شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الشاعر العراقي حميد سعيد
حرصت على كتابة قصيدتي، وليس استعارة قصيدة الآخر
نشر في العلم يوم 12 - 03 - 2009

كعادته حين ينشر قلوعه محلقاً إلى المغرب، لا ينسى الشاعر العراقي الشفيف«حميد سعيد» أن يزورنا في جريدة «العلم» مستذكراً أياماً جميلة خلت مع الصحاب الأدباء والمثقفين المغاربة.
وفي غالب السفر لا تكون الزوَّادة الابداعية لهذا الشاعر، قفراً من معين يروي ظمأ الروح بماء الشعر، ويحفر مجاريه في الذاكرة الثقافية المغربية، كذلك صنع حين أورق بين ظهرانينا هذه المرة، بديوان شعر، ما كان «حميد سعيد» ليسميه (مشهد مختلف)، لو لم يكن هذا الديوان برمته، صفحة أخرى كبلاد الرافدين؛ صفحة تفصل بين الحلم الجميل والكابوس الذي يجثم ببراثنه الدموية علينا جميعا، وليس فقط العراق.
لن يجدي شيئا الإسهاب في تقديم إحدى نخلات الشعر العراقي الحديث، لأن سمقها أعلى من بلاغة أو قياس، لذا نفسح القلب لوجيب هذا الحوار الذي استرقناه خلسة بكل المجسات من الشاعر.
إنجاز: محمد بشكار

كيف يترجم الشاعر خطايا السلطة وجبروتها، خصوصا بعد أن أصبحت في العراق، كفنا من رماد؟
لا أظن أن مهمة الشاعر، تذهب الى ماذهب إليه السؤال، بشأن ترجمة خطايا السلطة وجبروتها، وإن وضعا كهذا، يرسم صورة شديدة التبسيط، فالشاعر هنا، أقرب إلى حالة، لطالما عرفناها في الواقع وشاهدناها في الأعمال الدرامية العربية، حيث يقدم رجل الأمن، البسيط في معظم الأحيان والطيب في كثير من الأحيان، على رصد أي مواطن سواه، وبخاصة حين يكون ذلك المواطن شابا ويحمل صحيفة ويقرأ في كتاب، لايستطيع رجل الأمن، حتى قراءة عنوانه.
وهكذا، يتخيل له دورا، وينسب إليه فعلا، هما أكبر من جميع قدراته، وأبعد من أقصى جغرافية مخيلته. لاشك، أن فرضية المواجهة بين الشاعر، أي شاعر، والسلطة أية سلطة، كانت حاضرة في الحياة الإجتماعية، ولاشك أيضا، أنها أنتجت نصا شعريا، من قبيل نصوص الهجاء السياسي، وإن هذه النصوص، لاقت من الترحيب، وبخاصة في الأوساط، التي يسعدها أن تقرأ، أو أن تسمع، ما تعرف، وما يكرر مقولاتها، وتنأى عما لاتعرف وما يجعلها في مواجهة أسئلة، ترهقها وتبعدها بهذا القدر أو ذاك عن ثوابتها ومحفوظاتها.
لقد ظل الشعر في الفعل الثقافي، ومنه الفعل الإبداعي، وعلى امتداد الزمن وتنوع المحيط الإجتماعي، في مقدمة هذا الفعل وفي الواجهة منه، حتى تراجع عن أن يكون في المقدمة، وتخلى عن الواجهة، لأنماط أخرى من فنون القول، وعناوين الفعل الثقافي، وأنا ممن يرون، إن الشعر مازال يتوفر على إمكانيات الفعل الثقافي، وإن ما وصفته بالتراجع أو التخلي عن الواجهة، لم تحرره من تلك الإمكانيات، وإنه مازال يصور عن وعي عميق ومركب وذي طبقات، ومازال كذلك ينتج وعيا، قد يكون يحسب على السياسي مرحليا، وقد يكون قريبا منه، بل لطالما كان قريبا منه، غير أنه، لايتطابق مع أدوات الفعل السياسي، ولايستعيد لغته،. ولايحاصر نفسه في حدوده.
