اندحرت فكرة الفن للفن... وانهارت مقولة الأدب للمتعة لا غير... تقوض منها الصرح عندهم منذ زمان... ما بقيت في الحقيقة الموجودة ولا الراسخة إلا في ثنايا عقولنا نحن الذين لُقناها وحفظناها حرفا حرفا، حتى ما عادت فينا ذرة من كيان يمكن أن تفرط فيها أو أن تنبذها... انفجرت وانتثرت شظاياها، وعسى نُلهم الرشد فندقق حولها الرؤية، وتتبدى لنا آنذاك تلك الأوصال منها متداعية في مزبلة أوهام الفكر ما صنعت في الأصل إلا للتأثير علينا لتسهيل تدجيننا... إنه ساركوزي رئيس فرنسا بلد الأنوار... وإنه الرئيس المنتخب من طرف أبناء ذاك البلد المتنور المتقدم المتحضر المُتغنَّى بالديموقراطية وحقوق الإنسان فوق كل أسواره وعلى كل شبر من أراضيه... وإنه أيضا هو ذلك الممثل لفكر الثورة الفرنسية، فكر التحرير والتنوير... ثم إنه ذلك المفاخر بالفكر الحداثي عاهدنا أنفسنا كمثقفين أن لا نمتح إلا منه ومن معين نظرائه... إنه هو بالضبط من نسف "مصباح" هاته المقولة، ثم وأضحينا السابحين في بحر الظلمات، وحتى التائهين في غيابات الشك، ولا ندري أكان ما آمنا به حق؟ أم هي الغشاوة كانت حاضرة وجعلتنا العمى الصم السذج لا نرى ولا نسمع ولا نكاد نفقه شيئا؟ اصطنع ذاك المتنور جائزة للنسوانية "سيمون دي بوفوار"، "جائزة أدبية رفيعة المستوى" كما قال عنها... وستمنحها فرنسا كل عام إسهاما في تقدير الإنجازات النسوية في العالم، ثم وارتأى أن تسليمة نسرين البنغالية "المسلمة"هي من تستحقها... رؤية خاصة للأدب!! وزاوية نظر مختلفة يصطفى منها ذاك النسق من الكلمات الذي يستحق التكريم!!! ومعايير تقييم للأدبية في النصوص حتما مغايرة للتي دأبنا نحن على توسلها! إنه المضمون لا القالب السردي ولا الجمالية ولا الشعرية ولا حتى النول الذي نسجت عليه الكلمات من كان السبب في الحظوة فازت بها "إبداعات" تلك الكاتبة المغمورة... وهي الجرأة على الدين ما دفع بها قدما إلى تحت الأضواء التي سلطت عليها منذ مدة، ثم وكان أن غارت في خضم النسيان حتى استخرجها ساركوزي، وقرر أن هي من لها التتويج دون غيرها، لأنها رفعت بيارق في معارك الدفاع عن النساء... ثم حتى وإن كانت قد فعلت وحققت للمرأة انعتاقات ما... فما شأن الأدب بهذا والأدب كما عُلِّمنا من طرف الغرب القبلة ما هو إلا للمتعة يحققها للقارئ المتلقي، ولا شأن له بالمواعظ والأخلاق، وحتى بالتوجيهات أو بالاستنتاجات الفكرية المبثوثة فيه مهما كانت الصحيحة المؤثرة والفاعلة... أأصبح القدح في الإسلام ذاك القيد للنساء المكبل للنساء كما صور في "إبداعات" تلك "المبدعة" هو سبب التميز ووسم الرفعة، واعتلى به ما كتبته عاليا في سماوات الأدب حتى استحق أن يكون الممهور بالجائزة ومن لدن بلد الأنوار؟؟؟ لا بد أنه انتقاد الدين والتمرد على تعاليمه كمنحى فكري من مسلمة هو ما دفع بالغرب إلى تمييز ما كتبته وبالتالي تكريمها، إذ ما توهب الجوائز منهم إلا لمن يحوز الرضا من بعد ما يَستوعب المطلوب ويُنفذ الأوامر... فأين احتساب الأسلوب واللغة والشعرية وحسن تنسيق الكلمات وكل ما يدخل في هذا النطاق من خصائص الكتابة الأدبية، والكل يشهد أنها تلك الطبيبة الكاتبة كانت فقط الناشدة للرضا منه ذلك الغرب طلبا للقرب وللشهرة، ولم يكن لكتابتها البسيطة التقريرية ما يمكن أن يرفعها حتى إلى مصاف الكتابة الأدبية، بله الارتفاع إلى استحقاق