اشحتُ بنظري الى ما حول جبل النور بعد ان ادركتُ قمتهُ جاهدا ..ا فتسائلت بأي عالم يعيش العراق و كل ما اراه ليس فيهِ ..الخضراء الاشجار و حتى الوان الازاهير المدمجة مع ارضها و حصياتها تبرجت بصبغة قُداحها .. و الينابيع الصافية ترنم خريرها فكأن " فيروز" تغني صباحا من مذياعٍ ركن في زاوية مقهً متقادم في ازقة مدينة عتيقة .. و كورس من الشلالات الهادرة مصطفة تنشد للحرية هديرها .. بينما زقزقة العصافير تطرب طيور الحسون المتأرجحة على اغصانها الغضة و عبق الغابة ضبابٌ كأنهُ عطرُ جداتنا اللواتي اتقنّ فن التبرج بالعشب .. هكذا كانت صنيعة الطبيعة و مشيئتها التي خلقت بجغرافيتها بيئة تكامل جمالها فأبدع جمال اللوحة التي و ضع الانسان لمساته عليها فكان كمن يضع لؤلؤة في قلادة .. و اذا بالذاكرة ارجعتني عنوة لكل الفوضة التي هرجت امام تراتبية الاشياء بنسقها المنظم .. فترى الخطوط البيضاء جعلت من الطرقات دفاتر مدرسية اكثر من كونها شوارع مجردة و كل شجرة على قارعة الطريق رقمت و قد علمت تفاصيل حيتها و اصلها .. المصائف والمصارف الصرافات الهواتف العمومية الاسواق المركزية المستشفيات التخصصية تملاء المكان بل انها ربما تفوق احيانا حاجة المحتاجين و روادها .. عشيرة الناس وطنهم و عرفهم القانون مذهبهم النظام بيرقهم العلم و لا مغيث غير الحكومة .. اما الشرطي فلا تراه الا في بعض الاماكن الموحشة مذكرا البعض المتناسين بأن القانون يحكم الفيافي و القفار كما المدن العامرة .. ان كان ما اصفه الفردوس فهو جوارنا وان كنا الجحيم فنحن وقوده و ان كانت ارضنا ليست بولود للخضرة فهذا لعجز فلاحنا وعقم حباتهِ و خور صلبه . الا ان ميزتنا كوننا ندور حول ساقية للملل و قد اُفقئت اعيننا بسلال خوص النخل كي نسكن الظلام مثل " بومة " نحست نفسها فكانت مثلنا تدير ناعورا فولاذيا يغرفُ بدلاءهِ الصدئة من همومنا و الامنا ملقيا بها على ارض خنقتها الفتن و اضناها القحط .. فأذا بمُزن تشرين عطشى بعد ان ساقها السموم الذي زاحم الشمس على برد الشتاء فأيتم جمعة الأهل حول مدفئة سرحت مع ملابسنا الشتائية الثقيلة و رائحة الخبز المحمص على نارها .. فلم تعد حكايات الجدة خيالا مثاليا بل واقعا مراً مرارة الامراض المنتشرة و المستجدة و لا علاج لها عدى الصبر و الخرافة .. من على قمة جبل النور شاهدت العراق حزينا كسيرا شاحبا متألما .. من على قمة جبل النور شاهدت حوله جنة غناء و فردوس تملئها الحياة .. من على قمة جبل النور شاهدت النشور كيف يحيي الله الارض بعد موتها .. و كيف تموت جنة بأعناب و نخيل و طلع منضود و انهارا .. من على قمة جبل النور شاهدت العراق و هو يتدحرج من على قمة جبل ..