حتى، في حالة، تقارب الأهداف، بين السياسي والإبداعي، بل حتى في حالة وحدة هذه الأهداف، وما أشير إليه من تقارب الأهداف أو وحدتها، بين السياسي والإبداعي، وهو ما شهده التاريخ الإنساني في أكثر من مرحلة و أكثر من مكان وتجربة، فإن هذا التقارب بين الأهداف أو وحدتها، لن يطول أحيانا، وسيؤول الى اختلاف وتباعد، بل قد يؤول الى حالة من حالات الصراع، غير أن مثل هذا الصراع، ليس قدرا، وما كان على مستوى واحد، وبالأدوات والوسائل ذاتها، وليس خيارا لابد منه.
إن البعض، يذهب به الظن، أويذهب به الوهم، الى أن العلاقة بين الإبداع والسلطة، لابد أن تستعيد تقاليد (داحس والغبراء)، واللجوء الى خبرة التنابز وثوابت الهجاء، وإن النص الشعري المسلح بكل ما أشرت إليه، هو المطلوب في المواجهة مع الآخر، موقفا سياسيا أوتيارا فكريا أوسلطة، أما أنا فقد اخترت الإبتعاد عن هذا الظن، ورأيت ومازلت أرى، أن جمالية الإبداع، هي الإضافة التي يقدمها الإبداع، في مشروع التغيير.
ولكي، أقترب من جوهر السؤال، في الإشارة الى كفن الرماد، الذي آل إليه العراق، في ظل الإحتلال والتدخلات الأجنبية، الدولية والإقليمية، وصعود سلطة، تعتمد وسائل، مخلة بالوعي الحضاري الإنساني، وإن مواجهتها، واجب وطني وإنساني وحضاري، فإنه ليس من مواجهة جديدة بهذا الوصف والمعنى، إلا بوسائل تكريس الوعي، وجعل منه فعلا من أفعال التغيير، بل من أفعال التحرير.
> في ديوانك الأخير «مشهد مختلف» قصيدة بليغة موسومة ب (رسالة اعتذار الى أبي جعفر المنصور ) وتحيل إلى الخليفة العباسي الذي بنى بغداد وجعلها عاصمة لملكه، وقد هدم الغزاة الأمريكيون تمثال الخليفة، هنا يتدخل الإيحاء بشططه التخييلي ليذكرنا من خلال القصيدة بسقوط تمثال صدام حسين، فأي زمن تعني ب (زمن الحلم الجميل)؛ هل زمن المنصور أم زمن صدام؟
لن اعترض على الإيحاء التخييلي، وليذهب إلى أي مدى، وإلى أي تشخيص، مادام هذا الإيحاء، لم يبتعد عن جوهر الحالة التي تمثلها قصيدة «رسالة اعتذار إلى أبي جعفر المنصور» ومادامت روح بغداد ودورها القومي، وإنجازها الحضاري، كان هو الهدف في الحالين.
ومن المعروف، أن ليس من قصيدة حقيقية، تظل محاصرة بأحادية عنوانها مثلا، أو حتى أحادية ظاهرها، وبالتالي أحادية القراءة، وإن قصيدة من هذا القبيل ولاتكتمل ولاتحقق الهدف الذي كتبت من أجله، إلا بتعدد القراءات.
ومن الناحية الموضوعية، التي لامناص من الإعتراف بها، فإن الذين هدموا، تمثال صدام حسين، هم أنفسهم الذين هدموا تمثال أبي جعفر المنصور، وإن النيات الفاعلة في عمليتي الهدم المذكورتين، ولا أقول الأهداف، كانت واحدة هي الأخرى. وهكذا تصبح القراءة التي يشير إليها السؤال، متوقعة وواقعية في آن واحد.
لكن، لكي أتوفر على الأمانة التاريخية في الإجابة على السؤال، لابد من القول، إن هدم تمثال أبي جعفر المنصور، عبر عن ثقافة منحرفة وتدميرية، وهي أخطر من توجهات وردود أفعال الغوغاء السياسي، التي تظهر في منعطفات تاريخي، وسرعان ما تخبو وتتراجع ويتوازن القائمون بها.
