تلك الشعيرات النابتة في ذقنه تزعجني دائما ، أراها كأعشاب متفرقة في أرضٍ جرداء . كلما جلس إلى جواري لا أرى سواها ، إذا لم يلحق بها ويجتثها تبدو كأشواك حادة تتوعدك . تُرى ما هو شعورها حين تفكر بقبلةٍ على وجنته ؟ أظنها لا تفعل . ********* دائما تُحيرني تلك النظرة التي يرمقني بها وعيناه المعلقتان بذقني دون النظر لشيء آخر . حين يحدثني لا تترك عيناه لحيتي وتتحرك لتواجه عيناي أو حتى شفتاي الناطقتان .... بلا شيء .... ثرثرة . بماذا يفكر ؟!!!! حين يجتمع وهي تشغلني نظراته إليها ، لو لم أكن أعرفه جيداً لقتلته . ترى ماذا تظن هي به ؟ لم تحدثني مرة واحدة عنه . ******* رأيته اليوم بحالٍ مذرية ، أشواكه تلونت بالأبيض كأنه عجوز هرِم ، هالني مظهره ، عدوت نحوه أسأله . أجابني الصمت بصمت لم يكن ضمن عاداته . تُراها تعبت من أشواكه فهجرته ؟!!! كررت سؤالي عن سره . أجاب عليِّ دمع لم أره يوما بعينيه . ****** للمرةِ الأولى تترك عيناه ذقني لتواجه دمعي ، حين سألني لم أجد لديِّ إجابةً غير دموع حبستها عنه طويلاً ، واريتها بثرثرة فارغة ، وعشرات من أدوار الكوتشينة التي التهمت الكثير من أوقاتنا . وجدته يعانقني بقوة كمن يأخذ ما بداخلي مني ليبتلعه جوفه ، مَدَّ يده ليأخذ وجهي بين كفيه وينظر لعينيّ مباشرة لأفيض بحر ناري . وقع مني في نهر الصمت وزاغت عيناه . ******* حين ضممت وجهه بين راحتي لم أحس أشواكه النابتة ، لم يكن لها وجود ، كسرها الحزن الساكن عمقه . فاجأتني عيناه بلونها العسلي الرائق وما تحويه من ألم ، ضممته بقوة فنفض عنه أشجانه . بحثت في ذاكراتي عن شيء ذا قيمة أملكه ، شيء به أدفع عنه وجعه ووجعها . لم أكن أدري أنَّ سر صمتها وذاك الشجن المزروع بعينيها هو انتظار رحيل هادئ مثلها . جلست إلى جواره يكبلني العجز لكني لم أعد أنظر لتلك الشعيرات المتناثرة على صفحة وجهه ، بت أتأمل قلبه الصامت الموجوع أبدا .