أحببت أن أسم موضوع قراءتي بالعنوان أعلاه لوضع حد، ومنذ البداية، فاصل بين الكتابة التأريخية بما تعنيه من مناهج ونظريات ومدارس، وبين صنوتها من الكتابة المنتمية إلى التاريخ لقربها من الأحداث والوقائع. بل لعلها هي عين بعض الأحداث والوقائع مسترجعة ومضغوطة بلعبة التخييل والتلحيم (من الملحمة). هذا أول مبرر دفعني إلى أن أنفي مباشرة عن "احتراق في زمن الصقيع" للصديق عبد الجليل الوزاني وهو ثاني عمل يصدر له بعد "تكيساس" عن منشورات مرايا بطنجة 2007 في 295 ص، قلت: أن أنفي النزوع البيوغرافي الموسع الذي كنا قد قيمنا به مؤلفه آنف الذكر حيث الكاتب نفسه قد أورده في عمله هذا راسما بذلك القطيعة أو نحوها مع "تكيساس"، وهو ميثاق ألزم به نفسه ليس فقط في ثنايا هذا العمل وإنما على دفة المتن أسفل الصورة التي تطرز واجهته حيث دغم الغلاف برواية ناصا و دالا. وإذن، فليطمئن كاتبنا الآن، الذي بدءاً، أهنئه على هذا العمل الملحمي الجدير بإجناسه داخل جنس الكتابة الروائية، أو ليست الرواية من أحد تعريفاتها أنها ملحمة برجوازية. يقوم هذا الأثر "احتراق في زمن الصقيع" على مثلث متوازي الأضلاع، زواياه: التاريخ، الشعرنة، ثم المتعة. إن "صقيع" نص اتسع لتعدد الأصوات (بوليفوني) والأزمنة والفضاءت في حبكة لا يعلم سرها سوى ضمير المتكلم الماسك بخيوط الحكي والسرد في تعنكب بديع. فبقدر ما هو معقد بقدر ما هو سلس مؤثث بأكثر من مكون سيميائي، مما سنعود إليه في حينه، فما النواة الصلبة في هذا الأثر؟ يتعلق الأمر بجمال الأحمدي البطل المركزي في سياق هذا الحكي الباذخ الذي ستدور حوله كل الأحداث بإشراك أبطاله وشخوصه، ما دام أن المسافة بين "أنا"الراوي و"أنا" المؤلف تتسم بالانفصال والاتصال في الآن ذاته، وها كم ما يدل على ذلك: - لم أكن أعرف أنك ماهرة في قراءة الكف عبر الهاتف، أم أنك قادرة على تحليل نبراتي الصوتية. - لا هذا ولا ذاك، ببساطة شديدة أنت مبدع، وكتابتك موسومة بهذا الطابع، لدرجة يعتقد من لم يعايشك عن قرب أنك بصدد سيرة ذاتية. - هذا صحيح، حتى أن بعض النفاد يصرون على أن روايتي الأولى سيرة ذاتية بشكل موسع ." هذا نص المكالمة الهاتفية التي جمعت بين إحدى شخوص الرواية وبطلها المركزي "جمال الأحمدي" الذي أضحى متصلا بالكاتب حد تسميته بجمال عبد الجليل الوزاني، ومع هذا لا يمكن أن نحكم على هذا العمل بكونه سيرة ذاتية موسعة كما أشار البطل ذاته سالفا، وإذن على هذا المستوى يتجلى تماهي الكاتب مع بطله، ويفترقان على طول مساحة هذا الأثر إلى درجة الالتباس، ننصت إلى الكاتب وهو يتوارى خلف نداء: - جمال، جمال افتح أولدي. ص 71. فملخص الحكي أن جمال الأحمدي طالب في الجامعة له زملاء وزميلات، تدور وقائع الرواية في تطوان أيام أحداث 84 التراجيدية، وهم أبطال ساهموا كل من موقعه في بناء هذا المعمار الروائي، بحيث ستحصد هذه الأحداث كل من خاض أو لم يخض في السياسة، ولو لمجرد الاشتباه، كما هو الحال مع البطل الذي يتصف بالسلبية والتذبذب على عكس "رؤوف" الذي كانت الأشياء واضحة في ذهنه، يقول الراوي: " كان رؤوف يؤمن أن ما يعطى بأقسام ومدرجات الكليات، كلام فارغ، ينتج عقولا جوفاء... وحينما أسأله عن طبيعة هذه القراءة يقول: - تلك التي تغذي العقل و الروح، وتبني شخصية الإنسان و تفتح عينه على الحقيقة وكنهها...