حنان خيري القدر قد يضع إنسانا ما في مواجهة مع المرض النفسي، فتبدو الحياة بالنسبة له ولأسرته كما لو كانت سلسلة من المتاعب التي لا تتوقف، ليس فقط بسبب رحلة البحث عن علاج، ولكن بسبب رحلة إخفاء أعراضه وإضفاء نوع من السرية على العلاج، لأن البعض مازال ينظر إليه على كونه «عار اجتماعي». المرض العضوي غالبا ما يكون محصورا في جزء من الجسم وبالتالي هو محصور في صاحبه ولا تمتد آثاره إلى الآخرين، طالما أنه ليس معديا، أما المرض النفس فآثاره تمتد إلى الآخرين وتؤثر على حياتهم لأنها في بعض الأحيان تؤدي إلى اضطراب المريض مع الآخرين، لدرجة قد تصل بالمرض النفسي إلى تصنيفه على درجة واحدة مع المرض المعدي، خاصة أنه يؤثر في المحيطين. وبقدر ما تتأثر الأسرة بالمرض النفسي فإنها أيضا تؤثر في مسار المرض ونتائج العلاج، بل وتكون أيضا من أسباب المرض أو على الأقل من العوامل التي فجرت ظهور المرض، إذ التأثير متبادل بين الأسرة ومريضها والألم كذلك متبادل بينهما. وحسب الطب النفسي فإن عدم الوعي الثقاقي بالمرض النفسي يشكل عصب المشكلة العلمية والصعبة , والصارمة التي تجعل الناس يضجون وينفرون ويهربون فلا يقرؤون ولا يعرفون ولا يفهمون وبالتالي يرفضون ويعادون ولذلك من الضروري جدا أن يتعرف الناس ماهية النفس التي هي عبارة عن عواطف الإنسان وتفكيره وإدراكه وسلوكه وإرادته، كما أن هذه النشاطات النفسية تتم من خلال تفاعلات كيميائية داخل المخ. ومن الضروري جدا أن يدرك الجميع أن الإنسان ليس جسدا فقط ولكنه جسد ونفس متلاحمان ويؤثر كل منهما في الآخر وان النفس تتألم مثل ما يتألم الجسد، كما أن للنفس أمراضا تماما مثل الجسد وأن لهذه الأمراض أعراضا لا يمكن أن نراها مثلما نرى أعراض الكبد أو القلب. أما أعراض أمراض النفس فلا يدركها ولا يشعر بها إلا صاحبها المريض، ولذلك على الأسرة عبء كبير حيث إن الطبيب يرى المريض لساعات محدودة لكن الأسرة تعيش مع المريض حياته كاملة ولهذا هي في وضع أفضل للملاحظة والمقارنة والمتابعة..كما أن التربية والتنشئة وأحداث الطفولة تلعب دورا في ترسيخ الاستعداد وتهيئة أو دفع الإنسان للإصابة بالمرض في مرحلة مبكرة. فالعلاقات داخل الأسرة والتي تمس الطفل مباشرة أو بطريق غير مباشر تحفر آثارها في نفسية الطفل وتدعم استعداده الذي ولد به أو تخلق لديه استعدادا من نوع جديد لنوعية خاصة من الاضطرابات النفسية والمرض قد يظهر فجأة أو يظهر تدريجيا وقد يظهر بعد حادث أو صدمة تتعرض لها الأسرة ,,ومن الضروري أن تتحلى الأسرة بالوعي وعدم نقل مفهومها الخاطئ عن المرض النفسي حتى ليشعر المريض بالقلق والخوف من معرفة الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران أنه متوتر نفسيا ويبدأ يبتعد عن التجمعات لشعوره بأنه غير طبيعي وهذا الإحساس يزيد من آلامه النفسية. والمرض النفسي مثل أي مرض وهكذا طبيب الأمراض النفسية زيارته طبيعية ولكن لابد للمجتمعات أن يكون لديها وعيا وثقافة عن الطب النفسي والمريض النفسي والعلاج النفسي واعتبار أن الأمراض النفسية لا تعني الجنون فهذا مفهوم خاطئ وخاصة الأسرة التي تخاف من معرفة الناس بأن أحد أفراد الأسرة يعالج نفسيا. مقال آخر | أعلى الصفحة