مبدع آخر يودع الدنيا ويهوى عن شجرة الادب ، تاركاً اعماله وروائعه واوراقه المبعثرة . انه الكاتب والروائي المصري التقدمي الانساني الكبير خيري شلبي ، الذي وافته المنية صباح السبت الأخير اثر نوبة قلبية حادة ، وذلك بعد مشوار حياة وعطاء حافل وزاخر بالابداع في مجال الرواية وفن القصة والنقد والدراسة الادبية. يعد خيري شلبي من كبار الكتاب المصريين التقدميين ، ومن اعمدة القص والسرد الروائي والنقد الاذاعي . ويعتبره النقاد في مصر والوطن العربي رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية الحديثة المعاصرة، وعميد دوحة الرواية المصرية ، وحكواتي الهوامش المنسية العارف باسرار المدينة ، ورسام الملامح والوجوه الذي مزج بين التراث والاسطورة واحلام الفقراء والمسحوقين والمهمشين . وهو ينتمي الى جيل الستينات ويقترن اسمه مع مجايليه ومعاصريه من الكتاب والمبدعين والمثقفين المصريين : جمال الغيطاني وصنع الله ابراهيم وبهاء طاهر وابراهيم اصلان وسواهم . عانى خيري شلبي الكتابة وكابدها ، وابتدع في الصحافة المصرية شكلاً ولوناً جديداً من الكتابة الادبية الصحفية هو فن "البورتريه" الذي يرسم ملامح شخصيات معروفة باسلوب ادبي ساخر شفاف. وعرف ببساطته وتواضعه ، وبدا دائماً ودوداً وبشوشاً ، محباً للحياة ، ضاحكاً ومبتسماً لها. عاش بين الناس، وعايش واقعهم، وصور آلامهم وآمالهم واحلامهم والتصق بهمومهم وقضاياهم ، وخاض المعارك ضد القهر والفقر والاستبداد والانسحاق ، وقارع المتأسلمين السياسيين والسلفيين الاصوليين حتى اللحظة الأخيرة من حياته ، وترك اثراً كبيراً في الحياة الادبية والثقافية والمجتمع المصري بكتاباته واعماله الروائية الابداعية. ابقى خيري شلبي وراءه اكثر من سبعين عملاً ومؤلفاً في القصة والرواية والدراسة الادبية ، وتعتبر روايته "وكالة عطيه" اهم اعماله الادبية ،ونال عليها جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الامريكية بالقاهرة. ومن اشهر رواياته ودراساته: محاكمة طه حسين ، تحقيق في قرار النيابة في كتاب "الشعر الجاهلي" ، لطائف اللطائف، صهاريج اللولؤ ، الاوباش، الشطار، زهرة الخشخاش، الوتد، بغلة العرش، نعناع الجناين، احمد السماك، وغيرها الكثير. تمتاز كتابات خيري شلبي بواقعيتها، والتصاقها بالهم العام والشأن المصري ، وتتصف باسلوبها السردي المشوق والسهل الممتنع ، ولغتها السلسة العذبة ، لغة الشوارع والهوامش والارصفة . وتنتمي رواياته الى الادب الايديلي الرعوي ، ادب الارصفة والشوارع والريف والاحياء الشعبية والازقة ، وتنبعث منها رائحة الارض والتراب وعرق الفلاح ، ونعيش من خلالها اجواء الاحياء الشعبية ، ونتحسس واقع وحال الفقراء والمهمشين والغلابى والمسحوقين . وهي تعبق بالروح الشعبية المصرية وتفوح بنكهتها الخاصة المميزة. وخيري شلبي هو من اصدق واعظم من تجلوّا وكتبوا عن القرية المصرية وعبّروا عن واقعها وافراحها واشجانها وهمومها واحزانها، وغاصوا في اعماقها وقاعها ودروبها ، وصوروا اجواءها تصويراً رائعاً بديعاً . فقد تفاعل مع المكان والواقع المعيش الراهن ،ولامس نبض الشارع ،واستلهم عالم القرية ،وبيئة المهمشين ، وتقمص مصر بكاملها ، ورسم العادات والتقاليد السائدة في الريف المصري والاحياء الشعبية الفقيرة ، واجاد في التوصيف وتوظيف القولكلور الشعبي التراثي والسير الشعبية . وصفوة القول، خيري شلبي هو احد اوتاد خيمة الرواية المصرية ، والكتابة القصصية الغامرة الفياضة ، التي تسيل عذوبة وطلاوة ،وتتدفق من خلال سرده كالينبوع الصافي . انه باختصار حكاء مصر الفصيح ، الذي تميز بلغته الجميلة البليغة وكنزه التراثي التاريخي ، وانحيازه الى صفوف المسحوقين وجموع المهمشين والقطاعات الشعبية . وتشكل وفاته خسارة عظيمة وجسيمة للحركة الروائية والقصصية المصرية والعربية.