صدرت مجموعة قصصية جديدة للقاص المبدع سعيد عبيد، وذلك عن مطبعة أنفو- برانت بفاس. والمجموعة من القطع المتوسط، تقع في أربعٍ وتسعين صفحة، وهي بعنوان "الإهانة". ولا يخفى على القارئ ما يحمله هذا العنوان الإيحائي من دلالات كثيرة تلامس اهتمامات الفرد والمجتمع، وتصور ملامح الواقع برمزية مكثفة... تبدأ المجموعة القصصية بإهداء موجز ودال في (ص:5) ونصه: "إلى القابضين على جمر الغربة في أتّون الوطن المسْتعِر" وتنتهي المجموعة بفهرس شامل، وبين الإهداء والفهرس تتوزع قصص المجموعة التي بلغ تعدادها ثلاثين قصة، تُغري عناوينها الفنية- المختارة بدقة فائقة- بالقراءة والمتابعة. والقصص هي: (وشاية- قمر للبيع- النذل- العراف والجريمة- في الطريق إلى المكتب الشريف- المعرض- تأويل الرؤيا- الترجمة- المباراة- بقرة العم بوعلام- جيل الشوك- الخطيب الذي لغا- الغرباء- الإهانة أو لبنى المأساة- السي مطيع- في الغابة العالمية- أمان- السائحة- ... ماتت- الوصية- فرس في حديقة الأطفال- المفعول به- المنتحل صاحب البيرية- السجن- حارس السيارات الليلي- الاستدعاء- مدينة بلا قلب- التفات- مجرد أسوار- أما في هذا العالم أنبياء؟) أما غلاف المجموعة القصصية فبه صورة بليغة معبرة (انظر الصورة)، لعلها تجسد دلالة إيحائية للعنوان: (الإهانة)؛ حيث نرى فيها وردة وردية اللون ذابلة وأوراقها يابسة، وهي ملقاة بعنف ولا مبالاة على أرضية تبدو ترابية... فعِوض العناية بالوردة ووضعها في مزهرية مثلاً، تمّ إلقاؤها بذلك الشكل المذل والمهين... ويا لها من إهانة!! أما في ظهر الغلاف فنجد مقطعاً سردياً من قصة "الغرباء"، وبآخر هذا المقطع نقرأ: "- من البئر ينهل العطشى من حكمة الماء، وعلى الرابية يكون المرء أقرب ما يكون إلى السماء، وأي ضجعة للموت أهنأ وأشبه بصفاء الحياة من أن يحضن عظامك رحم تراب رؤوم بين حكمة الماء وعناية السماء؟!" إن قصص هذه المجموعة تعالج مواضيع متشعبة، وتجذب القارئ بكل رفق ليدخل عوالمها ويغوص في هموم موضوعاتها، ويبدأ مغامرة التنقيب عن موضوعة الإهانة، باحثاً عن بعض الأبعاد والإشراقات وهو يطرح تساؤلات تلو التساؤلات: عن أي إهانة تتحدث المجموعة القصصية؟ كيف عالجت كل قصة موضوعة الإهانة؟ ما علاقة الإهانة بحياتنا اليومية؟ ما الدلالات الكامنة وراء اختيار موضوع الإهانة؟... كما أن صاحب المجموعة القصصية قد قدم هذه القصص للمتلقي بطرق فنية وشكلية متينة ومتميزة، تُبيّن أن القاص سعيد عبيد كاتب وقاص بامتياز؛ يمتلك ناصية الكتابة السردية والإبداعية، لغةً وتصويراً وتجريباً وإمتاعاً ورؤيا وأدوات فنيّة... أخيراً أترك القارئ الكريم مع هذا المقطع الجميل من قصة "الإهانة أو لُبنى المأساة" التي وسمها القاص سعيد عبيد ب(قصقصيدة) لجمعها بين السرد والشعر. يقول المقطع: "قال العصفور لزهر الغار: - "كفكف دمعك"، لكن الزهر بكى وبكى حتى اخضلت شفتاه: - "أفتبصق لبنى فوقي يا أبتاه؟ وتعفر لبنا خدي في الأوحال؟ لو غيرك يا لبنى، لو غيرك يا بنت الطهر، يا من حوريات النور الخالص منك تغار، لو غيرك يا لبنى فعلتها لم أحفل، لم ينزف من همٍّ قلبي الحساس". قال العصفور: - "لا تأس كثيراً يا ولدي، همّي من همّك ؛ فأنا أيضاً ضربتني لبنى قبل الأمس، رمتني بالأحجار، انظر هذي قدمي مكسوره". - "أما كسر القلب فلا يجبر"...."