا منطقة نفوذها القديمة في العهد الاستعماري والتي أصبحت تغازل اليوم الولاياتالمتحدة والصين وغيرهما من الدول ذات الأطماع الاقتصادية والسياسية المختلفة، وفي أوروبا حيث لم يلاق المشروع الأورو المتوسطي الذي تبنته نجاحا يذكر اللهم من البهرجة التأسيسية التي رافقته، وفي الشرق الأوسط الذي توجد فيه فرنسا في وضعية شرود شاذة، حتى إن الكثير من الأوساط لا تتردد في التأكيد على أن الدبلوماسية العريقة لفرنسا في المنطقة، بصدد تلقي ضربات موجعة في العهد الجديد. وتخشى ذات الأوساط أن تؤدي الدبلوماسية الاقتصادية التي ركز عليها هولاند من خلال الصفقات التجارية التي عقدها بالمليارات مع دول الخليج والمغرب العربي والصين وغيرها، إلى تهميش فرنسا سياسيا وتغييبها عن جوهر النزاع في الشرق الأوسط بأزماته الخمسة (الفلسطينية، واللبنانية والعراقية والسورية والإيرانية). فحتى اليوم، لم تفلح الدبلوماسية الفرنسية في تكريس سياسة فاعلة ومؤثرة في الرقعة السياسية الدولية، وتحقيق اختراق دبلوماسي جدير بمكانة فرنسا ونفوذها الدوليين.