ذ.محمد السوسي في أعياد الميلاد النبوي عادة يتبارى الشعراء ويتنافسون في نظم أجمل القصائد وأبلغها في تمجيد الرسول المصطفى، والتغني بالشمائل والفضائل التي أنعم الله عليه بها وخصه بها دون غيره، وهكذا جاءت القصائد قديما وحديثا تحمل إلى الناس زادا روحيا هائلا كما تفسح أمامهم آفاقا نورانية رحبة فتصفو أرواحهم وتصقل متطهرة من المشاغل والأدران وتصير لوحة صافية بيضاء حيث ينالها قبس من تلك الأخلاق وتشرئب بأعناقها إلى تلك الخصائص التي تكون في غير هذه المناسبة مما يستأثر به ذوو العلم والاختصاص، ولكن الشعراء والأدباء في هذه المناسبة بما يملكون من مواهب ومن صفاء الذهن وهم يستلهمون مولد خير البرية ينقلون الناس نقلة خاصة وهائلة ليسبحوا معهم في ملكوت الفيوضات الربانية والكمالات النبوية،حتى يكادوا يشاركون أرباب الأحوال والمقامات في هيامهم وأحوالهم أمام مايرونه الحقيقة المحمدية. كانت هذه المناسبة ولاتزال مصدر اثرا لإغناء الأدب العربي وان شئت الدقة قلت الآداب الإسلامية، حيث نجد الأدباء في اللغات الإسلامية غير العربية قد أبدعوا وانشأوا في هذا المجال شعرا ونثرا ما يشجي ويطرب ويبعث على السمو والصفاء، وقد أتاحت الترجمة في العقود الأخيرة من اللغة الأردية والفارسية والتركية من الإنتاج الأدبي والفكري قصائد وفصولا بل ودواوين كاملة تدل على ما لمس أفئدة أولائك الأدباء وحرك لواعج أشواقهم إلى ذلك النبع الصافي من الإيمان والفضائل والأخلاق، بل ان ذلك التراث إذا وجد من المترجم ما يوازي موهبة المبدع الأصلي يحس معه الإنسان بنشوة روحية وعاطفية مشبوبة نحو ذلك الإنسان الكامل نحو محمد صلى الله عليه وسلم. لست في هذه الخاطرة بصدد التأريخ للمولديات ولا لأدب المدح النبوي فهذا موضوع تناوله النقاد ومؤرخو الأدب ويمكن الرجوع إلى ما كتبوا في هذا الفن من فنون القول في الأدب العربي نثره وشعره. ولكنني أريد أن أشير الى خاصية من خصائص هذا الفن، وهو ما كان الأدباء شعرا ونثرا ينهون به إنتاجهم من المناجاة للرسول عليه الصلاة والسلام وما كانوا يرجونه من خلال الحالة النفسية التي يكونون عليها، فهم في تلك اللحظة يرون أنفسهم في حضرة الرسول، وهم بذلك يستحضرون مقام قاب قوسين أو أدنى، ويرون جلال الله سبحانه وهو يوحي (إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى لقد رأى) (بل لقد رأى من آيات ربه الكبرى) وكيف لا يشعر الإنسان أي إنسان وأحرى الشاعر صاحب الإحساس المرهف بالرهبة والحاجة الى التعبيرعن مكنون النفس ولواعج الرغبة في الوصول الى مغالبة النفس والنوازع التي تستأثر بالإنسان مع مشاغل الحياة وهمومها، إنها حالة خاصة نجد أثرها وصداها في هذه المناجاة أمام رب العزة وفي طرح قضايا الأمة وهمومها أثناء مناجاة الرسول الذي كان يقول في سجوده كما ورد أمتي أمتي فهو لا يسأل لأحد من عائلته ولا حتى أقرب الناس إليه ولكنه يسأل لأمته أن تكون في مأمن مما أصاب الأمم قبلها ذلك ما كان يدفع الشعراء للحديث عن أمور الجهاد والإنتصارات والإنكسارات التي تعرفها الأمة الإسلامية عند قدوم هذا العيد أو غيره من المناسبات الدينية. ولاشك أن هموم الأمة الإسلامية في هذا العصر وفي هذه الأيام بالذات هموم كثيرة ومتعددة فخصوم الأمة الإسلامية يشنون عليها الحرب من جميع الجبهات، ويحاولون بالوسائل المتعددة ووسائلهم الكثيرة لبث الشقاق بين الأمة، ويحاولون إشعال نار الفتنة في كل بلد على حدة للامعان في التجزئة والتشرذم في أمة الوحدة والتضامن، ولعل أهم ما يجب أن يسعى المسلمون إليه وهم يحيون ذكرى ميلاد الرسول عليه الصلاة و السلام هو السعي لتوحيد صف الأمة الإسلامية، والعودة إلى المنبع الصافي في عقيدتها وشريعتها وكتاب ربها وسنة رسوله ومسؤولية علماء الأمة الإسلامية في هذا الباب أعظم من مسؤولية غيرهم.