نشرت جريدة "لوموند" في عددها الأخير الحلقة الأولى من ملف ضخم حول قضية تمويل العقيد الليبي معمر القذافي للحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لعام 2007. معلومات تنشر في وقت سياسي حساس قبل أسابيع من انتخاب ممثل اليمين التقليدي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية اللمقررة في ماي 2016. ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فقد حصل القضاء الفرنسي على مدونة كان وزير البترول الليبي السابق شكري غانم يدون فيها معطيات وأرقام، ومنها تحويلات مالية لمساندة ساركوزى فى حملته الانتخابية بمبلغ 6 ملايين و500 ألف يورو. وكانت جريدة "ميديابار" الإلكترونية هي أول من فجر تمويل نظام معمر القذافي لحملة ساركوزي سنة 2007، وبدأ القضاء التحقيق وبالخصوص بعد تأكيد سيف الإسلام ابن القذافي صحة هذه التحويلات عند اندلاع الربيع العربي. وكان وزير البترول الليبي السابق قد غادر ليبيا ولجأ الى النمسا سنة 2011 عندما انشق عن القذافي، وتم العثور عليه سنة 2012 غارقا في نهر الدانوب. ويسود الاعتقاد أنه تعرض لعملية اغتيال بعدما كانت الأنباء تتحدث عن تعرضه لأزمة قلبية وسقوطه في النهر. وكان شكري غانم مسئولا عن أموال القذافي في الخارج وتولى تمويل حملات انتخابية لأحزاب أوروبية ومنها حملة ساركوزي لرئاسة فرنسا سنة 2007. ويعيش اليمين التقليدي الفرنسي موجة من المشاحنات السياسية بسبب فضائح متكررة سببها المال السياسي. فمن جاك شيراك ودومنيك دوفيلبان مرورا بإدوارد بالادور إلى الرئيس نيكولا ساركوزي، تتوالى يوما بعد يوم الاتهامات بالفساد أو بتلقي رشاوى من أموال مشبوهة تتعلق إما بعمولات على صفقات أسلحة أو بتلقي أموال من بعض المستبدين الأفارقة لنمويلل الحملات الانتخابية. وإذا كانت بعض الفضائح المالية الصغيرة التي ورد اسم ساركوزي فيها لم تلطخ حتى الآن سمعته الشخصية ولا رصيده السياسي، فإن المسألة تختلف هذه المرة حيث يواجه الرجل واحدة من أخطر الأزمات التي عرفها في تاريخه السياسي. فبروز اسمه في فضيحة كاراتشي، وفي فضيحة وزير الشغل السابق، إيريك وورث، المعطوفة على فضيحة ليليان بيتانكور وريثة "لوريال"، صاحبة ثاني ثروة في فرنسا (20 مليار دولار)، والاتهامات المباشرة الموجهة إليه كونه استفاد من هدايا وتحويلات مالية مختلفة، كل ذلك يؤكد أن فضيحة الحملة الانتخابية لعام 2007 لن تمر هكذا من دون تداعيات. وقد تعصف في حال ثبوتها قضائيا بالمستقبل السياسي لليمين الفرنسي وللرئيس ساركوزي بشكل خاص. ويجدر التذكير هنا أن جريدة "لوموند" التي هي بصدد نشر حلقات من قضية التميول الليبي لحملة ساركوزي الانتخابيةة كانت قد أدانت قيام المديرية المركزية للاستخبارات الداخلية بتتبع وتفحص المكالمات الهاتفية التي أجراها الصحفي، جيرار دافي، بشأن هذا الملف في محاولة لمعرفة مصادره، وهو ما يعد خرقا للقوانين المعمول بها والتي تحرم قطعا المساس بسرية المصادر. وكشفت "لوموند" أن مديرية الاستخبارات طلبت يوم 19 يوليوز 2014 من مؤسسة "أورانج"، تزويدها بمجموع الفاتورات الخاصة بالهاتف النقال للصحفي جيرار دافي حتى يتسنى لها معرفة أصل مكالماته ومصدرها. وبعد يومين من توصلها بكشف لكل المكالمات التي أجراها الصحفي أو توصل بها، طلبت المديرية من مؤسسة "أورانج" لائحة عن المكالمات التي أجراها دافيد سينا، المستشار التقني لوزيرة العدل السابقة، ميشيل أليو ماري، والتي أثبتت تورطه في تزويد جريدة "لوموند" بكل المعلومات المرتبطة بالفضيحة، وهو ما دفع بالجهات المسئولة إلى إعفائه من مهامه على الفور وإرغامه على مغادرة وزارة العدل. ويجدر النذكير أيضا أن هذه هي المرة الثانية منذ صدور الدستور المؤسس للجمهورية الخامسة في فرنسا في 1958 التي يوجه فيها اتهام قضائي إلى رئيس دولة سابق بعد جاك شيراك الذي حكم عليه بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ بتهمتي سوء استغلال السلطة واختلاس أموال عمومية في قضية "الوظائف الوهمية" في بلدية باريس التي تعود إلى مطلع تسعينات القرن الماضي حينما كان عمدة للعاصمة.