إن مجمل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي مر منها الشعب الفلسطيني ، دعت إلى نمو ثقافته الوطنية الثورية واغتنائها بمضامين وفنون جديدة. وفي الخمسينات من القرن الماضي بدأ يتأسس ويتشكل فن تصويري على الساحة الفنية قادر على التعبير عن الواقع الحياتي الموجع والمر والمأساوي، هو "الملصق السياسي" ، الذي ساهمت فيه نتاجات الفنان التشكيلي اللامع طيب الذكر، المرحوم إسماعيل شموط، حيث نجح وتمكن من رسم وتصوير معاناة وحياة بؤس اللاجئين الفلسطينيين والكآبة المحلقة في سماء المخيم الفلسطيني. وإذا القينا نظرة على هذا الملصق نجد ونلمس صدق انتمائه للفنون القتالية التعبوية ، التي حملت شعارات التصدي لمحاولات طمس الهوية الفلسطينية وتدمير الثقافة الوطنية واغتيال الشخصية الوطنية الفلسطينية . وكذلك تجسيده الحقيقي للتيارات الفكرية والسياسية بين الفصائل والتنظيمات السياسية الفلسطينية الديمقراطية ودعوته للوحدة الوطنية ، وتوجهه للجماهير الشعبية العريضة بلغة سهلة ومفهومة شأن الفنون الابداعية التعبوية الأخرى .اضافة الى استفادته من التراث الوطني الزاخر والقيم اللونية واستخدامه الواسع لكلمات العديد من القصائد والأغاني الثورية الملتزمة للشعراء الفلسطينيين ، وتوظيف الصور والدلالات التعبيرية المعروفة لدى الناس. ولعل أكثر الذين لجأوا الى تراث الكلمة الشعبية فنان الكاريكتير الساخر ناجي العلي طاب ثراه الذي قام ،بذكاء وحدة ،بتوظيف الامثال والمأثورات الشعبية والفولكلورية في مواقفه الانتقادية اللذعة والحادة تجاه الظواهر الانتهازية والنرجسية والسلبية في المجتمع والفكر السياسي والحياة الفلسطينية. ولا شك ان نجاح الملصق السياسي الفلسطيني يعود الى التمازج بين اللونين الأسود والأبيض والطرح الثوري التقدمي ، والمضمون التعبيري التحريض والاستفزازي ، ولكن رغم هذا النجاح، فقد عانى في تبلوره وتطوره الكثير من النواقص والقدرات التعبيرية والمستوى الفني. وتبقى كلمة اخيرة ان الملصق السياسي ، بما احتواه وتضمنه من غنى وتنوع الموضوعات والاساليب الفنية ، يشكل اداة فنية نضالية وكفاحية ترصد الاحداث وتداعياتها ، ويؤدي دوره في حياة الشعب والمسيرة الوطنية التحررية وتعبئة العقل وتحريض الوعي واستفزاز المشاعر ، ولذلك وجد حضوراً ومكاناً في ضمير الانسان الفلسطيني والحياة الفنية والثقافية الفلسطينية.