صدر مؤخراً عن دار مرسم للنشر بالرباط نص أدبي مشترك للشاعرين المغربيين ياسين عدنان وسعد سرحان تحت عنوان (مراكش: أسرار معلنة) في طبعة مزدوجة باللغتين العربية والفرنسية. هذا النص المفتوح جاء على شكل محاولة لرسم ملامح مدينة شعرية افتراضية تتقاسم الكثير من الأسرار مع مدينتهما مراكش وذلك من خلال نصوص يتداخل فيها الشعر بالنثر، التأمل بالحكي، الواقع بالأسطورة. أسطورة مراكش التي يعيد الشاعران تشكيل ملامحها في كتابة تُسائل الخطابات السياحية، السهلة والساذجة، التي تنتجها بعض الأقلام الصحافية والأدبية المتسرعة خصوصا باللغة الفرنسية عن المدينة، كما تزايد على هذه الخطابات بإلقاء المزيد من ظلال الغموض على مدينهم الساحرة، وكذا بالإسراف في الشعر ولغة الشعر. إن مراكش في الكتاب تتحول إلى عروس لغوية، وإلى قصيدة. وكلّ الأسرار التي وعد الشاعران بإعلانها في إصدارهما الأدبي الجديد لم تكن معلومات تاريخية ولا معطيات تُعمِّق المعرفة بالمكان. كانت ومضات شعرية واستعارات تخلق لدى القارئ المزيد من الالتباس. في (مراكش: أسرار معلنة) نكتشف مراكش أخرى. خريطة سرية للمدينة لا تُدرَك إلا حدساً. جسد مراكش الذي لا يمكن أن يناله مَن يزور المدينة بخريطة سياحية في اليد. أسرار مراكش كما يقترحها علينا ياسين عدنان وسعد سرحان جاءت في عشرة فصول: واحة الحكايا البتراء، فخامة النخل، مسام المدينة، وحواسها أيضاً، سوق الاستعارات، أسرار معلنة، مراكش بنت بغداد، الوصايا الصارمة، بازار بابل، ومكتبتها أيضاًً. ولأن الكتاب صدر في طبعة مزدوجة اللغة، بالعربية والفرنسية، فقد احتاج إلى غلافين وإلى لوحتي غلاف كانتا من إنجاز الفنان التشكيلي المغربي محمد نبيلي. مع العلم أن دار مرسم أصدرت أيضا (حافظة فنية / بورت فوليو) ضمَّت مقتطفات من الكتاب الأصلي إضافة إلى ست لوحات لمحمد نبيلي دائماً يستعيد فيها أسرار مراكش عبر الفرشاة هذه المرة، وذلك في طبعة فنية فاخرة. أما ترجمة الكتاب إلى الفرنسية فقد أنجزها الأستاذان الشاعر باللغة الفرنسية عبد القادر هجام والدكتور حميد جسوس أستاذ الترجمة بكلية الآداب بفاس. كتاب (مراكش: أسرار معلنة) جاء أيضاً لتكريس صداقة أدبية وإنسانية جمعت الشاعرين ياسين عدنان وسعد سرحان منذ أواخر الثمانينات، قبل أن يُصدرا معاً مجلة (أصوات معاصرة) من مراكش سنة 1991 ثم (الغارة الشعرية) فيما بعد. وجاءت أسرار مراكش لتعلن عن مدى عمق هذه الصداقة التي اتخذت لها من مراكش موطناً ومقاماً، ذريعةً وفضاء إبداع. وربما الإقامة في مراكش تعتبر أول أسرار الكتاب المعلنة. وفي هذا الإطار، يعتبر الأديب الإسباني الكبير خوان غويتيصولو الذي كتب مقدمة الكتاب بأن مراكش طالما وُصِفت من قِبل زوارها الأجانب أكثر مما وصفت من قبل أبنائها. مضيفاً أن لا حاجة للمراكشيين إلى وصف مدينتهم بحكم اعتيادهم عليها وتعرّفهم اليومي على قسماتها. لذا فقد جاء هذا الإصدار الاستثنائي مفاجئاً لصاحب (المقبرة) و(أسابيع الحديقة) الذي يضيف: »لقد شعرْتُ بمتعة أكيدة وأنا أتصفح هذا الكتاب/القصيدة، المليء بمفاجآتٍ وفخاخٍ نصبها ياسين عدنان وسعد سرحان ضدّاً على ما تُرهقنا به كلّ الدلائل السياحية من صور مسكوكة ومُسَلمات. لقد توصل الشاعران، بطريقتهما الخاصة، إلى ما استخلصه الكاتب الكبير والتر بنيامين، بخصوص الممرات الباريسية المسقوفة التي احتفى بها شارل بودلير: "إن تيه المرء داخل مدينة، مثل تيهه داخل غابة، يتطلب تربية معينة". إذ هاهي مراكش تستسلم أخيراً للحكي عبر صوتيهما. فهنيئا لهما.