من بين كل الأنجال الموعودين بأن يرثوا السلطة لم أر ولم أستمع لأحد أشد فظاظة من سيف الإسلام القذافي ، الذي عاد مؤخرا بصفته " نجلا " ليصرح بأنه سيضرب المعارضين " بالجزمة " وأنهم " زبالة " . وتستوقفني في ذلك نفسية الحكم والسلطة ، تلك النفسية التي جعلت جمال مبارك يسخر باستهزاء شديد من فكرة محاورة الشباب مكتفيا بهز كتفيه والقهقه قائلا لأحد الحضور : رد عليهم أنت يا حسين ! . هذا الاستهزاء الشديد بالبشر والجماهير والشعوب هو الذي يسري أو سرى من القمة حتى زنزانات أجهزة أمن الدولة ، ليشيع مناخا بأن البشر لا يساوون مليما ، وأنه من الممكن سحقهم وتعذيبهم كما يحلو لكل ضابط . هذه الروح ذاتها هي التي تكلمت بها جيهان السادات في برنامج " شاهد علىالعصر " بقناة الجزيرة حين سألها المحاور عن اعتقال السادات للمئات في سبتمبر ، فقالت باستنكار " لكنهم كانوا يعيشون أفضل حياة ، تقريبا فنادق خمسة نجوم " ! قالتها كأنها مع أنور السادات وعصابته كانوا يمنون على الناس ويتكرمون عليهم بالاعتقال ، وأن واجب البشر هو " الشكر والعرفان " ! ورد عليها المحاور حينذاك بقوله : " لكنه اعتقال مهما كان " . بهذه الروح ذاتها ، روح التسلط ، وازدراء الناس تكلم سيف الإسلام . والواضح أن التوريث ليس سمة قاصرة على أنظمة الحكم العربية ، ففي سبتمبر 2010 عقد الحزب الحاكم في كوريا الشمالية مؤتمرا ورث فيه " النجل " كيم جونج أون مقعد أبيه كيم جونج إيل رئيسا للبلاد ، علما بأن والده هو الآخر سبق أن ورث مقعد الرئاسة عن أبيه كيم إيل سونج عام 1980 ! أما في الصين فإن سمعة " هو هايفنج " نجل الزعيم الصيني هو جينتاو تنبعث بالفساد واستغلال منصب أبيه للتربح والتجارة . وفي كوبا الاشتراكية ، لم يجد القائد الشهير فيدل كاسترو من يسلم له مقاليد السلطة سوى أخيه راؤول كاسترو ! في روسياالجديدة – بعد الشيوعية – أراد الرئيس بوريس يلتسين لابنته " تاتيانا " أن تحكم بعد أن عملت مع والدها بوريس يلتسين مساعدة له أربع سنوات في الكرملين دون أي مؤهل سوى أنها ابنته ! في قرغيزيا البائسة المنهكة من الفقر والتخلف فاز كرمان بك باكييف في الانتخابات الرئاسية عام 2009 ، وأصبح رئيسا للبلاد ، وسرعان ما اتضحت مواهب " النجل " فشغل ابنه الأكبر – بدون مناسبة - منصب رئيس جهاز الامن الوطني في الجمهورية القرغيزية. اما ابنه الاصغر فتولى ادارة وكالة التنمية والاستثمارات والمبتكرات في قرغيزيا .الأمثلة في عالمنا العربي ليست قليلة ، أشهرها بالطبع حسنى مبارك وولده ، وفي لبنان رفيق الحريري وولده سعد الحريري ، وأمير قطر حمد بن خليفة الذي استغل سفر والده واستولى على السلطة عام 1995 . وتثبت كل تلك الأمثلة وغيرها أنه من دون رقابة شعبية فإن الحاكم سرعان ما يمكن أسرته وعائلته من مفاتيح الإثراء والرشوة ، وعندما يرتشي ويثري الأقرباء بدون وجه حق ، فلابد من غض النظر عن الآخرين ، ومن ثم تتسع الدائرة حتى تبتلع المجتمع كله . ومع ذلك ، وعلى كثرة الأمثلة على " عودة النجل " أقول إنني لم أر ولم أسمع من هو أشد وقاحة من سيف الإسلام القذافي الذي ادعى أنه " مهندس الإصلاح " في ليبيا، فإذا بكل الإصلاح يسفر عن شيء واحد : " ح أضربهم بالجزمة .. أولئك الزبالة " ! . من دون رقابة شعبية سنظل نشهد فيلم " عودة النجل " وقديما قال ابن عروس : " ما تقولشي للنجل يا عم .. لو كان ع السرج راكب .. ما حد خالي من الهم .. حتى قلوع المراكب " ! ***