وأقول بكل يقين، وأنا الذي نشأت في محيط قومي عربي، تربويا وسياسيا وفكريا، لقد أحسست بالخطر التخريبي، للعواطف الطائفية، كما لم أحس بها من قبل، حين تابعت عملية تهديم تمثال أبي جعفر المنصور، ومارافق هذه العملية المخزية، من تبريرات، استحضرت من مكامن الخراب في التوجه الطائفي، ومازلت، أشعر بالغضب والخجل، حين تخطر في ذهني، ويزعجني، حتى استذكارها، وليس ذكرها، لأنه، لا تسيء إلى الذين رددوها علنا أيامذاك، ومازالوا يرددونها في السر حتى الآن.. بل تسيء الى الثقافة العربية الإسلامية التي لم تفلح في إطفاء جذوة الحقد، رغم القرون،
لقد أدركت لحظة، معرفتي بما حدث لتمثال المنصور، الذي كان يطل مهيبا، غير بعيد عن بغداد المدورة، التي أنشأها لتكون عاصمة الدنيا، لما يقرب من سبعة قرون من الزمن، فكانت رحما طيبا للمعرفة والعلم والفن.. وحاضنة للتعدد الثقافي والإنفتاح الحضاري.
أقول، لقد أدركت، في تلك اللحظة، إن الهدف منها، لم يكن نصبا من حجر وبرونز، ولم يكن شخص الخليفة المؤسس حسب، بل كان الهدف، هو الزمن الجميل، بكل معانيه، وبجميع مفرداته، ليس في الماضي والحاضر فحسب، بل في المستقبل أيضا.
وإنها لمفارقة، أن يكون الصوت العالمي، في احتلال العراق وغزوه وتغيير نظامه الوطني، يجعل من الديمقراطية، هدفا ومبررا، وبخاصة بعد أن ثبت أن ما سبق أن قيل عن مبررات أخرى، للاحتلال والغزو، كانت مجرد أكاذيب مصححة، حاضنتها الإنحراف وليس الوهم.
إن المفرقة التي نحن بصددها، أن الصوت العالمي، الذي كان يتحدث عن الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، اعتمد مجموعات، لاتعرف سوى صوت قاموس واحد ورأي واحد، ولم نشهد من وسائل للدفاع عن القاموس الواحد والرأي الواحد غير وسيلة القتل والإغتصاب والتهجير.
إن بغداد المنصور، بغداد بيت الحكمة، ومركز الترجمة وعاصمة الإنفتاح الفكري والإجتماعي، بغداد الفلسفة والحكمة والتصوف، بغداد الموسيقى والغناء والشعر والرسم وقبل كل ذلك وبعده، بغداد الحوار، بين الأقطار، ذلك الحوار العميق الذي أنتج أسئلة عظيمة، حتى وهو في مرحلة إنتاج الإجابات الأساسية، كل هذا، كان هدفا، حين دمر تمثال المنصور، من قبل مجموعات غير مرئية، وغير واضحة الملامح، لاعلى الصعيد الإنساني ولا على الصعيد الفكري، بل إنها غير واضحة القول، حتى على صعيد القول، حيث اختزلت الكلام في عدد ضئيل جدا من الشعارات المرتبكة ، لا أبالغ حين أقول، إن من العسير تبينها، فكيف يمكن أن يكون تبنيها.
إن المنصور، مؤسس بغداد، يتحمل في وهم هذه القوى غير المرئية، والتي لايدرك منها إلا وسائل القتل، الذي بات هو الآخر، يمثل حضور أحادية وسائل القمع، كل (أوزار) ماحققته بغداد، من انفتاح وتعدد وإنجاز حضاري، حتى كأن إطلالته الرمزية، في الحي البغدادي الذي سمي باسمه، وفي الكرخ الذي أحب واختاره مكانا للمدينة المدورة، مدينة السلام، تصيب قوى الظلام، بالخوف على الظلام، فسارعت إلى إزالة النصب الجميل، وهي تظن إنها بفعلتها هذه تزيل كل ما تبقى من الزمن الجميل.
غير أن مقترفي هذا الفعل، أقدموا عليه وقاموا به، بحماية قوات الاحتلال وحضورها.