الخ" ص17. وهو موقف كان لدى جل التقدميين اليساريين من الطلاب الذين اعتنقوا الماركسية منهجا في الحياة، بديلا عن الفكر السائد المكرس للواقع، والمبرر للظلم الاجتماعي المتجلي في الفوارق الطبقية وهيمنة الاستبداد، سواء باسم الدين أو باسم الفكر شبه الليبرالي الذي تبنته الدولة نهجا لسياستها دمغ مرحلة كاملة، مرحلة الجمر والرصاص إلى منتصف التسعينات. حيث سيحدث ما سمي بالانفراج. وبالرغم من التقارب الموجود بين جمال الأحمدي المتذبذب إلا أن الأول كان أميل إلى المحافظة، بل والانتهازية في كثير من المواقف التي تستدعي الحزم والحسم المبدئي يقول البطل: "كان عبد الرؤوف الماجدي أقرب الأصدقاء إلى نفسي" ص17. وعلى النقيض من ذلك اتسمت شخصية "محمود" بالمفارقة عندما يصفه الراوي بما يلي: ...كان محمود إلى اليمين أميل، ثم لم يتردد في إرسال لحيته، وتبني الأفكار الأصولية... كان يردد دون كلل أو ملل معتمدا على آراء سيد قطب، خاصة كتابه "معالم في الطريق ". وأمام هذين الموقفين المتعارضين حد المطلق، كان جمال وثلة من زملائه محسن الليثي ومراد بن عمر يقفون في الوسط في حياد بارد مترجمين بذلك موقف كتلة طلابية واجتماعية انتهازية معرقلة لحركة التاريخ، مانعة أي تغيير يقلب الأوضاع إلى أحلام رؤوف ورفاقه، فئة من المجتمع انتظارية ومتواكلة، تنتظر التغيير من المجهول مما فسح المجال لفئة أخرى وجدت المناخ مساعدا على الترعرع والانتشار مثل النار في الهشيم، جعل من هذه الفئة "المحايدة" تقف مذهولة وكأن على رأسها الطير، لننصت إلى جمال الأحمدي كيف يشخص الوضع: "... كنا نستغرب كيف تدرج محمود في التيار الذي أخده واستهواه، معتزا بصحوته الإسلامية، التي انتشرت تباشيرها من المشرق الإسلامي إلى مغربه، تتخذ من مقاومة المجاهدين الأفغان للسوفيات الشيوعيين، نموذجا للوجه الإسلامي المعاصر المشرق، في وقت ساد فيه الظلام وهيمن، على حد تعبيره" ص33 . لقد أحببت التركيز على شخصية جمال الأحمدي بوصفها مفردا بصيغة الجمع من جهة، ولكونه مجسدا للشخصية المركبة من حيث بناؤها الذي وفق الكاتب إلى حد بعيد في الإمساك بمختلف أبعادها: السيكولوجية الاجتماعية والثقافية، على نحو يذكرنا بنمط الروائي نجيب محفوظ في كثير من أعماله سيما في رائعته " زقاق المدق"، وبالرجوع إلى هذا التمزق النفسي الذي يكاد يدمر البطل تدميرا أمام لحظة صحوة الضمير يتمكن عبد الجليل الوزاني من تعميق الموقف في مأساوية قاتمة وقاتلة، لقد تورط في الموقف ذاته الذي سبق لأحد أبطاله أن وقع فيه وأعني رؤوف التقدمي الذي كان ملتزما في الساحة الطلابية مع زميلته زبيدة إذ كما أثمرت خطيئتهما بدرتها. وكان رؤوف قد زج به في الاعتقال الذي رافق أحداث 84، أعاب جمال الأحمدي المحافظ على صديقه التصرف، بيد أن الظروف ستدفع بجمال إلى المفارقة يقول جمال: "... أحلام أو خطيئة التقدمي يتبناها السلفي في غفلة منهما معا..."