إحتضنت مدينة حيفا ، عروس البحر ومدينة الكرمل وبلد القسام ، الأسبوع الماضي، أمسية إحتفالية تكريمية للشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم ، نظمتها دار "راية" للنشر لصاحبها الشاعر بشير شلش، وذلك بمناسبة صدور سيرته الذاتية ،وتقديراً لعطائه الشعري والأدبي ومسيرته الإبداعية والنضالية المتواصلة منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم . في هذه الامسية ، التي عاد فيها القاسم بشاله الاحمرالى "حيفاه" ،التي قضى فيها اجمل ايام شبوبيته وربيع عمره ، محرراً في صحافة الحزب الشيوعي ، صارح جمهوره ومحبي شعره بحقيقة اعتلال جسده بفعل ذلك المرض اللعين ، الذي ينهش الجسد ويفتك بالقلب والروح .. فقال :"لا حاجة للنكد ،فالجسد يمر بظروف صعبة ، وهذا اللقاء العائلي افضل من العلاج الكيماوي". وبدا "ابو وطن" منهكاً متمايلاً كالفراشة ، رغم روح الدعابة والفكاهة التي تميزه ،وابتسامته الدائمة للحياة ، ولم يخف قلقه من "ظل السكين على جسد التفاحة" كما جاء في قصيدته الرقيقة الانسيابية العفوية الموسومة"مستشفى"، التي القاها خلال الامسية ، وتذكرنا ببواكير قصائده ذات الوضوح والشفافية . وفي هذه القصيدة يصور عشقه وتشبثه بالحياة وتمسكه بالامل والتفاؤل ، ويبكي على الشباب الضائع " وداعاً يا ايام شبابي"، ويصول ويجول في اماكن ومواقع وطنه ،مستهلاً بجاره واد سلامة ، مشيراً الى عشقه "رائحة الكعك الطالع للتو من الافران في بيت المقدس " وحالماً بالعودة الى بيسان ، وانبهاره بملاحم وقصائد شعراء الحرية ، وحبه ل "عسل البطيخ البطوفي " و"التبغ الفسوطي المعلاوي" و"زيت الزيتون الراماوي" و"العرق الزحلاوي" و"عصير الليمون المصري في نكهة عبد الناصر"، ثم يحلق في فضاء الثورات العربية هاتفاً ل"ربيع الثورة الساطعة في تونس " و"الغضب البوعزيزي" و"ملهمات ساحة رابين وشارع وول ستريت " و"ميادين المدن الصينية " و"الارياف الهندية" . كذلك يستعيد سميح القاسم في قصيدته ايام الصبا والشباب وافتتانه بالجمال والجميلات والساحرات وغطرسة عطرهن، مؤكداً ولعه باغاني واناشيد الحب والهوى و"مواويل حلاقة عرسان الزفة وصبايا الحنا" و"روائع بيتهوفن " واغاني الدبكات الشعبية ، واجادة الرقصات الصالونية . ولم ينس تأكيد حبه للزوجة والابناء "في نعمة جدران البيت " وتقديره للطب واعشاب الطب وابر الطب الصيني ، ويجزل الشكر والامتنان لكل صناديق المرضى ، معلناً كراهيته لرائحة الادوية ورائحة المستشفى ، ومعبراً عن خوفه وقلقه من "ظل السكين على جسد التفاحة ". فيا سميح ، يا شاعر الوطن والارض والتراب والشعب والكفاح والمقاومة ، لا نخفي نحن ايضاً قلقنا عليك ، وليس امامنا سوى الصلاة والتضرع والابتهال ورفع الايدي الى السماء وطلب الشفاء لك . وكلنا ثقة انك قادر على التحدي والصمود والمواجهة ومقاومة المرض وقهره بالتفاؤل الثوري ، الذي عبرت عنه وجسدته في قصائدك العصماء ، وبالابداع الجميل . وهذا ما فعله الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس ، الذي عصف به المرض ولم يستسلم لكآبة الموت وفتك المرض وقاومه بالكتابة المسرحية وغزارة الانتاج ، وكان يردد :" اننا محكومون بالامل ، وما يحدث اليوم لا يمكن ان يكون نهاية التاريخ".