التميّز فيها... فلقد فَعَّل ساركوزي ومن ورائه فرنسا والغرب كله مقومات الهوية منه من أجل الحكم بذاك التميز كامن في نصوص تسليمة نسرين، وما حَكَّم أبدا تلكم المعايير النقدية الأدبية التي صُدِّرت إلينا، أو حتى استوردناها طواعية وتشربناها من أجل اصطفاء الراقي والمتألق من أنماط نسيج الكلمات... إذ تلك المعايير الوافدة المتجذر حبها في نفوس النقاد منا لا يمكن أن تسمح لهم أبدا باستحسان نص لاحتفاءه بفكرة ما، ثم ويكون النص بسيطا لا جمالية لغوية ولا سردية فيه... ثم وهي لا يمكن أن تتيح لهم إمكانية استهجان نص رائق اللغة متناسق الأسلوب، وفيه مديح للانحرافات الأخلاقية أو الاجتماعية أو حتى سب واحتقار للدين... إذ هم الأكثر ملكية من الملك، والأكثر إنسانية وأممية من سائر الأمم... وبالخصوص الأعظم إخلاصا والأعمق وفاء لتلك المعايير من النقد، حتى ولو كانت الهوية هي من ستذبح وتقدم قربانا على مذبح هيكل الآداب... إذ هي الحمولة الفكرية للنص ما لا يجب اعتماده أبدا تحت طائلة الوسم بالرجعية وبالجهل من أجل الحكم على الإبداعات الأدبية كما يقولون ويرددون في كل آن وحين... فأين كل هذا من تصرف ساركوزي؟ ذلك الذي ما استراحت يداه من حمل مكاسب الصفقات الاقتصادية المهداة له من طرف بني يعرب المسلمين حين الزيارة الأخيرة إلى مضاربهم حتى قرر أن يتوج من أهانت دينهم، و كذا توسلت تحقير مبادئه من أجل لفت نظره وبهدف كسب فتات اهتمام الغرب!! قرر ساركوزي وضع النياشين على صدرها، وحتى طلب أن يتم ذلك في عاصمة الأنوار... لكنها تلك النياشين ما يمكن أن تعوضها عن وطن افتقدته، ولا الغرب عوضها عنه، إذ هي الشريدة الطريدة في بلاد الهند. فما هنئت منه حتى الآن ولو بالأمن كان يجب أن يوفره لها كأمثالها من المرتزقة، ممن باعوا هوياتهم وقايضوها بالإقامة في سجون على أرضه وُضعوا فيها، ثم ببضع شذرات من شهرة أو ما نفعتهم إلا في جلب أنظار المتطرفين لكي يتعقبوهم وهم الهلعون الخائفون في كل الديار... ثم وقد حسم الغرب الأمر، وقرر احتساب الفكر المضمن في النصوص حين النقد ضدا على الحداثيين من عندنا، فهل من فكر نظيف كامن في تركة تلك التي صُنعت الجائزة من أجلها وأنيلت لتلك "الأديبة المناضلة"؟؟؟ بتاريخ 3 يناير 2008 نشرت جريدة نوفيل أبسرفاتور الفرنسية على صفحة غلافها صورة لتلك النسوانية المناضلة أيضا من أجل حقوق المرأة... وكانت فيها "تناضل" من أجل إبلاغ رسالة عريها التام (1) لمن قام بتصويرها، أي ذلك الغريم المفترض... الرجل... ذاك الذي ما فتئت تجعجع مدة حياتها حول التخلص من ربق قيود الارتباط به، لكنها في الحقيقة ما انفكت إلا تلك الأسيرة المشدودة إليه مع عدم الاعتراف لها حتى بتلك الوشائج الرابطة... إذ كانت مجرد العشيقة الخليلة لذلك الوجودي سارتر، والمطلعة والمتفرجة أيضا على الكم من علاقاته النسائية المتناسلة المتعددة حتى مع طالباتها في الجامعة، تلك التي كانت تدرس مبادئ فلسفتها النسوانية التحريرية فيها... إذا الجائزة غير مشرفة بالنسبة إلى رمزها المرتبط بها، ثم وهي غير المضيفة شيئا إلى أمجاد المسلمين... لكنها في الحقيقة وعلى كل حال يمكن أن تنفع ذوي الألباب من الأدباء والنقاد في إعادة التفكير حول ما استجلب من مبادئ النقد الأدبي من الغرب، ذاك الجواد "الكريم" المتبرع بتكريم الأدباء المرتزقة منا... صالحة رحوتي