/"- أجل لله في ذلك حكم ، سبحانه إن مأساة الإنسان الحقيقية تترتب عن تقديراته الخاطئة".ص 211 . إن المسألة بالنسبة لجمال الأحمدي مختزلة في آخر المطاف، في سوء التقدير وتبريرية قدرية تتنصل من المسؤولية، فقدره قاده إلى ارتكاب ما ارتكبه رؤوف مع زبيدة، حينما تخلى عن زينب المرأة المطلقة التي آوى أبوها الرايس جمالا عندما فزع إليه هاربا من البوليس أثناء الحملة التمشيطية التي أعقبت الأحداث الأليمة آنئذ. يلاحظ عمق المفارقة مرة أخرى، حينما يصرح جمال في تعال أخلاقي ".. رؤوف، أيتها الفكرة الطائشة في زمن لا يرحم من أخطأ التقدير، أو أساء التصرف... هذه زبيدة تحترق بلظى حبك، تتمزق أحشاؤها من جراء بذرة طائشة منك، لأنك ربما، لم تحسن تقديرك للأشياء". بسهولة حكم جمال على هذا الثنائي أخلاقيا فوضعهما خارج نطاق المجتمع المؤمثل الذي في ذهنه لا الذي في واقعه مثل كثير من الخطابات التي تتبنى الأطروحة وضدها، بحسب المواقف، نحن المغاربة نقول: "الله ينصر من أصبح". لكن الذي أريد أن أوضحه في هذا العمل أن الروائي عبد الجليل قد أتقن لعبة السرد القائمة على مفهوم السردلوجيا ونحو السرد: أي محاولة اكتشاف لغة السرد: النظام الأساسي للقواعد والإمكانيات التي يكون أي كلام سردي (النص) تحقيقا لها. لقد ظل هذا المشروع محتكرا من طرف الباحثين الأوربيين، من قبيل بروب، وبرومون، وكريماس، وليفي استراوس، وطودوروف، وبارث وغيرهم، و أهم ما يقوم عليه هذا التراث، فكرتان أساسيتان هما: الوظيفة والتحويل: ففي نظرية كريماس مثلا، يتشكل كل سرد، أساسا، من نقل / موضوع أو قيمة، من فاعل إلى آخر. وكنا نود أن نخضع هذا العمل الروائي إلى نجاعة المربع السيميائي. إلا أن طول العمل حال دون ذلك، فاكتفينا بالإحالة على بارث بما أن عبد الجليل الوزاني قد اعتمد نظام المتواليات السردية في بناء معماره الروائي أي: ما أسماه بارث: بالمتواليات التي تفتح أو تغلق إمكانيات أمام الشخصيات، وبالتالي أمام للقارئ. إذ أهمية هذه الإنفتاحات والإغلاقات قد تكون إما إرجاعية تساهم في حل لغز ما عرض في النص، من قبيل الكود التأويلي، واستقبالية تجعل جمهور القراء يتساءل عما سيقع بعد الكود التوقعي، الشيء الذي برع فيه الكاتب لما وزع فضاءه الروائي إلى ستين فصلا كله مبني على التشويق مثلا: لا ندري ما كان سيفعله رؤوف لما سيخرج من معتقله ولا كنا نتوقع ما سيصنعه جمال لما سيقع في يد الاعتقال مثلا، فهذه أنوية سردية، على حد تعبير كولد فنكر لاين فلمنغ تغذي الأنوية الأساسية التي يكون لها أثر مباشر على التطور الموالي للسرد كما يمكن أن تغلقها، ولا يمكن حذف تلك الأنوية دون أن يحدث تغيير في مسار الحكي، ولذلك في تقديري الشخصي، فأي حذف يمس بالسرد الواقعي المتجسد في " احتراق في زمن الصقيع"، لا بد وأن يغير من معناه وأثره، بما أن المقاطع ترتبط بمفهوم أعم كالتكوين النفسي للشخصيات أو جو القصة، إذ تشتغل كعلامات عاملية فتمسي عبارة عن مخبرات، لذلك رأى جوناثان كالر أن قدرتنا