علي طالب - فنان عراقي ولد في مدينة البصرة عام 1944. درس الرسم في بغداد والقاهرة (فن التصميم الطباعي) ودرّس الرسم في العراق والأردن. عضو مؤسس لأولى التجمعات الفنية العراقية في الستينات- جماعة المجددين 1965، كما أسس جماعة الظل في البصرة. أقام معارض عديدة في عواصم عربية وعالمية ونال جوائز عدة، منها الجائزة الأولى لمهرجان بغداد العالمي للفن التشكيلي عام 1986 والجائزة الأولى لبينالي الشارقة عام 1995. يقيم ويعمل حالياً في هولندا. من الواضح أن التحول الجديد يرتبط بظروف تاريخية واجتماعية، ولكن يبدو السؤال قائما، هل يرتبط التحول الجديد في الفن، وبالتحديد فنون الرسم؟ وللإجابة على هذا التساؤل لا بد أن يكون هناك تحديد لمسار الحركة التشكيلية المعاصرة وتحديدا في العراق. هذا فضلا عن الأسلوب المتبع من قبل الكثير من الرسامين الذين يختارون موضوعات وأفكار أعمالهم ونتاجا تهم من صميم تلك الظروف التي يبدو فيها الكثير من الأفكار التي تحسب عليهم دون انتباه. وبما أن التمهيد لا بد منه حتى في الفنون التشكيلية وخلافا للاتجاهات الأخرى، لا تكون البدايات تمهيدا حتى في المفاهيم العامة. يمتاز علي طالب بأفكار تصل في بعض الأحيان إلى خارج نطاق الحقيقة، ومن خلال لوحاته الأولى تبدو التعبيرية في مفاهيمها العامة كتيار يعمل ضمن منظومة يعمل عليها الكثير من الفنانين، إلا أنه الوحيد الذي أوجد طريقة التعبير بمستوى خاص تابع له. ولأن الفن عند ظهوره كان تعبيريا حتى وإن وجد في الكهوف كان يعكس مفهوما بل إدراك لكثير من الاستفسارات العالقة والباقية، في فكر الإنسان الأول تحتاج الى إجابات خاضعة بالدرجة الأساس الى التفسير الموضوعي، هذه نوع من الشرارة كسبها علي طالب في إشعال أفكاره التي دون بها التماثل البصري ليبتعد عن واقعه الاجتماعي ظاهرا ومتمسك به روحا، ولا بد للفنان من القبول بحقائق يتحرك ضمن دائرة يجعل من الأفكار هي العنصر الأساسي في التنفيذ ومن هنا فان نتاجات الفنان ومن خلال لوحاته أصبحت وسيلة اتصال بالآخرين ضمن منظومات محددة ينقل فيها المشاعر كيفما يشاء والأحاسيس والأفكار عندما يريد ذلك، هذه الرؤيا محددة عن الفنانين الآخرين لأن التعبير يصبح هو الأساس لإبراز المفاهيم منطلقة باتجاهاتها القديمة ولا زالت تمارس لحد الآن إرادة الفنان هنا تجسدت بوضوح في بدايات الثمانينات تحديدا، والإرادة هنا أقصد بها بداية التحولات ومفاهيم التماثل والتقابل بدأت هي الأخرى تشتغل في أفكاره، ولكن كيف يمكن إفراز تلك الأفكار من خلال اللون والفكرة، من خلال التقنية ومن خلال أدوات العمل هذا برأي الكاتب سلوك وموقف متشدد منه لأن عملية التغيير هي ليست إتمامها بالسهولة التي نتوقعها وخصوصا فن الرسم. لأنها بالأساس تكون خاضعة إلى اتجاهات مماثلة هدفها التعبير ربما عن الواقع او التعبير عن اهتمامات معينة تكون أكثر واقعية وأكثر إتقان، لوحاته الفنية لا بد من الإشارة عندها والوقوف ليس بعالم التأمل، وإنما تتخذ بعض الخطوات لتعكس ما يدور في أفكاره ولا تقتصر على ما يدور في تعبيرات أعماله ونتاجا ته الفنية التي بدأت من فترات ليست بالقصيرة من عمره الفني، وبما أن التوافق يتحقق بالمتماثلات البصرية بإعداد الرسائل، لا بد من تحقيق توازن لعناصر اللوحة الفنية عند الفنان وهذا جعله يعطي أرقاما خاصة له ضمن فلسفة أقرب إلى "الفيثاغورثيين"، وأعتقد هذه هي بداية التوافق الشكلي في التكوينات الهارمونية التي اعتمد عليها الفنان في بداية لوحاته، وهذا لا يعد تضارب مع تعبيرية لوحاته وإنما، كشف لدلائل التناظر المعد بواسطة التكوينات في الأفكار أولا ومن ثم تحقيق عامل النسبة والتناسب ليحقق جمالية، الواقع الرياضي من خلال هارمونية الألوان والتناظر في أشكال المفردات المستخدمة في رسم لوحاته وبالتالي نستطيع كشف الآثار الاجتماعية، المتغلغلة في أعماق الفنان وهنا