محمد العربي المساري هذا القرار يثير التفكير في شيئين. الأول هو طبيعته. فإن الهيئة العليا جعلت لكي تطبق ما سميناه في تصريح حكومة التناوب بالسهر على تحرير القطاع "مع التحكم في مساره". ولهذا فإن الدور الأساسي للهيئة هو ضبط القطاع وصولا إلى التحكم في المسار . الشيء الثاني هو أن تأجيل الترخيص للقناتين التلفزيونيتين المقترحتين قد يعطي انطباعا خاطئأ بأن هناك عودة إلى الاحتكار في ظل مؤسسات جعلت لتكريس التعددية ولجعل الشفافية هي القاعدة. إن المنطلق في هذا المسلسل كان هو إلغاء إحتكار الدولة. لابد من انتظار الاطلاع على النص الكامل لنتعرف على الحجج التي استندت إليها الهيئة العليا لتبرير قرارها. ولكن من الآن يمكننا أن نلاحظ أمرين: الأول هو أنه كان متوقعا أن يكون السمعي ذا قابلية على الانتشار أكثر من المرئي، وخاصة لنظرا للتكلفة. وكان منتظرا أن تكون هناك مبادرات محدودة في التلفزيون. المثير للانتباه هو أن القرار يوضح أنه مهتم بعدم الإخلال بالتوازن، على خلفية ضمان عدم مزاحمة القطب العمومي. أي أن القطب العمومي يحظى بحماية خاصة تشبه الاحتكار. ولربما كان الاهتمام موجها إلى حماية ميدي سات واحد. وهذا أمر له اعتبار خاص. وهنا يجب أن نذكر بأن القانون يعتبر أن القطب العمومي فاعلا مثل غيره يسري عليه ما يسري على غيره، من حيث الخضوع إلى قاعدة المنافسة. ولكن كما لم أكف عن التنبيه إليه طيلة عامي 2002 و2003 كان لابد من تسليح القطب العمومي بإمكانيات مالية كبيرة لكي يكون في وضع يمكنه من أن يقدم أفضل الخدمات، وأن يكون قاطرة للسمعي البصري كله. إذ لابد أن تكون الخدمة التي يقدمها المرفق العمومي في مستوى مرتفع لكي يفرض عدم النزول بالذوق العام ولكي يكون المرفق العمومي أفضل من غيره. و ليس هذا مع الأسف هو الحال الآن. لقد ارتفعت ميزانية الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون ولكن التهمها الأورغانيغرام الذي يحتوي على العشرات من المديريات. لم يتم الاستثمار في البرامج بل ذهبت الميزانية إلى الأجور. ورافق ذلك نزول بالمستوى ما فتئ يثير مر الشكوى. ولابد من مراجعة سريعة وقوية للوضع. لابد من التفكير في الحكامة الإعلامية، لكي يتصالح القطب العمومي مع الجمهور وأن يخرج من المستوى الذي نزل إليه. والهيئة العليا مخولة، بحكم أنها تقدم مشورة واقتراحات إلى جلالة الملك وإلي الحكومة والبرلمان، وهذا بمقتضى القانون المحدث لها، أقول إنها مخولة بأن تقترح ما يجب أن يحقق الخروج من الحالة الراهنة وأن يوقف التدهور. وقد طالبت جريدة وطنية بمناظرة خاصة بالتلفزيون على غرار مناظرة الرياضة، وهذا أصبح مستعجلا. لابد من حكامة إعلامية.