> أستخلص هذا السؤال من نبذة عنك وردت في موسوعة (ديوان الشعر العربي في القرن العشرين) للأستاذ راضي صدوق؛ فهل الشعر مازال يحقق فعله في الثقافة، وهل مازال قادرا على إثارة الأسلئة..؟
نعم... ليس من قصيدة حقيقية، إلا وكانت مثيرة للأسئلة، أو اقترنت بسؤال أو بعدد من الأسئلة.
ولا أظن، أننا سنختلف كثيرا، حين نشير إلى أن المتغيرات في تاريخ القصيد في معظم الثقافات الانسانية قديما وحديثا، أنتجت أسئلة، وكانت هي الأخرى،. أقصد المتغيرات، من فعل أسئلة، وإن السؤال كان بعض نسيجها.
إننا حين نتحدث عن فعل الشعر في الثقافة، لانقصد بالتأكيد إن هذا الفعل من قبيل القرارات المؤسساتية أو من قبيل التغيير بفعل القوة، وإذا تحدثت باستمرار عن مثل هذا الفعل ، فقد كنت أصدر في ما أقول، عن إدراك أن الشعر الحقيقي، نتاج وعي، يتداخل فيه الخاص والعام، وعي المبدع وحركة الوعي الثقافي بصيغته الاجتماعية، ولأن الوعي العام في حالة دائمة من التفاعل ، بتأثير عدم تطابق وعي الأفراد وكذلك الجماعات في المحيط الاجتماعي، وهذا ما يؤسس حاضنة التأثير فبغير هذا التباين، لايكون التغيير، وإذا حققت المتغيرات الفنية بعض توجهاتها وهي في الاساس بشارة المتغيرات الكبرى، ولذلك فهي أي فبغير هذا التباين، لايكون التغيير، وإذ حققت المتغيرات الفنية بعض توجهاتها، وهي في الأساس بشار المتغيرات الكبرى، ولذلك فهي أي المتغيرات الفنية، تسبق المتغيرات الكبرى أوترافقها، ولاتأتي بعدها، لأن المتغيرات الكبرى تؤول الى نوع من الثبات، بعد حين، وتكتفي بما وصلت إليه من إجابات، فتدافع عنها، وتحاول فرضها، على أنها الحقيقة الوحيدة، وإن سواها تجاوزات، سواء في الفكر أو الفعل.
غير أن متغير الإبداع، في كل حقول الإبداع، لن يتوقف، ويظل يمثل حالة حراك جميل، يعترض ويشاكس ويختلف ويشاغب، وفي جميع الحالات، يمثل فعل إضافة ، حتى في ما يواجه به حد الرفض، بل سأسمح لنفسي بالقول، وبخاصة حين يواجه بالرفض، إنه لو عدنا الى جغرافية المتغير الفني عبر تاريخها، في الثقافة الانسانية أو الثقافة العربية، سنجد أن التجارب التي، ووجهت برفض أقوى وأشد ضراوة، هي التي تكرست في مابعد، وهي التي ظلت أقوى حضورا وأعمق تأثيرا، لأن الرفض مهما كانت دوافعه فإنه لابد أن يثير أسئلة ترافقها محاولات إجابات، وفيهما ينضج الوعي.
في ثقافتنا الشعرية العربية مثلا، تواصل الحوار ومازال، عما كان مختلفا، ولم يحظ غير المختلف إلا بقبول بارد أو رفض بارد، وهذا المختلف من امرئ القيس الى أبي نواس وأبي تمام وبشار بن برد حتى آخر نص شعري اطلعنا عليه.
واسمح لي هنا، أن أتوقف عند خاطرة، خطرت لي بفعل سؤالك هذا، قد أكون مصيبا فيها، وهي إن السؤال، يلمح إلى تراجع دور الشعر، في الفعل الثقافي ومن ثم في الفعل الاجتماعي.
أما أنا، فأدرك الفرق، بين التراجع والمتغير، ولابد لي من الاعتراف، بأن الشعر، نصا وحضورا قد ناله التغيير، إذ ضم المحيط المتلقي وعبر بدون ضوابط المركز المنتج، وتراجعت المعيارية على أهميتها لصالح النيات، وتراجعت الخصوصية الفردية، لصالح المتشابه، في النص أولا، وفي مصادره المعرفية ومكوناته الثقافية.
