أنا الآن ميت تماما ،أكاتبكم من تحت ركام القبر ،..اعترف لكم بأنني أذنبت كثيرا..لكنني لا استحق أن أموت في هذا الوقت وبهذه الحادثة العنيفة،.. أنا لم أكن عنيفا..انظروا إلى الصورة ..ستقرأون في عيني البراءة ..ستدركون من خلال الملامح ،أنني ما زلت اطمح للحياة..وأنني حاقد على تلك اللحظة الخاطئة التي اختطفتني من بينكم ،..لو كنت اعلم من قبل أن نهايتي ستكون هكذا..ما تهيأت للخروج من البيت،..وما فكرت في تلك المشئومة التي تراءت لي في المنام ،.. لا أنكر أنني عشقت فيها كل شيء..،..كانت صبية جريئة..عيناها البلوريتان كانتا تتخطفاني في منامي واستيقاظي... أنا كذلك كان لدي حلم..وطموح كبير..كنت هكذا أفكر في الاستقرار.."رصيد في البنك" أتزوج سلوى ..اسكن في آخر طبق من عمارة فضائية..!سأنزل "بلاسانسير" وأتوجه إلى سيارتي الفاخرة ..وأنا أسوي ربطة عنقي وزر المعطف الأنيق... امسح الضباب عن الزجاج الأمامي ..وسلوى من ستقوم بالقيادة ..،..طفلان يتبادلان اللعب في المقعد الخلفي..وسنسافر في العطلة إلي "الاسطنبول" او الى ارض النيل ..ربما سنكتشف التاريخ من جديد..عن طريق الأهرامات او في شرم الشيخ........عفوا......هذا لم يحدث ولن يحدث أبدا....فسلوى الآن تبحث عن شاب آخر ..ينسيها وجهي السالف..ينسيها كل اللحظات التي قضيناها نحلم بين أشجار السندباد...وورد الكاردينيا والأقحوان الذي يطرز حذيقة الكورنيش ،.. سلوى الآن تعيش على أمل ...تعيش حلما آخر..وأنا لم يبق من جسدي المشعر غير بعض العظام النخرة..،.. ما زلت اذكر يومها ..حين تركت الكرسي الذي اعتقد انه ما زال يحمل بصمات أصابعي..هناك في مقهى الزهور...وهرولت لاستقبالها ..وهي تنزل من" الأتوبيس" ..فصدمتني تلك الشاحنة اللعينة........ كان الجو رطبا ..والشارع نديا، آه ..كم كانت مفجعة تلك الميتة.. صار راسي تحت العجلة الخلفية ..!..كنت اراني كما كنت اراكم في نفس الوقت تتحلقون حولي ..وتضعون أيديكم على عيونكم..... لا بأس ....اعلم أن المشهد مفزع. .أحبائي كادوا أن يغتسلوا بدمي لو لم تمسكوهم...،...سلوى الوحيدة..لم تستطع البقاء بينكم ..غادرت ..وهي تحمل صورتي في قلبها ...وأنا ما زلت احملها كاملة في ما تبقى من رميم ....وقفت في الأخير سيارة حمراء..نزل منها فريق..مكون من عدة أفراد...استجمعوني..وأخذوني إلى مستودع الأموات...،... ياه كم قساة أولئك الذين يعاشرون الأموات..! اخذوا جثتي ..رموها بعنف هناك في جهة من غرفة مثلجة..بعدها ..جاء فريق آخر ..فتق صدري ..استأصل القلب والشرايين...ثم أخاطوني وهيئوني للدفن ... أنا لآن مرتاح من صخبكم ..وضجيجكم أيها الأحياء.