عرفنا جميعا أن قصيدة "لاعب النرد" هي آخر قصيدة كتبها الغائب الحاضر، الشاعر الرمز محمود درويش... لكن القليل منا يعرف الوصية التي تركها محمود درويش.. إنها وصية ٌ تختلف عن كل الوصايا الأخيرة للموشكين على إغفاءتهم الأخيرة والتدثر بالتراب... فمحمود درويش لم يوص ِ بتَرِكَتِه المالية وبمصير أوسمته وجوائزه ومكتبته المتنقلة معه، ولا بمصير ما لم يسمح له موته المفاجئ بنشره من إبداعاته الشعرية والنثرية.. الدكتور فايز صلاح أبو شمالة، أحد أقرب أصدقاء الشاعر الرمز محمود درويش... وقد استودعه الشاعر وصيته الأخيرة. عقب رحيل محمود درويش، قال أبو شمالة، إن الشاعر الفقيد قد حمّلني مسؤولية إيصال جملة واحدة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، طلب منه أن يرددها أمام الإسرائيليين، وبوجه الضغوط الأمريكية في أية مفاوضات قادمة... هذه الجملة هي بالحرف الواحد: "خُذوا أرضَ أُمّي بالسيفِ.. لكنّني لن أوقعَ باسمي على بيعِ شبرٍ من الشوكِ حولَ حقولِ الذُرةْ". هذه الجملة الشعرية ومن خلال تحليل بنيتها الأسلوبية لا يقولها غير محمود درويش... هي أكثر بلاغة من ديوان شعر كامل.. وأكثر إضاءة لعالم محمود درويش، من كل القناديل التي أسرجها دارسو شعره لمعرفة ذلك الاتحاد الذي يصل حدود التماهي بين محود درويش وفلسطين بل إن هذه الجملة بالغة الدلالة، تكفي لكشف السبب الجوهري وراء استقالة محمود درويش من عضوية المكتب التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم لرفضه منصب وزير الإعلام في في عهدَيْ ياسر عرفات وخلفه محمود عباس.. فالشاعر الرمز محمود درويش، كان يرى في اتفاقية أوسلو خطيئة أكبر من أن تُغتفر، شأنه في ذلك شأن صديقه المناضل والمفكر العربي المعروف "شفيق الحوت" الذي آثر هو الآخر، الخروج من خيمة منظمة التحرير الفلسطينية مع أنه كان أحد أهم أوتادها باعتباره من بين مؤسسيها الأوائل. لكن، هل سيردد محمود عباس، بوجه مفاوضيه الإسرائيليين والضغوط الأمريكية: خُذوا أرضَ أُمّي بالسيفِ لكنّني لن أوقعَ باسمي على بيعِ شبرٍ من الشوكِ حولَ حقولِ الذُرةْ؟ السجل الشخصي لمحمود عباس (وربما لكل القادة العرب الذين اتخذوا من "صورة الكرسي" بديلا ً عن "سورة الكرسي") لا يبعث على التفاؤل... فلا محمود عباس سيردد وصية محمود درويش أمام الإسرائيليين ورعاتهم الأمريكيين في مفاوضاته القادمة... ولا مفاوضنا العراقي سيردد أمام المفاوض الأمريكي: لا لأية اتفاقية أمنية معكم، لأن الشعب العراقي كله قال "لا" بحجم العراق... (أتمنى أن أكون مخطئا فيما يتعلق بمفاوضنا العراقي، فأقرأ خبرا يفيد بأن مفارضنا قد استجاب لإرادة الشعب العراقي، فقال للمفاوض الأمريكي: إفرضوا علينا إتفاقيتكم الأمنية بالسيف.. لكنني لن أوقع باسم الشعب على بقاء ولو ثكنة عسكرية أمريكية واحدة حتى لو كانت في صحراء السماوة وليست على مشارف بغداد أو داخل سفارتكم التي ستكون أكبر من قاعدتكم العسكرية في ديغو غارسيا) ***