أدخل السيف إلى غمده، غسل يديه ووجهه من آخر قطرة دم تعلقت بلحيته ، نظر إلى الساحة فبدت له كمقبرة عارية والرؤوس مفصولة عن أجسادها تشبه "الدلاح المهشم" أدرك لحظتها أن المعركة قد حسمت، مشى مزهوا كالطاووس نحو جواده.. اعترضه قائد الجيش باحترام مبالغ فيه لكن لا يخلو من حسم وحزم وقال: -لقد ألحقنا بجيشهم خسارة فادحة يا سيدي ، وسيكلفهم ذلك دهرا لإعادة بناءه، قتلنا منهم ما يقارب المليون وأسرنا الآلاف ، أما فيما يخص الغنائم سيدي كلفت أمين سركم بإنجاز تقرير مفصل يكون بين أيديكم غدا صباحا. لم ينبس ببنت شفه لكن ارتسمت على ملامحه ابتسامة عريضة عرض ساحة الحرب، وبدا له أنه أضاع وقتا كثيرا في الكلام همّ بدون أن يبالي بقائد الجيش أو حتى يأمره بأي شيء، امتطى جواده , أشهر سيفه في السماء وقال: -غدا سننطلق نحو قبيلة '' المشاغبين '' أريدها أن تكون المعركة الحاسمة. لكز برجله اليمنى مؤخرة جواده وانطلق كالسهم مخلفا وراءه سحابة من الغبار. وصل الخيمة التي لم تكن تبعد كثيرا عن الساحة التي وقعت فيها المعركة، بحيث اقيمت خصيصا لهذا الغرض جرد نفسه من الدروع والملابس الواقية التي كانت تثقل كاهله، وقد اعدت له الجواري حماما ساخنا معطرا بالورد.. استلقى فيه وشرد بخياله يسترجع وقائع الحرب، تدلت اجفانه من شدة العياء، احس بشيء يتحرك من وراءه،.. اراد ان يلتفت ليرى ماذا هناك.. منعته قبضة يد محكمة ، ولم يستطع فعل شيء، والخنجر يمر على عنقه من الوريد الى الوريد.