بعد 73 سنة من تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، لا تزال هذه المحطة تؤرخ اليوم للحظة تحول نوعي وحاسم في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي ضد قيود الاستعمار عبر فيها صراحة عن مطلبه المشروع في الحرية والاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية. ويخلد المغاربة، يوم غد الأربعاء، بمظاهر الاعتزاز والإكبار، و في أجواء التعبئة الوطنية العامة تحت القيادة الحكيمة للملك محمد السادس، هذه الذكرى التي تؤرخ لتقديم عريضة من قبل مجموعة من الوطنيين من صفوف الحركة الوطنية إلى المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، والمقيم العام للحماية الفرنسية بالمغرب، ومفوضيات الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، والاتحاد السوفياتي، تطالب باستقلال المغرب، واستعادته لسيادته، متوجة مسارا طويلا من المقاومة المسلحة والمطالب الإصلاحية للحركة الوطنية، وممهدة فيما بعد لنيل الاستقلال عن الحماية الفرنسية. وبالفعل، جاءت الوثيقة بعد مسلسل طويل من المقاومة المسلحة التي قادها في مرحلة متقدمة محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف، وموحى وحمو و باسلام في الأطلس المتوسط، إلى جانب مقاومة الاستعمار في إطار "كتلة العمل الوطني" التي تصدت أولا للظهير البربري (16 ماي 1930) الذي سعت من خلاله سلطات الحماية لكسر وحدة الشعب لكن المغاربة، عربا وأمازيغ، أفشلوه. ثم جاءت مرحلة رفع مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة في 1934 و1936، وإعلانها كثوابت لا يمكن التنازل عنها، والمطالبة بالحريات العامة، إلا أن المحتل الفرنسي واجه نشاط كتلة العمل الوطني بحملة قمع وترهيب واعتقال ونفي الوطنيين، ما بلور قناعة أن التحرير الحقيقي للمغرب لن يتم سوى عبر نيل الاستقلال واسترجاع السيادة وامتلاك المصير لترى إثر ذلك وثيقة 11 يناير النور بعد أن أنجزتها الحركة الوطنية بتنسيق مع السلطان محمد بن يوسف، حاملة توقيع مناضلين من كل أنحاء البلاد. وتضمنت وثيقة المطالبة بالاستقلال عددا من المطالب السياسية تتعلق بالسياسة العامة للبلاد، منها المطالبة باستقلال المغرب تحت قيادة ملك البلاد الشرعي محمد بن يوسف، والسعي لدى الدول التي يهمها الأمر لضمان هذا الاستقلال، وانضمام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنتي والمشاركة في مؤتمر الصلح. أما المطالب الداخلية في الوثيقة فتمثلت في الرعاية الملكية لحركة الإصلاح، وإحداث نظام سياسي شوري تحفظ فيه حقوق وواجبات جميع مكونات الشعب المغربي. وكان رد سلطات الحماية الفرنسية على هذه المبادرة الوطنية عنيفا بشن حملة اعتقالات بعد أيام من تقديم الوثيقة، وإلقاء القبض على أغلب الموقعين عليها، ودشنت، بعد نضال مرير خاضه الشعب المغربي بالتحام مع العرش، لمرحلة جديدة طموحها الأسمى استقلال البلاد، وأدركت بعدها سلطات الحماية أنه لا تنازل للشعب عن المطالبة بالاستقلال على الرغم من الاعتقالات والإعدامات التي أدى ثمنها آلاف المغاربة. وتعزز موقف الحركة الوطنية بعد الخطاب التاريخي الذي ألقاه جلالة المغفور له محمد الخامس بطنجة سنة 1947 والذي أكد على أن المطالبة بالاستقلال اتخذت صبغة رسمية وأنه لا تراجع عنها، وقاد وقوف سلطان البلاد إلى جانب المقاومة وانخراطه فيها، إلى نفيه إذ عزلته سلطات الحماية الفرنسية، في 20 غشت 1953، عن العرش، ونفته مع أسرته الشريفة إلى جزيرة مدغشقر. وتلا ذلك اندلاع (ثورة الملك والشعب) التي عمت المدن المغربية وعجلت بالاستقلال. وأمام تصاعد حدة المقاومة، اضطرت فرنسا إلى إرجاع السلطان الشرعي إلى بلده وشعبه وعرشه، في 18 نونبر 1955، ليعلن عن "نهاية عهد الحجر والحماية"، وبداية استقلال المغرب عن فرنسا، الذي أعلن بشكل رسمي في 2 مارس 1956، وفي غشت 1956، اكتمل استقلال القسم الأكبر من البلاد، بنهاية الحماية الإسبانية على المناطق الشمالية. وشكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال، ارتباطا بسياقها التاريخي والظرفية التي صدرت فيها، ثورة وطنية حقيقية جسدت وعي المغاربة وتمسكهم بالكرامة والسيادة وأعطت دليلا قاطعا على قدرتهم وإرادتهم الراسخة في الدفاع عن حقوقهم المشروعة وتقرير مصيرهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم خارج أي وصاية مهما كانت، وانخراطهم الكلي في مسيرة النضال التي تواصلت فصولها بعزم وإصرار في مواجهة النفوذ الأجنبي حتى تحقيق النصر.