ولا أتجاوز على الحقيقة، حين أكرر ما سبق لي أن ذكرته في مناسبات سابقة، إن إستهلاك وعي سهل وإنتاج نص معقد، من سمات التراجع.
أما من سمات التغيير ، فإن الشعر، في حيرة متغيراته، صار يهاجر الى مظاهر ثقافية أخرى، ويظهر في فنون الكتابة الأخرى، في الرواية والقصة القصيرة حينا، وفي النص المفتوح أحيانا.
ويظهر بكل عنفوانه ، في النصوص الدرامية، على تعدد مجالاتها.
وبكل ما تقدم، أقول بدون تردد ودون خشية من المبالغة، نعم إن الشعر مازال يحقق فعله في الثقافة، ومازال قادرا على إثارة الأسئلة .
> ما الذي يعني لك التطور في كتابة القصيدة، خصوصا أن الكثير من النقاد يلاحظون أنك مقل في الكتابة..؟
سأقول بداية..
إنني لست مسرفا في الكتابة الشعرية، لكنني لست مقلا، فمنذ أن بدأت في الستينيات من القرن الماضي، أكتب القصيدة الجديدة، كما فعل أبناء جيلي، وأنا أواصل مشروعي الشعري، بدون توقف أو تكرار، وإن التوقفات التي شهدها عملي الشعري، بين مرحلة وأخرى، وبين تحول وآخر ، والتي كانت تظهر بين مجموعة شعرية وما يأتي بعدها، فإنها ما كانت توقفات عزوف أو تعب أو يأس، بقدر ماكانت توقفات تأمل ومراجعة وبحث على جديد، يقيني من حالة التكرار وتقليد النص الذي كتبت من قبل.
إذ لفت نظري في وقت مبكر، من علاقتي بالشعر، قارئا ومن ثم شاعرا، أن غير واحد من الشعراء لايتجاوزون قصيدتهم الأولى، أو القصيدة التي تدخلهم بجدارة ما، مملكة القصيدة، فيواصلون تكرارها وبخاصة على صعيد اللغة، أبنية ومفردات، بغير انتباه إلى ماهم فيه، من تكرار، في مجال لايصح معه التكرار.
من هنا، كنت أحاول، أن لا أكرر القصيدة التي كتبت، ولا أفرط بما حققت فيها من جديد، وما منحتها من اضافة.
وبهذا، فإن النزعة التجريبية، التي كانت، من أبرز سمات الوسط الثقافي، الذي نشأت فيه والتي كنت من بين الشعراء من مجايلي ، الأكثر حرصا على أن لا أغادرها، لم تتحول في ماكتبت من شعر إلى لعب سطحي ، وحركة محض استعراضية.
بل، عملت بجد ووعي أن تكون مقررات التجريب، هي التي تؤسس خصوصيتي وتمهد الأرض التي أقيم عليها، هذه الخصوصية، التي لاتجعل من قصيدتي نسخة ثانية،تستعيرمقومات حضورها من الآخر، ولاتنفصل عن محيطها الثقافي والاجتماعي إلى حد ان تكون نفيلة.
وسأقول، بلا ادعاء ، انني وقد حرصت على كتابة قصيدتي ، وليس استعارة قصيدة الآخر، كما حرصت على إضافة ما أقدر على إضافته الى المحيط الشعري، الذي انتسب إليه زمانا ومكانا وثقافة، إنني حققت ماكنت أحرص عليه.
منذ محاولاتي الجادة الأولى، التي لم يكن من العسير اكتشاف تماسها ، مع ما سبقها، من كتابات شعرية جديدة، لكن عملت بوعي، لتمثل تلك الكتابات دون الوقوع في سحر تقليدها.
وهو تكريس، ملامح شخصية شعرية، لا أتردد في القول، إنني فعلت ذلك.