الحدسية على التمييز بين الأنوية الأساسية والمنشطات وترتيبها بحسب الأهمية تخضع لكفاءة القارئ. قد يلاحظ أنني استفدت من بعض مفاهيم كريماس، وكنت أود أن أطبق مربعه السيميائي على الوحدات السردية في هذا العمل الروائي، لكن طول الرواية وحجمها حال دون تحقيق ذلك، لذا تم الاقتصار على بعض الوظائف من قبيل التركيز على شخصية جمال الأحمدي وتجليها الملتبس جماليا، بحيث إن هذه الشخصية هي فاعل جامع لكل الشخصيات فيما الضياع تيمة بانية للنص، جاء على لسان الراوي في آخر صفحة من الرواية ما يلي: "كنت قد اتكأت على زجاج النافذة غارقا في يأسي، بسيجارتي، حينما لاح لي وجه زينب، وهي تركب القطار المتجه في الخط المعاكس، كانت سرعة القطار لازلت بطيئة، رأيتها تبتسم لي بمقلتين حزينتين، حدث ذلك في ثوان خاطفة. وجدتني أسير بالممر فعساني أن ألحق بها، نزلت إلى الرصيف من أول باب صادفته أمامي، وصرت أعدو وأعدو وراء القطار الذي كلما حاولت اللحاق به، إلا وزاد من سرعته، ثم اختفى في قلب الظلام تاركا وراءه ضبابا مختلطا بالحقيقة والوهم. التفت ورائي فألفيت القطار الذي من المفروض أن يقلني إلا الرباط، قد بدأ يتحرك بدوره، تذكرت حقيبتي وما بها من متاعي الصغير، كنت شرعت في العدو عائدا، أفرغ ما بقي بي من جهد، فعساني ألحق به. لكني كنت قد أضعت الاتجاهين. فقط، وجدتني خارج المحطة أتخبط في العتمة بخطواتي المتهالكة." ص 295 ليس أدل على هذا الضياع والتياهان في غياهب المجهول من هذا المقطع كتيمة تأويلية لضياع جيل بكامله وراء أحلام التحرر والانعتاق من ثقل الموروث وعاتقة التقاليد، لقد تقاطع الخطاب التاريخي بالخطاب الروائي في بوتقة تخييلية جعلت من النص شهادة تاريخية، ومن المؤلف شاهدا لا مؤرخا، بالمعنى الذي يفقد صقيع روائيتها بوصفها سمة إجناسية، لقد توالدت مشاهد حكائية تدين الواقع، وتكشف عن مدى مأساويته، وترد الاعتبار للتاريخ الشفوي لنتأمل هذه الرواية الشفوية يقول الراوي: " يقال والله أعلم إن عبد ابن عبد الكريم لما هزم خصومه من المنتصرة وهي الصفة التي توجد بالوثيقة التي قرأت، والمعروف أن هؤلاء وصفوا بها لمناصرتهم الاستعمار، وتأييدهم لمعاهدة الحماية، عمل الأمير على مصادرة ممتلكاتهم وخاصة أراضيهم، وقام ببيعها لمؤيديه من المجاهدين، وبتلك الطريقة تمكن من جمع ثروة طائلة، من أجل تموين حملته العسكرية، ولكن بعد انهزامه، ووقوعه في الأسر، اختفت تلك الأموال، ولم يعرف مصيرها." ص132 وبلغة الشكلانيين الروس المنهجية التي تميز في إنجازها الكبير في مجال إنشائية الرواية بين المتن الحكائي ... والمبنى الحكائي ... من جهة، لأن "احتراق في زمن الصقيع" تحتوي على قصة تبدو أكثر حيادا وموضوعية وتسلسلا، وهي كما يمكن أن تكون قد وقعت في الزمان والمكان ( 84 – تطوان)، أعني المتوالية المتصلة من الأحداث الحقيقية التي تعج بها، ومن جهة أخرى النص ذاته حيث تتم محاكاة هذه القصة والذي يحتفظ بمجموعة من الثغرات والحذوف... والتشديدات ... والتحريفات المتعذر اجتنابها لكنها مبررة، لقد توجت نجاعة هذا المنهج