الفضاء و المبدع عنصران متداخلان يصعب الفصل بينهما لبناء نص أدبي صافي في جوهره ، صادق في شعوره و تعبيره ، أعمال عالمية كبرى كان مبدعوها شديد الارتباط بفضاءات معينة و عنها حكوا لنا أروع المشاعر و اصدق الاحاسيس ، جائت مئة عام من العزلة للأديب العالمي غابرييل غارسيا ماركيز لصيقة قرية أسطورية تحت اسم ماكوندو ، و كتب الطيب صالح موسم الهجرة الى الشمال مرتبطا أشد الإرتباط بقريته المترامية الأطراف على ضواحي نهر النيل بالسودان ، لكن سؤالا ما ظل عالقا في خطابات النقذ المعاصرة ، كيف يستوحي الكاتب فضاءا ما في عمله ؟ و ما نوع العلاقة التي تجمع بينهما ؟ تحضنهما و تضمهما في نتاج احادي لا يكاد الواحد فيهما ينفصل عن الاخر ؟ في لقاء أدبي بهيج عقدته جمعية العمل الثقافي بالمضيق ، طرح ذات السؤال ، و هذه المرة مع استحضار فضاء تطوان كنموذج ، عن أزقتها العتيقة و دروبها ، و عن اهلها و أناسها ، عن عوالمها الخفية و المستثيرة على حد سواء ، هذا اللقاء الذي أداره الأستاذ المفضل اخماش عضو الجمعية ، عرف ثلاث مداخلات لمبدعيين مشهود لهم بعلو كعبهم في مجال السرد ، و هم على التوالي الكاتب و المبدع محمد انقار ، الكاتب خالد أقلعي و الكاتب البشير الدامون ، ابتدأ الكاتب محمد انقار حديثه عن حضور مفهوم الفضاء في الكتابات النقذية المعاصرة كمفهوم جديد ، ليتحدث عن علاقته الخاصة بتطوان و التركيز على أبعادها الجغرافية و الزمنية و الإنسانية ، مع إعتراف جميل بتعلقه الخاص بدروب المدينة العتيقة ، تعلق وجد اني و عاطفي جعله روائيا تطوانيا بإمتياز . الكاتب خالد أقلعي تناول استثماره لفضاء تطوان في أعماله الروائية ، معتبرا أن هذا الفضاء شبيه بفضاءات أخرى و مدن أخرى كبغداد و دمشق ، نظرا لحضور طابع المدينة العريقة الذي تشترك فيه هذه المدن ، فيبقى المجال مفتوحا لإستلهام و استحضار شخوص هذا الفضاء و قيمه المثلى التي تسعى الحياة بواسطة أهلها الى زرعها في الأجيال بالتعاقب ، فتحضر قيم التسامح و التعايش كما وظفها الكاتب في روايته أطياف البيت القديم فكانت الفتيات التطوانيات يتعلمنها الى جانب تمكنهن من الصنعة في دار الصنعة ، معرجا بعد ذلك في حديثه عن دور المدينة في مقاومة المستعمر ، الامر الذي جعل تطوان فضاءا قارا و محوريا في كتابات خالد أقلعي ، كما كتاب أخرون . أما صاحب رواية سرير الأسرار ، الكاتب البشير الدامون ، فقد كان حديثه متمحورا حول تطوان في روايته هذه الصادرة عن دار الأداب ببيروت و التي لاقت نجاحا كبيرا ، ظفرت الى جنبه بقسط وافر من النقذ الأدبي داخل المغرب و خارجه ، فعلاقة الإنصهار بين الفضاء و جمالية الحكي على حد تعبير الكاتب هي الدافع الأساس لخروج العمل الأدبي الى الوجود في قالب فني يتماهى مع الروعة و الخلق الأنيق الراقي ، فيتحول الفضاء الى مولد مباشر للجمال كقيمة إ نسانية تسعى الروح الى بلوغها ، في رواية سرير الأسرار تحضر فضاءات تطوان و المضيق و واد لو ، كمحور تتكرر فيه دوامة المعاناة ، مع الإشارة الى مرحلة البداية ،أو مرحلة الطفولة التي تبدأ بفضاء المضيق و تتوزع بعدها مراحل الحياة المتلاحقة على فضاءات أخرى . ختام اللقاء كان إعلانا عن مسابقة في الإبداع الادبي تنظمها جمعية العمل الثقافي إحتفاء بالشباب المبدع بمدينة المضيق ، في الأجناس الأدبية الثلاث ، و ذلك تماشيا مع خطوها الدافع في إ تجاه تطوير الشأن الثقافي و العمل على خلق جيل مبدع يرتبط بفضاءه الخاص في البداية و يسرح بعدها لإقتناص عوالم أخرى في المستقبل .