لقد لفت نظري، منذ بدايات قراءاتي الشعرية، أن النتاج الشعري الحقيقي، بما فيه من خصوصية وإضافات، يقترن بمرحلة الشباب، أقصد الشعراء في شبابهم، وكلما تعتقت التجربة الشعرية، صار النص بمنأى عن التجريب وألصق بالتقليد، حيث تتحول الموهبة الى مهارة وجموح المعنى إلى ثبات الحكمة، ولهذا سأعترف، بأنني كثير الحرص، على تتبع ما يكتبه الشعراء الجدد، وبخاصة في محاولاتهم الأولى، وهذا ما يجعلني أسعد بوهج التوثب الشاب، وأحتمي به من جليد الركون إلى عادات الكتابة.
وإذ، بذلت جهدا حقيقيا، في تمثل تجارب من سبقني ونأيت بنفسي عن القطيعة معها، مازلت أواصل الإقتراب من التجارب الشابة وأحاول إكتشاف مواقع التواصل التي حققتها، ومواقع التواصل معها
> أي تاريخ يمكن للشاعر تسجيله من خلال النص الشعري..؟
ما كان الشاعرُ، ولن يكون، مؤرخاً، لكنّه هو أولاً ، ونصه الذي يكتب ثانيا، ليس بمعزل عن التاريخ.
إن القصائد العظيمة في التاريخ الإنساني، ومنذ طفولة الحياة، بما في ذلك النصوص التي شكلت المادة الأساسية للملاحم والأساطير، ما كانت بدون موضوع، وإن أيّ موضوع، يتحقق في ما حدث أو يحدث، وفي أبطال الحدث، في الواقع والمتخيل، لابد أن يكون من مكونات التاريخ، وهذا ما حدث في عصور فجر الحضارات.
إننا، حين نقرأ بعمق، مكونات التاريخ الرافديني القديم مثلا، لا نستطيع أن نتجاوز نصوص الملاحم أو قصائد المعابد أو أغاني الملاحين وأناشيد البنائين، وهي جميعا، تنتسب إلى الشعر، وكتبها أو قالها شعراء، معروفون حينا ومجهولون في معظم الأحيان.
ومازلنا، حتى يومنا الراهن، وفي كل ما نقرأ، من شعر عربي أو أجنبي، يستأثر بنا الموضوع، ونبحث في ما نقرأ عن الموقف ويحفر النقاد والباحثون والمنظرون في مكونات النص ومصادره، وهكذا، يصبح النص الشعري إضاءة تاريخية.
إن المتغير الجمالي، لابد أن يقترن بعصره، وانه ليس في حالة انفصال عن المتغير الإجتماعي، وقد أشرت إلى ذلك من قبل، وهذه المتغيرات الجمالية في ارتباطها بعصرها ومتغيراته، لابد أن تمثل شهادة تاريخية حتى وإن لم تدخل مدخل الوثيقة التاريخية، وتعلمنا من الكثير من المناهج الأكاديمية في قراءة التاريخ أو قراءة شعر مرحلة ما، إنهما معاً، التاريخ ، والشعر في مرحلة ما، يتبادلان التأثير، كما يتبادلان معرفة ما كان أو اضاءة ماحدث إن أعظم التجارب الشعرية في عصرنا، وفي غير عصرنا أيضا، تضعنا بمواجهة ما حدث في تاريخ كتابتها، بدءا بموضوعها ومروراً برؤية الشاعر في تناول موضوعه، وموقفه منه.
وحين يقرأ الشعر الفلسطيني المعاصر مثلا، بعد حين، هل، ستكون تلك القراءة، بعيدة عن معرفة الكثير من تفاصيل الأودية الفلسطينية.
وحين، تقرأ قصائد بابلونيرورا، اليوم أوغدا، هل سنكون بمعزل عما كان في بلاده وفي أمريكا اللاتينية واسبانيا، بل والعالم، وهكذا هي نصوص مايكوفسكي وما حدث في روسيا،، ويمكن أن نأتي بمئات الأمثلة، لتأكيد دور الشعر، في تحقيق اضاءات تاريخية، دون أن يفقد خصوصيته، فيتحول إلى وثيقة تاريخية أو ما يشبهها.
> راك من خلال زياراتك المتكررة لبلدنا استطعت أن تلتقي بالمغرب شعريا؟
قبل أن أجيب، على هذا السؤال، ينبغي أن أعلق عليه، وأنبه إلى ما فيه من معلومة، تكاد تظلمني، وتظلم حقيقة علاقتي بالمغرب ومثقفيه، وبالثقافة فيه.
