بعد عشرين عاما من انتهاء الحرب الباردة, ما يزال شبح الفناء الذاتي، الذي قد يتجلى حقيقة في غضون ثلاثين دقيقة، يخيم على البشرية. فالثمن، الذي يدفعه البشر نظير امتلاك أسلحة نووية ، لا يعدو أن يكون من قبيل المقامرة بأن من غير الوارد حدوث ما ليس في الحسبان. هكذا خلص مقال حول الخطر النووي نشرته مجلة «تايم » الأميركية ; في عددها الأخير، قبل أن يختمه كاتبه بسؤال منطقي: هل يستحق ذلك كل هذا الثمن؟ ويأتي مقال الصحفي إيبن هاريل ، على خلفية حادثة تصادم غواصتين نوويتين، إحداهما بريطانية وأخرى فرنسية , تحملان رؤوسا نووية بأعماق المحيط الأطلسي، قبل ثلاثة أسابيع تقريبا. ولعل خطورة ما كانت تحملانه من صواريخ، تكمن في أن الواحد منها ما إن ينطلق بالأجواء في شبه مدار متجها صوب هدفه ، حتى ينشطر رأسه لعدة رؤوس نووية محشوة بقنابل تفوق في قوتها القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما 24 مرة. وهناك مئات من شاكلة تلك الصواريخ طويلة المدى منصوبة على الأرض، وجاهزة للانطلاق في أية لحظة. ولا تملك هذا النوع من الصواريخ سوى الدول الكبرى المنضوية في النادي النووي, وهي الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا. ويرى المدافعون عن استمرار وجود هذه الترسانة الجبارة، أن الاستقرار، ا لذي توفره مثل هذه الروادع ، يتجاوز في قيمته حجم ما تشكله من خطر, وأن انطلاق كل هذه الصواريخ أو أحدها )عمدا أو بغير عمد( يظل احتمالا غير وارد تماما. وقد نسب إلى وزير الدفاع الفرنسي، إيرفي موران، وصفه للتصادم بأنه "حادث لا يصدق. وقدّر بعض المعلقين احتمال أن تتقاطع غواصتان في هذا الخضم الهائل من الماء بواحد في 85 مليونا. ومع ذلك، فإن الكاتب لا يستبعد وقوعه ولا يرى ذلك مستحيلا. وجاءت حادثة التصادم هذه لتثبت ذلك. لكن أن يذهل المرء من التزامن العجيب الذي أدى لوقوع التصادم أو أن يكون قد تنفس الصعداء ، لأن الحادث لم يخرق نظم السلامة النووية, فإن ذلك يعني أنه لم يفطن لخطورته. ولعل ما يبدو مستحيلا من أن تتصادم غواصتان نوويتان بعرض محيط واسع ، يذكرنا بالفكرة الخاطئة التي تفترض أن الأسلحة النووية لن تستخدم أبدا، فالصواريخ النووية ليست مزودة بزر يدمرها ذاتيا ، وبالتالي فإنها إذا انطلقت يصبح من المستحيل استرجاعها.