لا بد من الغوص في أعماق هذا الجانب وتأثيراته البيئية، لكشف الواقع المؤدي إلى الفعل الإبداعي الفني. تلك لمحات موجزة عن موضوعات الفنان التي بدأت تأخذ نتاجا ته مظهرا من مظاهر الفن التشكيلي العراقي المعاصر وجاءت نتيجة الخبرة والتجريب، التي مثلت الأفكار بمختلف مزاياها التي نمت بقدراته الذاتية وتسير بقوة وخصوصا فترة الثمانينات وما بعد الألفين هنا أود الإشارة بدأت أعمال الفنان ولوحاته المرسومة تخضع إلى المنطق الداخلي وبالتحديد أقصد بالابتعاد عن الحقيقة هو ليس الدخول في اختلافات العوالم مع المجتمع والتنكر للقيم كونه الآن يعيش في المهجر بل العكس تماما، هو الآن يعيش بجو التأثير المتبادل بين أفكاره ذات النوازع الاجتماعية وبين أوضاع مجتمعه الذي يظهر فيه، صحيح التأثر بالمجتمعات ينال قسطا من تأثيرات متبادلة، ولا شك أن العرض الموجز للوحات الفنان العديدة تمر بالنمو التدريجي وكان لوحاته أشجار تنمو وفق معطيات تركيبة العلم وفي رأي الكاتب إنها تتضمن أدلة وشواهد تعزز الكلام وهذه ترتبط ارتباطا وثيقا بين حالة الأفكار وبين عناصر مجتمعه، التي كانت جزءا لا يتجزا من حياته اليومية التي مثلت وجه مجتمعه في العراق. يقدم علي طالب أمثلة كثيرة تثبت أن لوحاته تخصصت في فنون التشكيل بأنواعه في الكرافيك والتصميم الطباعي وحتى الملصق، كان أقرب إلى اللوحة الفنية، وهذا لا يتنافى مع تأكيد الأهمية الفردية له، ودوره الأساسي في كشف مسيرة مهمة من الفن التشكيلي المعاصر في العراق، إنه أوجد الأداة الصحيحة التي يستعين بها في نقل الأفكار، والكشوف كانت تتلقى بصورة حساسة من المتلقين والجمهور والمشتغلين بهذا المجال، هذا الكشف في اعتقادي يحتاج إلى تظافر عاملين مهمين لتحقيق التماثل البصري ولكن من خلال _ الحاجة الاجتماعية _ استقدام الأفكار هذه أعطت نتيجة لمعت من نتاجات الفنان نفسه، ولم تنطفيء لأنه ترك وراءه تأثيرات أعدت ظاهرة في التشكيل كما أسلفنا في الميدان النظري أراه انه أكاديمي يوصل المقدمات الرئيسة في الفن بطريقة تكاد تتشابه في التفاصيل عند الاكاديمين الأوربيين، وهذه بحد ذاتها ممارسة نضجت عند الفنان من خلال المشاركات في العديد من المسابقات في الفنون وفي الكثير من دول العالم، ولكن الكشف الرائع عنده يوصل المعلومة والأفكار من خلال اللوحة ومن خلال المفردة المستقدمة وبما أنها تحتاج الى تفسير منهجي وعلمي لايتوانى في إعداد طلبته والقضاء معهم ليتابع أراء وتعاليم تلاميذه، ويكملون وهو يصغي إلى النهاية ثم يبدأ برأيه وهذه لوحدها عملية تسيير الأفكار في حركة العلم الجديد، الذي توصل اليه في عسرة وضعه الاجتماعي في بلده العراق. وتأسيسا على ذلك وصلنا إلى جملة إثباتات في تحقيق التواصل من خلال التماثل البصري وهو حصيلة التفاعل بين عاملين البيئة الاجتماعية التي هيأت الأفكار وصنعة وحرفية الفنان التي انفرد بها عن اقرانه واختار الوقت المناسب لإظهار تلك الإثباتات وهذا اوجد الفارق الوحيد بين أقرانه في تأثير هذين العاملين المهمين. وفي ضوء هذا الاثبات يستطيع القاريء ان ينبض ويسير في افكار لوحاته وبالتاكيد سيرى المميزات الاضافية الغير مكشوفة ولكنها الآن من وجهة نظر المتلقي وليس من وجهة نظر الناقد. يعمل الفنان العراقي علي طالب في معرضه الأخير على تقنية خاصة في تنفيذ أعماله الأخيرة، تعتمد على تعدد الطبقات اللونية المتراكمة. ويتطلب هذا العمل على خامة اللوحة تركها لفترة غير قصيرة، ثم العمل عليها من جديد حتى تتحول مجموعة من الطبقات اللونية بحيث يمكن الحفر في هذه الطبقات وإحداث «أثر» بارز على سطح اللوحة. ونفذ الفنان هذه التقنية على عدد من الخامات كالزيت والاكريليك والورق المذهب. وجاءت الهرمونية اللونية ذات الألوان الثانوية الكابية لتعمق قوة «الأثر» وتمنحه بروزاً وقيمة هي بقايا ذكريات (( صلاح حسن )) كاتب وشاعر في هولندا.