لم يكد مداد مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير يجف حتى انبرى المحللون السياسيون يتناولون ما قد يترتب عليها من تداعيات على كافة الأصعدة، وتبارت الصحف العالمية خاصة البريطانية منها في تغطية الحدث بالتعليق والصورة والتحليل. تأييد تام للجنائية ولعل موقف صحيفة «ذي تايمز» البريطانية من القرار اتسم بالوضوح الشديد, إذ أعلنت تأييدها التام لطلب أوكامبو, محذرة في الوقت نفسه المحكمة الدولية من مغبة الدخول في مساومات بشأن الموضوع. وآثرت الصحيفة التركيز في افتتاحيتها على التعليق الذي أدلى به البشير أمام حشد جماهيري على المذكرة , وقال فيه إن على المسؤولين عن إصدارها أن "يبلّوه ويشربوا مويته". وذكرت في هذا الصدد أنه ليس في مقدور المحكمة في الوقت الراهن أن تفعل خلاف ذلك. فالبشير ذكما تقول- يظل مهيمنا على مقاليد السياسة السودانية بدون منازع إلى حد كبير, ذلك أن الجيش يقف بحزم في صفه, والصين التي تشتري 40% من صادرات النفط السوداني بالكاد تخلت عن دعمه, وروسيا شجبت على الفور مذكرة المحكمة واصفة إياها بأنها تمثل "سابقة خطيرة". وأضافت أن المحكمة لن تستطيع من الناحية العملية تعقب البشير إلا إذا سافر إلى دولة صادقت على قانون تأسيس المحكمة، وسلّم نفسه هناك, وهو ما لا يتعين عليه القيام به على حد تعبير الصحيفة التي وصفت المذكرة بأنها "ضرورية وبالغة الأهمية". النفخ في الهواء ومع أن الصحفي سايمون تيسدول وصف في صحيفة« ذي غارديان» إصدار المذكرة بالقرار التاريخي, فإنه أقر بأنه ينطوي على مضامين خطيرة بالنسبة للزعماء السياسيين ممن هم ما زالوا في سدة الحكم أو تقاعدوا مؤخرا. وأشار في مقال بعنوان "ماذا أمام البشير الآن؟" إلى أنه من غير المرجح أن يكون لقرار المحكمة أي تأثير فوري في إحالة البشير إلى قفص الاتهام أمام المحكمة الدولية في لاهاي أو تحسين ظروف 2.7 مليون نازح من دارفور يعيشون في محنة. وقال إن الطلب، الذي تقدمت به المحكمة لأعضائها من الدول ال108 المنضوية تحتها، بالتعاون الكامل في ضمان اعتقال البشير، قد ينتهي بأن يجد قضاة المحكمة ومدعيها العام أوكامبو أنفسهم "كمن ينفخ في الهواء". وأضاف أن "الإيعاز بأن البشير يمكن ملاحقته عبر مجلس الأمن الدولي الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية, يبدو هو الآخر أنه لا يصيب الهدف". ونقل تيسدول في ختام مقاله تأكيد المتحدث الرسمي باسم الرئيس السوداني أن البشير سيحضر القمة العربية في الدوحة الشهر الجاري حسبما هو مخطط. وخلص إلى القول إنه بالنظر إلى التصريحات المعسولة التي أدلت بها الحكومات الغربية أمس وإلى الهواجس العريضة بشأن زعزعة استقرار السودان, فإن حسابات البشير الراهنة تبدو صحيحة.