تحل بعد أيام معدودات الذكرى الأربعينية لرحيل الصديق محمد سكري ، الذي غادرنا الى دار البقاء يوم الخميس 23 فبراير 2012 بمصحة الأزهر بالرباط بعد معاناة مع المرض ودفن يوم الجمعة 24 فبراير بمقبرة الغفران بالدارالبيضاء ، وبهذه المناسبة الأليمة نسلط بعض الأضواء على مسيرته الفنية والثقافية من خلال هذه الورقة المحينة ، التي ألقيت بشكلها الأولي في حفل تكريم روحه الطاهرة يوم 16 مارس الأخير في اطار الدورة السابعة لمهرجان الرشيدية السينمائي الجامعي بحضور ثلة من أصدقائه النقاد والفنانين كمحمد بسطاوي وسعد الشرايبي ومحمد اشويكة ومحمد البوعيادي وعامر الشرقي ومولاي ادريس الجعيدي وحميد اتباتو ومحمد الرزين وغيرهم : محمد سكري : مثقف ومبدع متعدد الاهتمامات
الراحل محمد سكري ، أستاذ جامعي بكلية الحقوق بالدارالبيضاء وباحث متخصص في القانون العام والعلوم السياسية و ابستمولوجيا المفاهيم القانونية ، معروف بعمقه الانساني واهتماماته الفنية والثقافية المتعددة : مسرح ، سينما ، تشكيل ، أدب ، فلسفة ، اعلام ، سوسيولوجيا ، أنطروبولوجيا .... ازداد سنة 1952 بقرية البروج ، اقليمسطات ، وترعرع وعاش بمدينة الدارالبيضاء حيث درس وانفتح على العمل الجمعوي ومختلف المعارف والفنون . بدأت اهتماماته المسرحية كممثل ومخرج في جمعيات مسرحية من قبيل " الستار المسرحي " ، كما أشار الى ذلك الباحث المسرحي الأستاذ سالم اكويندي في نص له منشور بالملحق الفني لجريدة " المنعطف " عدد السبت 24 مارس 2012 ، وكان انفتاحه منذ البداية على النصوص السياسية ، سعد الله ونوس نموذجا ، واكتملت هذه الاهتمامات مع فرق مسرح الهواة في أوج ازدهاره وتكللت ، أواخر السبعينات من القرن الماضي ، بممارسته للنقد المسرحي وتأليف واخراج بعض المسرحيات من بينها " فامليت " التي أثارت ضجة اعلامية آنذاك نظرا لقوتها الابداعية ورؤيتها الجمالية المتقدمة . كان سكري حاضرا في تجربة مجموعة 77 للمسرح التي ساهم في تأسيسها الى جانب يوسف فاضل وحميد نجاح ومحمد قاوتي وأحمد أمل وآخرين والتي كانت قضيتها المركزية تتلخص في كيفية جعل المسرح ذاكرة للشعب ، مسرحية " رحلة حنظلة من الغفلة الى اليقظة " نموذجا ، وانخرط فنيا كغيره من شباب السبعينات في الصراع الايديولوجي الذي كان يطبع المرحلة . عشق محمد سكري السينما وشاهد وناقش نماذج من روائع الفن السابع العالمي في اطار حركة الأندية السينمائية لحظة أوجها وازدهارها في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وكان مرتبطا آنذاك بنادي العزائم السينمائي مع أصدقائه محمد الركاب ومحمد الطوزي وسعد الشرايبي ويوسف فاضل وغيرهم ، كما ساهم في تأسيس نادي العمل السينمائي وحضر أنشطة نوادي سينمائية أخرى داخل الدارالبيضاء وخارجها . وتمخض عن هذا النشاط السينمائي المكثف نشره لنصوص نقدية جميلة وعميقة واكب من خلالها وبانتظام ، عبر الجرائد والمجلات والكتب الجماعية ، تاريخ الفيلموغرافيا المغربية منذ انطلاقتها وحلل عينة من أفلام السينما العربية والافريقية والعالمية ، هذا بالاضافة الى كونه أحد المؤسسين البارزين للجمعية المغربية لنقاد السينما في منتصف التسعينات من القرن الماضي . لقد جمع سكري في اطار انشغالاته السينمائية بين النقد والبحث وتدريس التحليل الفيلمي ودلالة الصورة وأنظمة الانتاج بالمدارس والمعاهد السينمائية والسمعية البصرية الخصوصية والعمومية من جهة ، وبين الممارسة الابداعية ، من جهة أخرى ، حيث شخص دور البطولة في الفيلم القصير " حبة " من اخراج صديقه محمد منخار سنة 1998 وكتب ، الى جانب المخرج لحسن زينون ، سيناريو الفيلم الروائي الطويل " موشومة " الحائز على جائزة أفضل سيناريو بالمهرجان الوطني 13 للفيلم بطنجة في يناير 2012 . وتجدر الاشارة الى أن فقيد النقد السينمائي بالمغرب الاستاذ محمد سكري سبق له أن شارك في العديد من الندوات والموائد المستديرة ، متدخلا أو مسيرا ، وفي لجن تحكيم مسابقات المهرجانات المسرحية والسينمائية وغيرها . كما شارك في تأطير ورشات تكوينية.