"لا تقلق يا بني فغدا يكون لك شأن" لازمة ترددها جدتي و هي تغزل مستظلة بظل شجرة الأركان، تصل أسماعي من بعيد و أنا ألعب. تغزل الوقت كما تغزل الصوف و أنا ألعب. بجوار بيدرنا منحوت صخر يقال عنه أنه جالب للسوء، و أنه وجه شؤم. لكني بالحق أحببته، أسميته أبا شؤم. هو حجر أصم أبكم و لكني أحسست معه ألفة لم أحسها مع الأحياء. أبو شؤم منقوش من حجر ممتد فوق البيدر، لا أحد يعرف من نقشه، وجهه يعلن عن مغتصبة تكاد تجعله مكشرا و الأنف مستطيل مائل و عينان غائرتان ثم صدر طويل.. نهتني أمي عن زيارة أبي شؤم فلم أنته، و زجرني أبي عن ذاك فلم أنزجر. أخلصت لأبي شؤم إخلاصا ليس بعده غدر. أخرج من الدار ثم ألتمس طريقي بين أشواك الصبار فأنتهي إلى أبي شؤم فألثم رأسه أجثم بقربه حتى تغرب الشمس فأعود. مشوار صغير اتخذته عادة من عاداتي اليومية كالأكل و الشرب. يحكون عن شؤم هذا التمثال حكايات غريبة، يرثونها أبا عن جد لعل أبرزها ترك عائلتي للبيدر و إنشاء آخر بعيدا للنجاة من شؤمه. والأغرب في حكاية أبي شؤم منزلته العجيبة لدى أناس القرية، فالكل يخشى أن يمر بمحاذاته و يتقون حتى النظر جهته وفي الوقت ذاته يقيمون موسما بالبيدر و محيطه كل عام يتبركون به و يذبحون الذبائح له و هم في سرائر أنفسهم يخشونه حد الموت. لكل ذلك اهتممت بأبي شؤم و أعجبت بسلطانه بين الناس، وأحببته ولو أنه حجر منقوش لا يملك دفع الأذى عن نفسه. في صبيحة يوم دافئ، وجدت رجلا غريبا في ثياب أغرب ينظر إلى أبي شؤم نظرة إعجاب و رضا، يقول شيئا لكنني لا أفهمه، يدون شيئا في مذكرته، تفرس فيه وأمعن النظر وكرس سحابة نهاره لدراسته بأشيائه العجيبة التي أخرجها من الحقيبة، كان يخاطبني بين الفينة و الأخرى ولكني أهرب منه ثم أعود لمراقبته، من البكرة إلى الأصيل دون كلل أو ملل. كان الغريب صاحب ابن الجيران، يقولون عنه إنه نصراني أتى من بلاد الثلج. لكنه لم يعجبني ولم أحبه ولم أستسغ ما يقوم به مع أبي شؤم. وكأن أبا شؤم يقول:"اطردوه من قريتكم، إنه يريد الفتك بي"، فبدأت أقول:"التمسوا الرحيل من الغريب". لكن لا حياة لمن تنادي، ينظرون إليه من جوانب أعينهم ثم لا يلقون إليه بالا، تركوه يفعل ما يشاء. صباح يوم ثلاثاء، استفقت و خرجت أجوب الأرجاء فلفت نظري غياب أبي شؤم. طفت بالمكان مرات وقد خيل لي أنني لست بالمكان المقصود، ولما تأكدت ووجدت مكانه حيث كان مستويا، شعرت بمرارة في حلقي ثم غلبني البكاء وقد علمت ما جرى. النصراني سرق أبا شؤم و ذهب، بكيت طويلا و انتحبت و لكن أنى يكون لي عنه عزاء. شتمت ابن الجيران وقلت :"إن الغريب صديقك، قد دمر صديقي و أودى به، لا حياة لكم، تسمحون بتدمير ميراث أجدادكم، الويل لكم و لقريتكم قد أتاها الأغراب عابرين فغنموا، ونحن أهلوها المقيمون لم نعرف كيف نغنم ..