الدكتور العربي مياد - أستاذ باحث انسجاما مع ما أشرنا إليه في مقالنا السابق المنشور بجريدة (العلم) الغراء يومي الثلاثاء والاربعاء 10 و 11 مارس 2009 في موضوع:( مدى مشروعية الحرمان من الأجر عن الاضراب غير المشروع) نتناول في هذا السياق قرار لمحكمة الاستئناف الادارية بالرباط تحت عدد 730 بتاريخ 17 اكتوبر 2007، في الملف رقم 5/07/201 ، والذي يحتوي مضمنه: (لئن كان حق الاضراب مضمونا دستوريا ومكرسا في مختلف الوثائق الادارية فانه لايعني بالضرورة أن يتم على شكل الانقطاع عن العمل قصد شل حركة المرفق العمومي، وخاصة مرفق الصحة الذي يعتبر مرفقا حيويا. إن عدم إدلاء الطاعن مما يثبت أنه تقدم بطلب الاذن بالتغيب جعل الادارة لم تتمكن من اتخاذ التدابير الكفيلة بحسن تسيير مرفق الصحة العمومية ومما يجعل قرار الاقتطاع في محله وغير مشوب بتجاوز السلطة..). تتمثل وقائع الدعوى في أن أحد الأطباء العاملين بمندوبية الصحة العمومية باقليم صفرو تقدم بمقال افتتاحي أمام المحكمة الادارية بفاس يعرض فيه أنه توصل بقرار صادر عن وزير الصحة يقضي باقتطاع مقابل يومين من أجرته بعلة أنه انقطع عن العمل خلال يومين ولم يدل بجواب عن الاستفسار الموجه إليه، الا أنه ينفي هذه الواقعة ويؤكد أنه لم يتغيب بدون عذر وانما شارك في الاضراب المكفول له دستوريا وأن المدعى عليها عالمة بهذا الانقطاع قبل وقوعه على المستوى الوطني وبالتالي يلتمس إلغاء القرار المطعون فيه، وبعد تبادل المذكرات أصدرت المحكمة الادارية بفاس حكمها القاضي برفض الطلب وهو الحكم المطعون فيه بالاستئناف. وقد أيدت محكمة الاستئناف الادارية بالرباط هذا الحكم معللة قرارها أن الطاعن أضرب عن العمل يومي 28 و 29 دجنبر 2005 وذلك بامتناعه عن العمل وأن قرار الاقتطاع من مرتبه جاء تطبيقا لمقتضيات الفصل 41 من القانون المنظم للمحاسبة العمومية الذي يجعل الأجر مقابل العمل، وكذا مقتضيات القانون رقم 81.12 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.83.230 بتاريخ 5 اكتوبر 1984 بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة وهو القانون الذي عمل على تنظيمه المرسوم رقم 2.99.1216 بتاريخ 10 ماي 2000 الذي نص على أن الاقتطاع المذكور من المرتب يتم بعد توجيه استفسار للمعني بالأمر حول أسباب تغييبه عن العمل، وهو ما تم بالفعل بالنسبة للطاعن (المستأنف). تكييف الإضراب عن العمل: يستشف من هذا القرار أن المحكمة كيفت الإضراب عن العمل بمثابة تغيب عن العمل بصفة غير مشروعة وبالتالي اخضعت هذا التصرف الى مقتضيات قانون 5 اكتوبر 1984 السالف الذكر وألمحت بشكل ذكي أنه بإمكان الموظف أن يضرب عن العمل بكل الطرق المشروعة باستثناء التوقف عن العمل كحمل الشارة مثلا، أو غيرها من الطرق التي لاتؤدي الى عرقلة السير العادي للمرفق العمومي، ولاسيما الصحة العمومية. قانون الوظيفة العمومية والإضراب: من خلال دراستنا لقانون الوظيفة العمومية الصادر في 24 فبراير 1958 ولاسيما ما تعلق بوضعيات الموظف حيث نص الفصل 37 منه على أن يكون كل موظف من إحدى الوضعيات التالية: 1 في حالة القيام بالوظيفة. 2 في حالة الالحاق. 3 في حالة التوقيف المؤقت عن العمل. 4 في حالة الجندية. وإذا كانت الوضعيات 1و 2 و 4 واضحة فإن المقصود بالتوقيف المؤقت عن العمل في مفهوم الفصل 54 من القانون المذكور أن يكون الموظف خارجا عن سلكه الأصلي ويبقى تابعا له، مع انقطاع حقوقه في الترقية والتقاعد، ولايتقاضى أي مرتب إلا إذا كان هناك نص قانوني خاص. وعلى هذا الأساس فإن قانون الوظيفة العمومية الذي يجعل الموظف في حالة قانونية ونظامية إزاء الادارة لايعترف بشيء إسمه الإضراب عن العمل، ذلك أن الموظف لايعدو أن يكون في احدى الوضعيات المنصوص عليها في الفصل 37 المشار اليها اعلاه ولا يوجد من ضمنها الاضراب عن العمل. لذلك فان المحكمة الإدارية بفاس وكذا محكمة الاستئناف الادارية بالرباط كانت موفقة في تكييف الاضراب عن العمل على أنه انقطاع أو تغيب غير مشروع وبالتالي يقع تحت طائلة مقتضيات القانون 12/81 بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة، خاصة وأن التغييب من هذا القبيل يعتبر سببا للمساءلة الادارية انسجاما مع مضمون الفصل 17 من قانون الوظيفة العمومية الذي ينص على أن كل موظف كيفما كانت رتبته في السلك الاداري مسؤول عن القيام بالمهام التي عهد بها إليه وكذا الفصل 13 الذي يؤكد على أنه يجب على الموظف في جميع الأحوال أن يحترم سلطة الدولة ويعمل على احترامها. الإضراب وقانون الشغل: وصفوة القول إن حق الإضراب مضمون دستوريا ولكن ليس هناك أي تعريف جازم بكون الاضراب هو الامتناع عن العمل مقابل الحصول على أجر، وانما العكس هو القائم بصريح المادة 6 من مدونة الشغل التي نصت على أنه يعد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين لقاء أجر أيا كان نوعه وطريقة أدائه. لا أجر بدون عمل: وهذا يعني أن لا أجر بدون عمل والمثير للانتباه أن المشرع اعتبر الاضراب عن العمل في القطاع الخاص سببا لتوقف عقد الشغل مؤقتا (م 32 من مدونة الشغل)، وفي هذا إشارة صريحة الى عدم أحقية الأجير في الأجر خلال مدة توقف عقد الشغل. وهذا الامر لانقاش فيه بين الفرقاء الاجتماعيين مما يدفعنا الى التساؤل عن سبب اللغط والتشنج إذا تعلق الامر بالوظيفة العمومية. فهل الأمر لا يتعلق بمال عام؟ ثم لماذا لم تتحرك الجمعيات التي تهدف الى الحفاظ على المال من أجل ابداء رأيها حول من يدافع عن قبض الرابت دون القيام بالعمل المنوط به؟