لا أدرى .. ينتابنى هذه الأيام أحساس غريب لا أفهم له مغزى ولا سبب وبالتأكيد يغير كثيرا من داخلى ويزيد من غربتى فى هذه الحياة **** سألتنى : لماذا تبحث فى داخلك دائما عن تفسير للخارج ؟ - لأننى أعرف ما بداخلى ولا أدرى عن الخارج .. - لكن ألا ترى أنك بحصر الخارج فى داخلك تفقد الخارج خارجيته وتحمل داخلك فوق طاقته ؟ - سؤال لم أفكر فى إجابة له من قبل ربما لأنه لم يخطر ببالى ألا الآن حين ألقيته على مسامعى ، وصدقينى إنى أحس بغربة شديدة كلما نظرت إلى الخارج وداخلى هو الذى يحمينى من السقوط . **** لا أدرى .. كيف تسلل هذا الإحساس إلى الخارج وأضفى على ملامحى الحزينة علامات متزايدة من الحزن جعلت من حولى يسألوننى كلما رأوا هذه الهيئة التى اكتسيت بها .. ما بك ؟ **** سألتنى : لماذا لا تنزل إلى بحر الحياة وتبحث فى قلب محاراته عن الحلول ؟ - أنا محاصر بأمواج البحر فكيف استطيع الهبوط إلى المحار القابع فى القاع ؟ - أنت دائما تبحث عن الأسهل ولا تحاول أن تجتهد ، وأنا أرى أن بحثك الدائم فى داخلك وتجاهل الخارج هو هروب - هروب ؟!! .. لولا أن السماء مطبقة على الأرض لا تسمح لى بالحركة لأخترقت حُجبها وانعزلت . **** لا أدرى .. نعم .. لا أدرى .. لكن صديقى الوحيد المسافر دائما ، عندما التقيته فى زيارته الأخيرة آكد لى هو الآخر أننى تغيرت ... مرت سنوات العمر دون أن انتبه ... غزا الشعر الأبيض فروة الرأس .. وتساقطت الاسنان .. ليس هذا فقط .. بل أن أكثر ما أثار حيرته هو ميلى الذى اشتد إلى العزلة حتى أنه أحس أنه غير قادر على أن يصهر ذاته المشتاقة فى ذاتى – كما اعتاد أن يفعل فى رحلاته السابقة – ليسترد الوطن ويعود من غربته **** سألتنى : لماذا لم تساعده وتساعد نفسك ؟! ... لماذا لم تحكىِ له ما حدث ؟!! .. لماذا لم تحاول أن تفسر له ذلك وتركته يرحل دون وطن ؟ - لم أعد أقدر أن أفسر .. أنا الأعزل فى مواجهة الدنيا .. الحصار الذى أرفضه يزداد .. لو أملك أن أقول لما ترددت - أنت تسلم للمقادير بأكثر مما يجب ، أحس أنك فى طريق الإنعزال الكامل .. أنا الآن أشعر أننا اثنان ، وأن الأمر إذا استمر على هذا الحال قد تنتفى علاقتنا .... - منذ متى تسرب إليك هذا الإحساس الذى صار يحتوينى ؟ .. كم من المرات شعرت به ؟.. إننى أشعر أن علاقتنا قد انتهت منذ زمن .. انظرى .. حاجز الوحدة ... أحس وأنا انْظُركِ من خلاله أننا غرباء .. غرباء.. غرباء