تصدُر الأشياء من ذواتها ...هكذا قال العطار لبائعة النعناع .. الشمس حارة في أفقها ..فاترة في تعاملها مع ذوات الأشياء ..هكذا أجابت بائعة النعناع سيد العطارين. اليوم قائظ ..محطات كبيرة للانتظار والانتحار ..شوارع العطارين محفوفة ببيانات الانتحار والانتظار ..وبيانات التعبير عن الصمت المطلق ..والجرأة المطلّقة بلا مهر ..ثلاثا في ثلاث ..بيانات العطارين موازية لفتور الشمس .. ولصمت التوابل الموزعة على طابور الراغبين في التسجيل في قوائم الانتحار والانتظار .. الصمت كان جرأة موازية وما فتيء ..ويظل العطار موازيا لروائح توابله.. هكذا قالت الأنهار .. **** *** (أمعلم )،طفل صغير جدا .. يحبو..وقد تجاوز العشرين .. لكنه يدرك شؤون المراهقة المتقدمة ،شعره أشعت ،يميل نحو الصفاء والبياض ..بشرته تجاوزت فن المحن ..ومرحلة الهوايات ..والمراسلة .. يعي أحكام المنطق بمنظوره الخاص ..يجالس الفقهاء..والملحدين .. لكنه يعي مثلي مكنونات التوازي بين العطار وبائعة النعناع ..ورائحة التوابل ..يرشق بنظراته الحادة صنوف وصفوف المصلين خلف طابور الانتحار والانتظار . رمقني ذات دهر أشم رائحة العطارين غمغم..دنوتُ منه ..شدني من حبل الوريد .. كان الصمت يفجر ظنوني،لكنني انصرفتُ أصرف لحيظاتي في تفسير وجودية سارتر وأقوال ( دوركايم) . قلّدني رقما له مدلول ،امتثلتُ لأمر التكليف والتشريف ..لازمني الرقم حولا كاملا ..استلفت نظارات صاحبي الموزع بين قائمة الانتظار والانتحار .. قرأتُ الرقم .. وغمغمتُ في حياء.. استأنفتُ عملية الاستقراء .. والبحث في مكنونات القوائم المعلقة بجوار الثلاجة .. وظل (أمعلّم ) الطفل الصغير يحفني بالرعاية .. يحرسني .. يقتفي آثاري ..يطردني إلى الباب الأمامي كلما رغب في ممارسة طقوسه ..أقرفص تحت قسر الرقم ومدلولاته ..أجمع أشتات معتقداتي الموزعة بين الشيء واللاشيء.. أفتت ُبقايا أطعمة في جيبي الممزق..أداعبها بأناملي ..أستنطقُ الرقم ومدلوله ..يرمقني ( أمعلّم ) ..يحفني برعاية مطلقة..أحاول التنصّل من ذاتي،يكبلني الرقم المعلق إلى جوار قلبي ..ينتصب أمامي عطار مطارد من منظومة العطارين. أسأله عن الرقم الملازم لي ليل نهار ..يقهقه.. ويحيل الإجابة على سادة العطارين.. *** **** أفتشُ عن أشتات العطر المنبعث من إبطي النتن .. وأوزعُ الروائح على سادة العطارين..أحاول تفتيش جيوب الواققين في طابور الانتحار والانتظار ..أجوب الطابور ذهابا وإيابا ، أنتشل بقايا الأطعمة من الجيوب.. أعجنها في فرن بحجم الطابور ..أمارس بدوري طقوسا موازية لمعتقداتي وشكوكي.. ولمدلول رقمي..يشدني (أمعلّم ) من حبل الوريد .يقول في استعلاء: أخطأتَ فهم الدرس .. راجع دروسك..أنصرف.عي لحظتئذ بأنني جالس القرفصاء أمام الباب الأمامي . أستقريء نظرات المارة .. ***** **** كل الناس أغبياء ..باستثناء( أمعلم) .كلما خدش النهر الروافدَ، ينطق الرقم الملازم لي ،.ليعلن حق الفيتو ، أستغرب من رقم أصم .. يعلن الكبرياء والغطرسة.. استجوبه كبوليس بإحدى محطات العبور الحدودية : أنتَ جيل ،،، أم حبل ، أم جبل ؟؟؟ - رقم يحمل مدلولا ..ينتهي باللام مثلما تنتهي كلمات : جيل ، حبل ، جبل .. - أخاف من هول السؤال الموالي ..أنكمش مذعورا تحت رأفة( أمعلّم ) الذي يرعاني ويحفظني،لكنني ما أفتأ أردف : اللام لام الأمر .. - تتوسط الشمس صدر الأشياء...تنفلت بائعة النعناع من إجابات سيد العطارين..يعلن عتقي .. أمام طابور الانتظار والانتحار ..أصرخ: بايعوني..أنا أهل للإمارة..صوّتوا بالإجماع على مشروعي. يصمت الجميع، ما عدا بائعة النعناع التي انضمت إلى الطابور . - - أنا أعلن لك ولائي وعشقي.. - ترتجف جوارحي المثقلة بالرقم ..أرشق الجميع بنظرات بريئة، تحمل مدلولات الرقم ، أصرخ ثانية :فكوا قيود الرقم عني وبايعوني . - -سيد العطارين في كبرياء : تزوجها على بركة الله ،أنت أهل لها ، وهي أهل لك. - أبعثُ من فجوة عيني اليمنى نظرة أخرى إلى بائعة النعناع ..يتفتتُ الرقم الملازم تلقائيا ..تطعن شظايا الرقم قلب ( أمعلّم ) .. يحتمي تحت مظلة عروق النعناع ..تنبت شجرة باسقة.. تبتسم خاتمتي...يقهقه احتضاري..يبتسم (أمعلّم) .. ينطق الرقم: - - انعتوني :7622 - نصوّتُ بالإجماع على النعت ..ونصفّق . - تمتزج رائحة العطارين برائحة النعناع ..يمتد عشقي إلى البائعة ليمحو آثار الانتظار والانتحار ، والاحتضار ..يُفتح الباب الأمامي..أسترجع وجودية سارتر ..وأقوال (دوركايم).. تجذبني بائعة النعناع من يدي لتعلن العشق إلى الأبد .. - - اسمح لي( أمعلم) : من الروافد نسقي عروق النعناع .. نغرس بذور التوابل .. - أطبع ُقبلة على خد البائعة..وننصرف إلى الأبد .