بأعمال جيرار جنيت خصوصا كتابه (خطاب السرد 1972) حيث أثبت أن ثمة ميدانين رئيسيين يعدل فيهما المبنى الحكائي المتن الحكائي هما: الزمن وما يدعى وجهة نظر في النقد الأنكلوأمريكي، غير أني لاحظت أن عبد الجليل الوزاني كان واعيا بتميز آخر داخل منجزه الروائي، وهو المتعلق بمن يرى الأحداث والصوت من يحكيها، ولقد لفت الانتباه إلى ذلك جرار جنيت حينما ميز بشكل مثير بين ثلاثة أنواع في التنظيم (أو التشويه) الزمني للمتن الحكائي من طرف المبنى الحكائي وهي على التوالي: الترتيب... والديمومة... والتواتر.... ويتعلق أول هذه الأنواع بالعلاقة بين نسق الأحداث في المتن الحكائي، والذي هو غالبا تسلسلي، ونسق الأحداث في المبنى الحكائي الذي لا يكون بالضرورة كذلك. أما النوع الثاني يتعلق بالعلاقة بين المدة المفترضة في المتن الحكائي والوقت الذي يستغرقه حكيها، أي قراءة الحكاية في المبنى الحكائي والذي يمكن أن يطول أو يقصر أو يتماثل تقريبا، ثم النوع الثالث يتعلق بعدد المرات التي يقع فيها الحدث في المتن الحكائي، وعدد المرات التي يتم بها حكيه في المبنى الحكائي، وتجنبا للإطالة فهي أربع احتمالات. إن الاختيارات التي قام بها الوزاني على هذا المستوى في هذا العمل تأتي بمعنى من المعاني قبل و"أعمق" من اختياراته الأسلوبية في صياغة البنية السطحية للنص رغم أنها تضع قيودا ملحوظة على ما يمكنه انجازه في البنية السطحية، إنها كذلك ذات أهمية بالغة في الرواية الواقعية التي تتميز إذا ما قورنت بأشكال سردية أخرى بمعالجة للزمنية مميزة بدقة وشبه تاريخية، وبعمق ومرونة كبيرين في عرضها للشعور. قيمة أخرى أود الإشارة إليها في هذه الورقة وهي المتعلقة بالأسلوب الذي وفق فيه الوزاني إلى حد بعيد في المزاوجة بين نثرية شعرية وشعرية منثورة في أكثر من فصل، لقد كتبت بعض المقاطع بالعين، بالصورة مما يدفع إلى الاعتقاد بأن هذا العمل برمته يصلح سينمائيا، فهو أقرب من لغة السيناريو، ولما لا يصنف داخل نطاق سينما المؤلف؟ مما صعد جماليا في البنية السطحية للرواية. وإليكم نموذجا من هذا التصعيد الشعري في هذا المتن: " كنت ألثم أصابعها بشفتي المحمومتين. أراها تنحني علي شيئا فشيئا، صارت تقبل جبيني، ثم أخذت رأسي، وضمته إلى صدرها... كان نور المصباح قد اختفى، خصلات شعرها المسدولة على وجهي وصدري أوجت لي أنني أهيم بأدغال غابة استوائية كثيفة، امتزجت بأنفي روائح مختلفة مشحونة بعبق الأنوثة الطري الدافئ. " ص163 أو حينما أخرج جمال الأحمدي قلما وفتح أحد دفاتره وصار يكتب: إلى الثريا "حينما يشدني صمتي، يغرد هذا العصفور بداخلي ........... ويظل صمتي قيدي. صمتي أم روع العشق في عيني يغريك" ص48 بهذه التوأمة الأسلوبية أصل إلى ختام وتأكيد ما أرسلته من حكم في بداية هذه الورقة المتواضعة بأننا بصدد ميلاد روائي مميز قد اختار نهجا في الكتابة الروائية أصفه برواية القرب المنطلقة من تجربة محدودة في الزمان (84) ومحصورة بالمحل، تطوان، إلا أنها رواية قابلة لأن يتسع عليها الخرق خصوصا إذا كان الراتق من وزن عبد الجليل الوزاني.