ذلك، إن هذه العلاقة المميزة والإستثنائية، لم تكن نتيجة زيارات تعددت وتواصلت على امتداد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، بل إنّ هذه الزيارات، هي بفعل العلاقة التي تحدّثت عنها ووصفتها.
وهي علاقة، عمّق فيها ماهو شخصي وعائلي، العلاقة الثقافية، كما لعبت العلاقة الثقافية دوراً في تواصل علاقاتي الشخصية، بعدد كبير من المثقفين المغاربة من أدباء وفنانين وإعلاميين ومن أجيال متتالية، أي أن علاقاتي شخصية كانت أم ثقافية لم تقتصر على أبناء جيلي، وانما امتدت لتشمل كثيرين من أجيال جديدة حتى إنها، صارت موضوعاً، يكتب عنه ويعلّق عليه، حتى إن أحد الصحفيين العرب، كتب عن علاقة الصداقة التي ربطتني، بالمبدع المغربي الكبير أحمد المديني ووصفها، بأنها من بين أبرز علاقات الصداقة، بين الأدباء العرب في هذا الزمن.
صحيح، أنني أقمت في المغرب، لمدة عامين، في أواسط السبعينيات، لكن علاقتي بالثقافة في المغرب وبعدد من مثقفيه سبقت هذه الإقامة، وقبلها أيضا كان كذلك، ما سماه السؤال، اللقاء بالمغرب شعرياً، إذ التقيت بالبعض منهم في مؤتمرات أدبية ومهرجانات شعرية، والتقيت بالبعض الآخر في منابر أدبية، مثلتها دوريات عربية، وعلى سبيل المثال كنت أعرف أحمد المجاطي ومحمد السرغيني، شعرياً، وأعرف عبد الكريم غلاب روائيا.
وكان بعض الأدباء المغاربة، قد تعرفوا على ماكنت أنشره في مجلة الآداب وما صدر لي من مجموعات شعرية عن دار الآداب البيروتية وغيرها، بل لقد أجرى معي أحد محرري ملحق صحيفة العلم حوارا موسعاً، حيث التقينا في أحد مقاهي مدينة مدريد، ونشر في الملحق.
ولذا حين وصلت في صيف العام 1975، إلى الرباط، وجدتني محاطاً بود أدباء المغرب ومبدعيه وكتابه، أسهر معهم وأشارك في نشاطاتهم، وأحضر منتدياتهم، حيث تقام، في المدن المغربية.
وشهدت، بواكير إصدارات الجيل السبعيني، من شعراء وقصاصين، ودخلت في حوارات جادة صدرت عن موقف موضوعي، بعيد عن المجاملة أو الإنفعال، وتواصلت هذه الحوارات إلى أجيال أخرى.
وحين عدت إلى بغداد، وعملت في أكثر من موقع ثقافي وإعلامي، بما فيها عملي في اتحاد الأدباء في العراق، والإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، كان ذلك، من عوامل تمتين علاقتي بالثقافة والمثقفين في المغرب وإدامتها وتوسيعها. وفي كتاباتي، لطالما بشّرت بالثقافة المغربية، وتحدّثت عن رموزها والفاعلين في مجالاتها.
ورغم، علاقتي الإجتماعية، بالكثيرين من رموز الإبداع، فإن هذه العلاقة لم تتوقف عند حدود ماهو شخصي واجتماعي، بل كان الشخصي والاجتماعي، سبيلاً إلى ما هو ثقافي.
ومنذ إقامتي في العاصمة الأردنية (عمان)، بعد احتلال وطني، فإن معظم المثقفين المغاربة الذين يحطون رحالهم فيها، يسألون عني فنلتقي ونتحدث، ونواصل ما كان بيننا من حوار.
كما، واصلت ، الكتابة عن مبدعي المغرب، من شعراء ورسامين وقصاصين وروائيين..
أما علي الصعيد الشخصي، فمازلت أحلم، بأن تتاح لي فرصة الإقامة في هذا البلد الحبيب، لأتفرغ للكتابة ومواصلة مشروعي الإبداعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.