من كان في حِلٍ مما يعوق وصلَه بمحبوبه وقال: أحِبُ. فإني في تصديقه بين شك و يقين، لأن الثبات على التعلق بالشيء دون وجود ما يعكر صفوه، قد لا يقوم دليلا على المثال فيه. أما من اجتمعت عليه صروف الدهر تقصم ظهره، و ظل ثابتا على هواه يقول: أحب . لا يرى عمن يحب بديلا، فإني مصدقه إطلاقا لشهادة الحال عليه، في المعنوي منه قبل المادي، لما يكابده من تمزق و صراع. أما إذا زاد على ذلك، مما يظهر منه بالجرأة في البوح بالتلميح ناهيك عن التصريح ، رغم ما هو فيه من إسار، يشده إلى واقع صار منه و إليه، محكوما بالعادة دون النظر، فتشعر كأنه ممزق بين المفارقة و التناقض، فاعلم أن تصديقه في دعوى الحب ومقاساته، ليس مما تصح فيه المزايدة عليه. و أقل ما تستطيعه في مواجهته بأمره، الرأفة به في لين العتاب، إن كنت ممن يتفهم صدوره عن عشق يصدق الوجد فيه، لكنك تبقى متحفظا على ما هو فيه، من الهيام بامرأة ثانية في الترتيب بالعد إلا أنها الأولى لديه في حب يعلنه. أما أقصى ما يمكن أن تأتيه نكاية به، فأن تَعْرض له أو تُعَرض به، ليس شكا في مقالة حب يكبره ، ولكن ريبا مما قد يؤول إليه الوضع، إما لصعوبة التصديق بالنظر من غير تجريب، وإما لاستحالة التحقيق بالتطبيق من غير انفصام، يزيد الواقع في تجريحه ، رغم قبول الشرع بتعديله، و في الحالتين، لن تجد شهادة له على ما هو فيه، سوى كلمات تدثرت من حزنه فيضا حينا من الصدق في منتهاه مع النفس، وحينا من الحرص أقصاه عليها خوفا من أثر الصدمة، أما إذا سعيت لبسط القول منه فيما يلهب صدره، محاولة منك لفهم أو تفهم أحواله، فلا شك أنك لائم ما يأتي منه مفتونا بتلك المرأة المثال، تسكنه غجرية بواد غير ذي عيون، حين تعلم أنهما الخرق المعلن للاستثناء، إرادةً بالقوة دون الفعل لكسر القاعدة، رغم البلوغ من السن ما لا يفي بالوصال مع الاتصال، ناهيك عن عجز أو خجل يمكن أن تعدهما طقوس منع تحكم بالانفصال. فهل مثلي يلام إذا بحب الغجرية صدح؟ ! معلنا طلاقه الدنيا بما فيها ومن فيها، إن لم تسع قلبين أخلصا في العشق حتى الفناء، دون أن يكون بينهما تماس جاوز همسا من خلف حجاب، ذات لقاء يتيم عدت ثوانيه بعمر الكون، ثم عاد بعده كل واحد منا لأحزان الفراق. ****