لن ننسى وسنظل نتذكر مهرجانات الصحافة الشيوعية، التي كانت تقام في ذلك الزمن الجميل والرائع.. زمن القيم والمبادئ والنضال الحقيقي والتضحية والعطاء بلا مقابل، وزمن اعراس العمل التطوعي ، التي رسخها القائد والمناضل طيب الذكر توفيق زياد (ابو الامين) في سبعينات وثمانينات القرن المنصرم. فهذه المهرجانات شكلت تقليداً سنوياً ، وشكلاً من أشكال الحماس والنشاط الثوريين ، وكانت تستقطب جماهير حاشدة من كل انحاء الوطن، من الأوساط السياسية والادبية والثقافية والقوى الديمقراطية اليهودية، ومن القطاعات الشعبية الكادحة .وكانت تقام بين احضان وربوع الطبيعة الآخاذة والتلال الصغيرة والأشجار الخضراء اليانعة في احراش وادي عارة ، وعلى اسوار عكا، مدينة الجزار التاريخية التي لا تخاف هدير البحر ، وفي فنارها وأثارها الخالدة، حيث الأضواء المتلألئة ورائحة البحر، والأغاني الوطنية الثورية والسياسية الصداحة، اغاني فيروز وزياد الرحباني ومرسيل خليفة واحمد قعبور وخالد الهبر وسميح شقير وجورج قرزم ومصطفى الكرد وثائر البرغوثي، وسواهم من رواد الفن السياسي الملتزم الذي يهز الأرض ويدغدغ المشاعر. ومهرجانات الصحافة الشيوعية كانت بمثابة تكريم لهذه الصحافة الثورية التقدمية والعمالية الملتزمة ،ولقرائها وموزعيها وكتابها واقلامها ، وتوطيد للعلاقة الجدلية العضوية الوثيقة التي تربط هذه الصحافة بالشعب المسحوق الكادح ،والتأكيد على دورها في شحذ الأسلحة الفكرية وتعميم الموقف الثوري السياسي الواقعي ، وتذويت الكلمة الحرة الوطنية التقدمية الواعية ، كلمة الطبقة العاملة المسحوقة في معاركها الوطنية والطبقية من اجل السلام والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية . وللحقيقة والموضوعية ، ان الأدبيات الشيوعية "الاتحاد" و"الجديد" و"الغد" مثلت تجربة مهمة ورائدة في مسار ثقافتنا الوطنية والانسانية الديمقراطية ، وهي تراث انساني فلسطيني له اهميته وقيمته السياسية والثقافية الحضارية في الحركة الثقافية الفلسطينية في الداخل ،وفي صياغة الوعي التقدمي النضالي وتعميقه ونشره ،وانارة الطريق امام الأجيال الناشئة ، واحتضان اقلام شعبنا ، وتربية المواهب الادبية الجديدة على ضرورة ان يندمج الأدب بالشعب، يمتص الآلام منه ويلهمه في الوقت نفسه . ناهيك عن مساهمتها في مواجهة سياسة التجهيل والعدمية القومية ، والتصدي لجدار الحصار الثقافي والعزل الروحي للكتاب الثوريين ، ولمحلولات سحق ووأد الثقافة الوطنية بالقوة ، بالعنف،بالسجون والمنافي والاعتقالات وقطع الأرزاق والاقامات الجبرية. فأججت الروح الكفاحية المقاتلة وعبأت الشعب بالوعي وحرضته على المقاومة والرفض وعدم الخنوع والخضوع وطأطأة الرأس ، ومواجهة المشاريع الاقتلاعية من الوطن ، والتصدي الفاعل لسياسة القهر القومي والطبقي والتمييز العنصري. لكن من المؤسف والمؤلم غياب هذه المهرجانات واحتجاب "الجديد" الثقافية والفكرية و"الغد" الشبابية عن الصدور منذ سنوات طويلة لأسباب مالية واقتصادية بحتة،رغم الحاجة الماسة الشديدة لهذين المنبرين الهامين في عصر المادة وانهيار الحلم الثوري وتراجع القيم واضمحلالها ، وغزو العولمة وتصاعد موجات السلفية الدينية ووتائر القمع والارهاب الأصولي ، وفي الزمن الرديء المشوه الذي كثرت فيه صحف "البقدونس" على حد تعبير الراحل اميل حبيبي ، وغابت فيه منابر الثقافة الوطنية الحقيقية ، وخبا نور الاعلام الثوري والتنوري التقدمي،وانتشر الاعلام الاستهلاكي الرجعي والتجاري الربحي ،وسيطرت "ثقافة الواوا"و"ثقافة المقاهي والنرجيلة ". فهل تعود "الجديد" و"الغد" للصدور؟ وهل تعود مهرجانات الصحافة الشيوعية برونقها ، وكذلك اعراس العمل والكدح والكرامة ، اعراس العمل التطوعي؟! ام ان هذا حلم بعيد المنال!!