اشتريت فيلا ضخما،وبما أنني لا أملك فيلا(villa) ،ولا أملك ضيعة،كنت مضطرا أن أداهنه تارة وأستعطفه تارة أخرى،حتى أتمكن من استدراجه إلى الطابق السابع حيث أسكن بمفردي في شقة صغيرة،تكاد لا تتسع لمئات الكتب والمجلات التي راكمتها مذ كنت طالبا،وعدد من المقالات التي كنت أدبجها محابيا الساسة " الأمريكان"،أيام كنت مراسلا معتمدا لصالح إحدى الصحف العالمية،قبل أن ينقطع حبل الود بيننا،وأرغم على الاستقالة لاختلاف خطوط العرض والطول بيننا،وحرية اختيار الألوان المناسبة. أما صديقي الفيل، فقد أبدى تفهما منقطع النظير لمحنتي، وقررنا أنا وهو- فيما يشبه الاتفاق-أن نتعايش معا،هو يؤنسني ويخفف عني لواعج الوحدة،وأنا أضمن له الحماية المؤقتة ريثما تهدأ الأوضاع ويستثب الأمن،إذ شاع في الآونة الأخيرة ظهور عصابات مقنعة تعمل لصالح دول تسعى إلى التسلح وتطوير ترسانتها،تتصيد كل فيل شارد وتعمل على تخذيره قبل أن تحز خرطومه،وتشدخ رأسه لاستخراج يرونه(2)لصنع عقار مضاد للضعف الجنسي. ذات صباح،وأنا أحلق ذقني،نظرت إلى المرآة فوجدتني شاحب الوجه ممتقعه. لم أكترث كثيرا للأمر. تذكرت صديقي الفيل الذي لم أسمع همهماته طوال الليل،ذلك أني تنازلت له عن غرفة نومي،إذ لم يكن من اللائق أن أقاسمه نفس السرير،فتذكرت حينها زوجتي التي كانت تهجرني غيرما ليلة،متبرمة من غطيطي. في تلك اللحظة خيل لي أن رائحة عطرها المفضل تنبعث من الزاوية اليمنى من المرآة،دنوت أكثر لآخذ نفسا عميقا،فنقرت المرآة بأنفي المعقوف،وتراجعت مبتسما،حينها لاحظت أن صورتي المنعكسة قد تضببت،فحاولت مسح المرآة لاستجلاء الرؤية بمنديل كان لا يزال يحمل آثار زوجتي،تلك التي حملت حاجياتها- ذات صباح- وقارورة عطرها،ولم تعد... صوت رخيم ينبعث عبر الأثير: "الساعة تشير إلى السابعة صباحا... علم من مصادر مطلعة أن فيلا من الفصيلة الإفريقية، قد وجد ممثلا به في ضاحية من ضواحي المدينة، وتجهل لحد الساعة الدوافع الكامنة وراء هذا الفعل الإجرامي..." تنبعث موسيقى صاخبة عقب الخبر اللعين،فأهرع للتخفيف من حدة الصوت.تذكرت أن صديقي الفيل، قد كان منذ يومين على غير عادته،فقد خرج هوا لآخر - كما خرجت زوجتي- وغابت عني أخباره،وظننت به ظنونا شتى: ربما ضل طريقه إلى الشقة،وربما رحل إلى موطنه الأصلي ،وربما قنصه القناصة،وربما أبرم اتفاقية هدنة مع أولئك... أما أنا فأصابني غم وكدر، واعتراني حزن عميق وشعور بالأسى على صديقي الفيل، فأصبحت نفسي تعاف اللحم، وتمج كل ما يمت إليه بصلة، بل أصبحت أكثر ميلا إلى أكل الخضر، وربما تحولت إلى إنسان عاشب،فأخذت لحيتي تطول ،إذ لم أعد أتعهدها بالحلاقة، وأصبح لي خرطوم على شاكلة الفيلة، وضربت على نفسي حصارا داخل شقتي لاأبرحها،بل لاأبرح الغرفة نفسها،خوفا من بطش القناصة.